– إنحراف الشباب- أسباب و حلول
بقلم : الفقير محمد بوطاهر بن أحمدبن الشيخ الحساني
انحراف الشباب ظاهرة عالمية ترهق الباحثين في إيجاد حلول لها, دون جدوى. و الدول الإسلامية كغيرها من الدول, لم يسلم بعض شبابها من عدوى هذا الداء العضال.
و الانحراف في العالم الإسلامي, يعد تعبيرا عن عدم قدرة المجتمع في إيصال القيم الإسلامية للشباب المنحرف.
وإن الشاب عادة, يواجه مشاكل متعددة تؤثر في حياته فينحرف عن الطريق، ويخرج عن قوانين المجتمع وسلوكياته. و يعتبر الشاب منحرفا إذا ارتكب جرما (سرقة, تعدي على الغير, قتل…) يعاقب عليه القانون.
و هناك انحراف من نوع ثاني, ينطوي على مجرد مظهر من مظاهر السلوك السيئ كعدم طاعة الوالدين والتشرد والهروب من المنـزل أو من المدرسة, ومخالطة المنحرفين والمشتبه بهم ،إلا أن مثل هذا السلوك قد يتطور إلى الانحراف بالمعنى الإجرامي إذا لم يعالج ويقاوم.
وقد يجر الانحراف أحيانا, حالات من الكآبة والقلق والأرق والتشاؤم واليأس والإحباط والشعور بالعجز وتأنيب الضمير، والإعراض عن الطعام والهزال والانطواء، وهي ثمار للعديد من الانحرافات التي يبتلى بها الشباب، وقد يدفع بعضها إلى الانفعال وضيق الصدر بالآخرين، وإلى الملل, والرغبة بالانتقام، والحقد، والميل إلى الأفكار السلبية ومنها الانتحار.
و الانحراف لا يرجع إلى نقص في طبيعة الشباب ولا إلى نزعة دفينة في نفوسهم ، إنما يرجع إلى عدة عوامل, سنحاول تفصيلها في ما يلي :
المحور الأول :أسباب الانحراف
1-الهدر المدرسي :
يعد الهدر المدرسي من الظواهر المتزايدة بين الشباب المراهق ، فبعضٌ من التلاميذ في المرحلة الابتدائية يعزف عن مواصلة تعليمه الإعدادي والثانوي لأسباب اجتماعية . والبعضٌ الآخر , لا يسمح لهم ضعف مستواهم الدراسي بتخطي عقبة امتحان الباكلوريا. وتتفاقم الظاهرة أكثر بعد المرحلة الثانوية. ولعل من أهم الأسباب التي تدفع بالشباب إلى عدم مواصلة الدراسة تلخص فيما يلي :
عدم ملائمة المناهج التعليمية مع متطلبات سوق الشغل, والقصور في العملية التعليمية أو طرق التدريس (المناهج, كثرة الدروس, قصر المدة الزمنية للدراسة, ظاهرة الاكتظاظ في الأقسام…), وجود تنافر في العلاقة بين الطالب و الأستاذ أو إدارة المدرسة أو الثانوية.
عدم وجود التوجيه البناء من قبل الأسرة لمساعدة الطالب في اختيار التخصص المناسب لميوله وقدراته, مما يجعله لا يتفاعل مع التخصص الذي يدرسه لعدم رغبته فيه,فيحصل نوع من النفور بين الطالب وما يدرسه, يؤدي به إلى الإخفاق وبالتالي ترك الدراسة تماماً .
عملية الانتقاء الأولي و الشروط التعجيزية التي تضعها جل المؤسسات التعليمية لولوجها, بعد اجتياز الباكلوريا, نظرا لعدم توفرها على مناصب كافية لاستقبالهم, تضع الطالب أماء الطريق المسدود.
انقطاع الصلة بين ما يتلقاه الطالب من علوم ومعارف وبين حياته العملية حيث لا يرى فيما يتعلمه ما يسهم في إعداده للحصول على مهنــة المستقبل .
ظاهرة اليأس و الإحباط من آفاق المستقبل المسدود, نظرا للمعاناة التي يعانيها الشباب العاطل خريجي الجامعات و المؤسسات التعليمية العمومية و الخصوصية في الحصول على وظائف.
خضوع فرص الشغل القليلة لمعاير الانتقاء الغير العادل. ثم لمباريات لم يتلق الطالب تكوينا لخوضها .
أسباب مختلفة:
وهناك أسباب أخرى تكون سببا في انحراف الشباب ندرجها كالتالي :
ضعف الوازع الديني, سوء الخلق الراجع لعدم تربيته تربية إسلامية من طرف والديه, تخول له التصرف, خارج الضوابط الإسلامية.
انعدام الرقابة من قبل أولياء الأمور, إما لانشغالهم في العمل طوال النهار, و إما يمنحون للمراهق الحرية و الثقة المطلقة في تصرفاته, دون أي ضوابط..
الصحبة الطالحة, و حب الإثارة و المغامرة يدفع بالمراهق للتقليد الأعمى الذي يؤدي به إلى الانحراف. لذلك كان التوجيه النبوي في اختيار الأصدقاء والرفقاء في قوله عليه الصلاة والسلام : مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك : إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة.( صحيح مسلم ح.2628-ج4/2026).
جهل الشاب بأمور الحياة ، قد يقوده إلى المهالك والمزالق والانحرافات دون أن ينتبه إلا بعد فوات الأوان، أي بعد أن يكون قد دفع ضريبة جهله ثمناً باهضاً، سجناً، أو طرداً من البيت، أو هجراناً من قبل الأصدقاء، وبكلمة أخرى يصبح منبوذاً اجتماعياً يتبرّأ أهله وأصحابه منه.
التأثير السلبي الذي تلعبه وسائل الإعلام من أنترنيت, وفضائيات تلفزية… والإعلام بشكل عام سلاح ذو حدين: من الممكن أن يكون نافعًا للشاب، ومن الممكن أن يكون عاملاً من عوامل الانحراف، بحيث أن وسائل إعلامنا تعرض الأفلام والمسلسلات الأجنبية البوليسية، أو الإثارة أو الرعب، مع التفصيل في مواطن الانحراف كالرقص والزنا وشرب المخدرات وجرائم السرقة. وهذا, ما هو إلا طريق للانحراف الفكري والسلوكي لدى الشاب.
عدم استعمال وقت الفراغ فيما يفيد, إذ يقضي المراهق جل وقته لمشاهدة الأفلام و المسلسلات أو في استعمال الهاتف النقال لمعاكسة الآخرين أو في”الشاط” عبر شبكات التواصل الاجتماعي .
و في هذا الباب نذكر حديث روي عن ابن عباس, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ.((الإمام البخاري)).
وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الفراغ نعمة في حق العبد إذا استعمله فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخراه، أما إذا لم يغتنمه الشاب تحول من نعمة إلى نقمة، ومن منحة إلى محنة، ويصبح شبحًا مخيفًا يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس.
وروى الهيثمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: إني لأكره الرجل أن أراه فارغًا، لا في عمل الدنيا ولا الآخرة.( مجمع الزوائد.4/64- فيه راو لم يسم, وبقية رجاله ثقات)
التفكك الأسري: المشاكل العائلية (خصومات أو طلاق الوالدين, القسوة في معاملة الأطفال…) التي تؤدي إلى الاكتئاب, بحيث تفقد المراهق هدوءه واتزانه و قد تدفع به إلى الانحراف ( سجائر,خمر, مخدرات, سرقة, إجرام, دعارة…) ظنا منه أنها ستنسيه همومه و أحزانه.
الإدمان على المخدرات, شرب السجائر والخمر:
قال تعالى :
وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {195} البقرة .
وقال السعدي, الإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين: ترك ما أمر به العبد, إذا كان تركه موجبا أو مقاربا لهلاك البدن أو الروح، وفعل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل مخمر خمر وكل مسكر حرام, ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا, فان تاب, تاب الله عليه, فان عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال قيل وما طينةُ الخَبالِ يا رسول الله قال صديدُ أهلِ النَّارِ ومن سقاه صغيرًا لا يعرِفُ حلاله من حرامه , كان حقا على الله أن يسقيَه من طينةِ الخَبالِ. (الترغيب والترهيب المنذري 257/3).
وقال تعالى في تحريم الخمر :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِر وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {90} المائدة
عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من زنا أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه.(الترغيب و الترهيب المنذري 3/248).
عن معاد بن جبل رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر.(السلسلة الصحيحة الألباني 675 ).
و عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شرب الخمر فسَكِرَ لم تقبل له صلاةٌ أربعين صباحًا, فإن مات دخل النَّارَ ، فإن تاب تاب اللهُ عليه, فإن عاد فشرب فسكِرَ لم تقبل له صلاة أربعين صباحا، فإن مات دخل النَّارَ ، فإن تاب , تاب اللهُ عليه, فإن عاد فشرِب فسكِر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن مات دخل النار, فإن تاب, تاب الله عليه, فإن عاد الرابعة, كان حقا على الله أن يسقيه من طينةِ الخَبالِ يومَ القيامةِ قالوا : يا رسولَ اللهِ ! وما طِينةُ الخَبالِ ؟ قال : عُصارةُ أهلِ النَّارِ.( صحيح الترغيب الألباني 2384)
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال في حديث مطول, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : …لعنت الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها ومعتصرها وآكل ثمنها (مسند الامام أحمد 597).
إن الإدمان على المخدرات أو الخمر مشكلة دولية تأثر سلبا على متعاطيها من الشباب , بحيث يصبح دوره منعدما في القيام بواجباته نحو بلده و بالتالي يصبح عالة على المجتمع.
و بقدر ما يكون الحرص و الاهتمام من طرف الدول الإسلامية, كباقي دول العالم, بمعضلة الحد من تعاطي المخدرات و ترويجهما بين الشباب المراهقين خاصة, بقدر ما تتطور أساليب مروجي المخدرات بتنويع منتوجاتهم (أقراص مهلوسة, شيرا حشيش, هروين …) و تسخير لذلك جيوش الخفاء من بينهم مراهقين و مراهقات, لترويج المخدرات خارج المؤسسات التعليمية و في الطرقات… .بين الشباب الضائع (الفريسة السهلة) بدون رقابة…
و قد يكون الهدر المدرسي و المشاكل العائلية… وإثبات الذات, و حب التقليد, والصحبة الطالحة, والفراغ الممل, وانعدام الرقابة,… من أهم الأسباب المؤدية لتعاطي المخدرات, السجائر و الخمر… بين المراهقين و الشباب.
و من الآثار الاجتماعية لتعاطي المخدرات أو الخمر, نذكر التأخر أو الغياب المستمر عن المدرسة الذي يؤدي إلى الطرد أو الهدر المدرسي, الهروب من المنزل, الشجار مع الأساتذة, و مع الزملاء أو مع الوالدين, صحبة رفقاء السوء و المنحرفين, الانزلاق للسلوك ألانحرافي كالسرقة أو الاغتصاب, ثم بعد ذلك إلى الجريمة المنظمة والعياذ بالله.
و لشرب المخدرات تأثير سلبي على صحة الإنسان و عقله, زيادة على ذلك, تعود الجسم على هذه الآفة, بحيث لا يمكن للمدمن العزوف عنها. فيصبح المدمن للمخدرات, سجينا للرغبة الملحة لتدخين سيجارة أفيون أو شرب أقراص مهلوسة, فيضطر إلى السرقة من ذويه أو إمتهان السرقة في الطرقات (هاتف نقال, محفظة نقود…) , أو القتل لشراء جرعته اليومية, زيادة على العواقب المباشرة على المحيط, بعد شرب للمخدرات : كالإجرام و الرذيلة…
و يعتبر شرب السجائر ضارا بالصحة تماما كشرب المخدرات و الخمر, و يعد انتحارا بطيئا للإنسان, بحيث يسبب له سرطان الحنجرة و الرئة. و ما أحوج هذه الأمة إلي أفراد نشيطين, يتمتعون بصحة جيدة.
المحور الثاني : حلول مقترحة لمشكل الانحراف
مسؤولية الأسرة :
مسؤولية تربية الطفل , تقع على الآباء أولا, ثم المدرسة, التي لها أثر كبير في صقل خلق الطفل و تربيته تربية حسنة, ليصبح فردا صالحا.
ومنذ صغره, علينا أن نعلم الطفل كيفية أداء الصلاة و نبدأ بترسيخ العقيدة لديه، والأخلاق الإسلامية السمحة، كالصدق، والأمانة، والرفق … إلى غير ذلك.
وهناك علاقة قوية بين انحراف الشاب وانحراف أحد والديه.كما أن هناك علاقة بين أسلوب معاملة الوالدين الاجتماعية والعاطفية وانحراف الشاب : و قد ينشأ من بين أفراد الأسر المترابطة من يسلك سبيل الانحراف خصوصاً حين تتبع الأسرة أساليب تربوية غير صحيحة تعود بآثار سلبية على النشء , مثل القسوة, التدليل أو الإهمال والتفرقة في المعاملة بين الإخوة. إلى غير ذلك…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.. (صحيح البخاري 1358).
وللبيئة تأثير خاص في الإنسان، والنفس الإنسانية قابلة للخير والشر ، فإن تربى في بيئة تعتز بالفضيلة والأخلاق الحسنة، صار الإنسان يعتز بالفضيلة والأخلاق، وإن عاش في بيئة موبوءة بالسموم الأخلاقية والفكرية، أصبح كذلك، فالإنسان يؤثر ويتأثر.
وهذا نص صريح حول مسؤولية الأسرة في المحافظة على فطرة الأبناء وصيانتها من الانحراف.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها.( صحيح أبي داود الألباني 495)
ويحتاج الطفل إلى أن يكون محل محبة أبويه وعطفهما و أن يعاملاه برحمة و برفق, كما ذكر في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا, فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: من لا يرحم لا يُرحم (صحيح البخاري 5997).
و عن عائشة رضي الله عنها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه (صحيح مسلم 2593).
و نستنتج من هذه الشدرات المحمدية أنه, يجب على الأبوين تعليم الطفل القرآن الكريم و سير الأنبياء و الصحابة ليقتدي بهم, و تعويده على طاعة والديه, و إبعاده عن الصحبة السيئة. وعليهما أيضا, أن يكونا القدوة الحسنة لطفلهم, في الاتسام بالأخلاق الفاضلة, و أداء شعائر الدين. و أن يحرصا على معاملة الأطفال برفق و بعدل. و عليهما العمل أيضا, على تشجيع الطفل, على كل ما من شأنه أن يقوي لديه المعارف التي تنفعه, من علوم و رياضة…و غيرها.
مسؤولية المدرسة:
المدرسة لها أثرها الفعّال في سلوك التلاميذ أو الطلبة وتوجيهاتهم في المستقبل . ومن خلال المدرسة نستطيع أن نكشف بوادر الانحراف مبكراً لدى المراهقين مما يهيأ الفرصة المبكرة لعلاجها قبل استفحالها مثل الاعتداء على التلاميذ الآخرين أو على الأستاذ أو الغياب المستمر بدون مبرر… مما يعطي مؤشراً أولياً لوجود خلل في سلوكياته.
و في هذه الحالة, يجب استدعاء ولي أمره, دون أن يشعر التلميذ بذلك, و التعامل بشكل فعال, لمعرفة الأسباب وراء تعاطيه للمخدرات, و اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح مساره داخل الأسرة و المدرسة.
مسؤولية المجتمع :