ظهور الإسلام وقيام الدولة الإسلامية
حالة الجزيرة العربية قبل الإسلام
قبل ظهور الإسلام قامت دول كثيرة متعاقبة في شبه الجزيرة العربية, مثل دولة “معين”, “قتبان” و “سبأ” التي ذكرت في القرآن الكريم, و دولة حمير التي ضلت قائمة حتى احتلتها الحبشة , ثم الفرس و ظلت كذلك حتى حررها الإسلام من الاحتلال الفارسي و أسلم أهلها.
و قامت إمارات عربية مثل إمارة “المناذرة” فى “العراق” وكانت عاصمتها مدينة “الحيرة” وإمارة “الغساسنة” فى جنوب “الشام” وأما بقية شبه الجزيرة فكان يعيش أهلها حياة قبلية, و كان المجتمع يتكون من عدد من القبائل المتناحرة، إذ كانت الحروب مستمرة فيما بينها لأسباب تافهة كالتسابق على موارد الماء وأماكن الرعي، والتنافس على الشرف والرئاسة.( النزاع الدائر بين الأوس والخزرج في المدينة)
أحوال العرب الدينية
عرفت بلاد العرب التوحيد قبل الإسلام بزمن طويل, فقد نزلت بها “رسالة هود عليه السلام, جنوبي شرقي الجزيرة العربية, و رسالة صالح عليه السلام في شماليها الغربي, كما عرفوا التوحيد من رسالة إسماعيل عليه السلام. و لكن بمرور الزمن نسوا هذه الرسالات و تحولوا إلى الوثنية و عبادة الأصنام (اللات و العزى).
و إذا كانت الوثنية قد سادت بلاد العرب, فإن اليهودية و المسيحية عرفت طريقها إليها, فتركزت المسيحية في نجران (اليمن), و اليهودية, شمال الحجاز (يثرب, خيبر, وادي الري و تيماء)
ظهور الإسلام و قيام الدولة الإسلامية
بدأت قصة الدعوة الإسلامية عندما بلغ الرسول الكريم سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الأربعين من عمره حيث أنزل الله على قلبه القرآن الكريم، الدستور الخالد للإسلام والمسلمين، ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور و ليهتدي به البشر في كل زمان ومكان.
ومرت الدعوة الإسلامية بمرحلتين: المرحلة السريّة التي استمرت ثلاث سنوات وتمت فيها الدعوة إلى الدين الجديد وترك عبادة الأصنام والأوثان سرّاً. وآمن في هذه المرحلة أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وفي مقدمتهم زوجته خديجة بنت خويلد، وابن عمه علي بن أبي طالب، ومولاه زيد بن حارثة. أما المرحلة العلنية فانطلقت فيها الدعوة عامة نحو قريش والقبائل الأخرى، والتي واجهت المسلمين باستخدام أنواع الاضطهاد والعذاب.
فبعد فشل محاولات قريش في إغراء النبي بالأموال والمناصب، عمد المشركون إلى التشكيك بقدراته العقلية، وإيذائه بالكلام مروراً بالتعذيب الجسدي للمسلمين، وحصارهم في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات وقاطعوهم مقاطعة تامة. واضطر الكثير من المسلمين للهجرة إلى الحبشة تخلصاً من الأذى الذي ألحقته بهم قريش حفاظاً على دينهم، إلا أن دخول عدد من أفراد قبيلتي الأوس والخزرج في الإسلام ومبايعتهم للرسول الكريم , قد غيّر الموازين لصالح المسلمين.
وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة، وهو كاره حزين، متجهاً إلى يثرب. ويعد تاريخ 16 ربيع الأول-20 سبتمبر سنة 622 م، يوم دخوله إلى يثرب, حدث عظيم في تاريخ الإسلام لأنه يعتبر بدء رسوخ الإسلام وتدعيمه وهذا ما نسميه بالهجرة ، ولهذا جعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بداية التاريخ الهجري عند المسلمين.
وبدأ المسلمون بالهجرة من مكة إلى يثرب فانتقل الإسلام من مرحلة الدعوة إلى الدولة، وفسح المجال لتطبيق مبادئ الإسلام عملياً وبناء نواة الدولة الإسلامية. وقد حفلت السنوات الباقية من حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأحداث جسام، فقام بالعديد من الخطوات لبناء المجتمع الإسلامي في يثرب – التي تحول اسمها إلى المدينة المنورة – فبني المسجد، وأعلنت المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، وتم تحديد العلاقة بين المسلمين واليهود. وتصدى – من جهة أخرى – إلى المخاطر التي مثلتها قبيلة قريش، واشتبك معها بالعديد من الحروب ابتداءً من معركة بدر الكبرى مروراً بمعارك أُحُد والخندق حتى تم فتح مكة في العام الثامن للهجرة.
ولم يهمل النبي الكريم صلى الله عليه و سلم دعوة حُكّام المناطق المجاورة إلى الإسلام، فاستجاب القليل منهم ورفض أكثرهم، و دخل معظم شبه الجزيرة العربية في الإسلام. وهكذا استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم بقدرته السياسية الفائقة، أن يوحد صفوف هذه الأمة المعقدة بأحزابها وفرقها المختلفة، وأن يحدد شكل الدولة الإسلامية.
وبعد أن أكمل الرسول صلى الله عليه و سلم إبلاغ رسالته، ونزلت الآية الكريمة (اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وأتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسلامَ دِيناً) (المائدة 3)، و خطب خطبته الجامعة في حجة الوداع عام 10 للهجرة التي حدّد فيها أركان الإسلام وحقوق المسلمين وواجباتهم، اختاره الله تعالى إلى جواره بعد أن وصلت تعاليم الإسلام إلى معظم شبه الجزيرة العربية وطرقت أبواب المناطق المجاورة. ومع وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم سنة 632ه , بدأ عهد الفتوحات الإسلامية .
ولم تلبث هذه الدولة العربية الإسلامية الفتية أن قامت بإنجازات عسكرية وحضارية واسعة النطاق في عهد الخلفاء الراشدين و الخلافة الأموية و العباسية… ومن أهمها حركة الفتوحات الكبرى التي زادت في مساحتها.
و لقد استطاع الإسلام من أن يحدث ثورة شاملة في حياة العرب شملت مناحيها كافة، ونقلتهم من حالة التردي والضياع إلى أمّة متميزة أدت أعظم الأدوار وأخطرها في مصير العالم والحضارات الإنسانية لقرون طويلة من الزمن.