تهذيب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء

تهذيب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء

تهذيب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء - أبي نعيم الأصفهاني-
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران ، الإمام الحافظ ، الثقة العلامة ، شيخ الإسلام ، أبو نعيم ، المهراني ، الأصبهاني ، الصوفي ، الأحول ، سبط الزاهد محمد بن يوسف البناء ، وصاحب " الحلية " . ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة و توفي سنة أربعمائة و ثلاثين. وكان أبوه من علماء المحدثين والرحالين ، فاستجاز له جماعة من كبار المسندين ، فأجاز له من الشام خيثمة بن سليمان بن حيدرة ، ومن نيسابور أبو العباس الأصم ، ومن واسط عبد الله بن عمر بن شوذب ، ومن بغداد أبو سهل بن زياد القطان ، وجعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، ومن الدينور أبو بكر بن السني ، و أبي أحمد العسال, و أبي القاسم الطبراني وآخرون . وروى عنه أبي أحمد الحاكم وأبو بكر الخطيب و غيرهم .وعمل " معجم " شيوخه ، وكتاب " الحلية " ، و " المستخرج على الصحيحين " و " تاريخ أصبهان " و " صفة الجنة " ، وكتاب " دلائل النبوة " وكتاب " فضائل الصحابة " ، وكتاب " علوم الحديث " ، وكتاب " النفاق "

About the Book

تهذيب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء – أبي نعيم الأصفهاني

 الجزء الأول ,  الجزء الثاني ,  الجزء الثالث

( للتحميل أو التصفح إضغط على رابط  الجزء…  أعلاه)

ذكر أهل الصفة 

قال الشيخ : قد ذكرنا بعض أحوال فريق من نساك الصحابة وعبادهم ، وأقوال جماعة من أئمة الصحابة وأعلامهم من المشتهرين بالمعبود وذكره ، المشغوفين بالفرد ووده . الذين جعلوا للعارفين والعاملين قدوة ، وعلى المفتونين بالدنيا والمقبلين عليها حجة . ونذكر الآن مستعينين بالله شأن أهل الصفة وأخلاقهم وأحوالهم وتسمية من سمي لنا اسمه بالأسانيد المشهورة ، والشواهد المذكورة . 

وهم قوم أخلاهم الحق من الركون إلى شيء من العروض ، وعصمهم من الافتتان بها عن الفروض . وجعلهم قدوة للمتجردين من الفقراء ، كما جعل من تقدم ذكرهم أسوة للعارفين من الحكماء . لا يأوون إلى أهل ولا مال ، ولا يلهيهم عن ذكر الله تجارة ولا حال ، لم يحزنوا على ما فاتهم من الدنيا ، ولا يفرحون إلا بما أيدوا به من العقبى . كانت أفراحهم بمعبودهم ومليكهم وأحزانهم على فوت الاغتنام من أوقاتهم وأورادهم ، هم الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، ولم يأسوا على ما فاتهم ، ولم يفرحوا بما أتاهم . حماهم مليكهم عن التمتع بالدنيا والتبسيط فيها ; لكيلا يبغوا ولا يطغوا ، رفضوا الحزن على ما فات من ذهاب وشتات ، والفرح بصاحب نسب إلى بلى ورفات . 

زوى الله عز وجل عنهم الدنيا ، وقبضها إبقاء عليهم وصونا لهم ; لئلا يطغوا ، فصاروا في حماه محفوظين من الأثقال ، ومحروسين من الأشغال ، لا تذلهم الأموال ، ولا تتغير عليهم الأحوال . عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال  ” من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث ، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس ، بسادس ، أو كما قال . وأن أبا بكر جاء بثلاثة ، وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة هذا حديث صحيح متفق عليه . 

قال الشيخ رحمه الله : وكان عدد قاطني الصفة يختلف على حسب اختلاف الأوقات والأحوال ، فربما تفرق عنها وانتقص طارقوها من الغرباء والقادمين فيقل عددهم ، وربما يجتمع فيها واردوها من الوراد والوفود فينضم إليهم فيكثرون ، غير أن الظاهر من أحوالهم ، والمشهور من أخبارهم غلبة الفقر عليهم ، وإيثارهم القلة واختيارهم لها . فلم يجتمع لهم ثوبان ، ولا حضرهم من الأطعمة لونان . يدل على ذلك حديث  أبي هريرة ، قال : رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب ، فمنهم من يبلغ ركبتيه ، ومنهم من هو أسفل من ذلك ، فإذا ركع أحدهم قبض عليه مخافة أن تبدو عورته  عن واثلة بن الأسقع ، قال : كنت من أصحاب الصفة ، وما منا أحد عليه ثوب تام ، وقد اتخذ العرق في جلودنا طوقا من الوسخ والغبار 

 عن محمد بن سيرين، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قسم ناسا من أهل الصفة بين ناس من أصحابه ، فكان الرجل يذهب بالرجل ، والرجل يذهب بالرجلين ، والرجل يذهب بالثلاثة حتى ذكر عشرة ، فكان سعد بن عبادة يرجع كل ليلة إلى أهله بثمانين منهم يعشيهم   عن موسى بن علي ، قال : سمعت أبي يحدث عن عقبة بن عامر ، قال : خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة ، فقال : أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحاء والعقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم ، فقلنا : يا رسول الله كلنا نحب ذلك ، قال : أولا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله تعالى خير له من ناقتين ، وثلاث ، وأربع . خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل .

  قال الشيخ رحمه الله : فحديث عقبة يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يردهم عند العوارض الداعية إلى تمني الدنيا والإقبال عليها إلى ما هو أليق بحالهم ، وأصلح لبالهم من الاشتغال بالأذكار ، وما يعود عليهم من منافع  البيان والأنوار ، ويعصمون به من المهالك والأخطار ، ويستروحون إليه مما يرد من الأماني على الأسرار 

Share via
Copy link