عباد الرحمن من خلال سورة الفرقان
لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم عباد الرحمن, و وصفهم بالمسلمين, وبالمؤمنين, وبالتائبين, وبالمتقين, وبالمهتدين, وبالخاشعين, وبالعابدين, وبالذاكرين, وبالصديقين, وبالمصدقين, وبالقانتين, وبالشهداء, وبالفائزين, وبعباد الرحمن, وهم أحبائه وخاصته والخطاب للذكر وللأنثى.
وفي ما يلي ما جاء في سورة الفرقان, حيث بين الله فيها صفات عباد الرحمن، الذين أكرمهم بعبادة الله حق عبادته,وعباد الرحمن تمتلئ قلوبهم بالتقوى, وحياتهم نموذجا للاعتدال. يجتنبون فيها الكبائر, و يعاملون الناس برفق و بتواضع, ويتقربون إلى ربهم بالنوافل والأعمال الصالحة . وأخلاقهم حميدة تكون قدوة لمن بعدهم, استحقوا بها الأجر العظيم, في جنات النعيم.
قال تعالى:
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ[1] الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً[2]{63}
هذه صفات عباد الله المؤمنين الذين يمشون على الأرض بسكينة ووقار من غير أشر ولا بطرولا استكبار ، كما قال : وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [ الإسراء : 37 ]
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً[3]
وإذا سفه عليهم الجهال بالسيئ ، لم يقابلوهم عليه بمثله ، بل يعفون ويصفحون ، ولا يقولون إلا خيرا
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً {64}
والذين يكون حالهم كما بينه الله تبارك و تعالى في قوله : كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [ الذاريات : 17 – 18 ] ، وقوله : تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [ السجدة : 16 ] , وقوله : أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ الآية [ الزمر : 9 ]
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً {65} إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً {66}
و يطمعون أن يصرف عنهم عذاب جهنم – إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً – أي لازما غير مفارق, – إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً – أي بئست جهنم منزلا ومكان إقامة.
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما[4] {67}
وليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم ، بل عدلا خيارا ، وخير الأمور أوسطها ، كما قال : وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا [ الإسراء : 29 ] .
عن ابن مسعود – قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك . قال : ثم أي؟ قال : أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك . قال : ثم أي؟ قال : أن تزاني حليلة جارك .
قال عبد الله, وأنزل الله تصديق ذلك : وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً[5] {68}
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [6]{72}
وهذه أيضا من صفات عباد الرحمن ، أنهم : (لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) قيل : هو الشرك وعبادة الأصنام . وقيل : الكذب ، والفسق ، واللغو ، والباطل .وقال محمد بن الحنفية : [ هو ] اللهو والغناء .وقال عمرو بن قيس : هي مجالس السوء والخنا .وقال ابن أبي حاتم ، أن ابن مسعود مر بلهو معرضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد أصبح ابن مسعود ، وأمسى كريما .
وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً[7] {73}
وهذه من صفات المؤمنين لقوله تبارك و تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [ الأنفال : 2 ]
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً {74}
الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم وذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له .
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ[8]بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَاماً {75} خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً {76} الفرقان.
لقد بين الله تعالى في هذه الآيات البينات, صفات عباد الرحمن الذين يحبهم ويحبونه. وعباد الرحمن يبيتون لربهم سجدا وقياما والناس نيام, ويذكرون الله أناء الليل وأطراف النهار. و يطمعون أن يصرف عنهم عذاب جهنم – إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً – أي لازما غير مفارق, – إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً – أي بئست جهنم منزلا ومكان إقامة.
وقال الغزالي : فمن أشكل عليه حاله, فليعرض نفسه على هذه الآيات فوجود جميع هذه الصفات علامة على حسن الخلق, وفقد جميعها علامة سوء الخلق ووجود بعضها دون البعض, يدل على البعض دون البعض. فليشتغل بتحصيل ما فقده وحفظ ما وجده.
وقال ابن عجيبة في شرحه لهذه الآية[9], لقد تضمنت الآية أربعة أصناف من الناس على سبيل التدلي,
الأول : الأولياء العارفون بالله, أهل التربية النبوية, ومن تعلق بهم من أهل التهذيب والتأديب , وأشار إليهم بقوله – وَعباد الرحمن …- إلخ, و فيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” رأيت أقواما من أمتي, ما خلقوا بعد, وسيكونون فيما بعد اليوم, أحبهم ويحبونني, ويتناصحون ويتباذلون, يمشون بنورالله في الناس رويدا, في خفية وتقى, يسلمون من الناس, ويسلم الناس منهم ببصرهم وحلمهم, قلوبهم بذكر الله يرجعون, ومساجدهم بصلاتهم يعمرون, يرحمون ضعيفهم, ويجلون كبيرهم, ويتواسون بينهم, يعود غنيهم على فقيرهم, وقلوبهم على ضعيفهم, يعودون مرضاهم, ويشهدون جنائزهم, فقال رجل من القوم : يرفقون برقيقهم, فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم, فقال : كلا, لا رقيق لهم, وهم خدام لأنفسهم, هم أكرم على الله تعالى من أن يوسع عليهم, لهوان الدنيا عند ربهم , تم تلى – وعباد الرحمن …–الآية – .[10]
الثاني : العباد الزهاد, أهل الجد والاجتهاد, أهل الصيام والقيام, الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما, أقامهم الحق تعالى لخدمته, كما أقام الأولين لمحبته ومعرفته.
الثالث: الصالحون الأبرار, الذين يعبدون الله طمعا في الجنة وخوفا من النار, ومن كان منهم له مال أنفقه في سبيل الله, من غير سرف ولا إقتار.
الرابع : عامة الموحدين من أهل اليمين, المجتنبون لكبائر الذنوب, المسارعون بالتوبة إلى علام الغيوب.[11]
—————————————————————————————–