التوبة هي السبيل الوحيد للنجاة والأمن
بعدما سمعنا عن حرائق أستراليا التي أهلكت نحو نصف مليون كائن حي, وبعدما سمعنا عن جيوش الجراد التي يقال أنها في طريقها إلى بلادنا, وبعدما شاهدنا إعصار التنين الذي جعل السيارات على الطرق السريعة تسبح في الماء كلعب الأطفال, وبعدما رأينا الكعبة خاوية في مشهد يدمي القلوب ويبكي العيون ويفزع النفوس وبعدما رأينا مشهد إغلاق المسجد النبوي الذي تهفوا إليه القلوب حنينا واشتياقا إلى الحبيب, وبعدما سمعنا صوت بكاء المؤذن الكويتي وهو يرفع الأذان منفردا في مسجد خلا من العمار ويقول صولوا في رحالكم, وبعدما منعنا أولادنا من الخروج إلى دور العلم والمدارس, وبعدما تعطلت كثير من المصالح والمؤسسات وأغلقت كثير من المتاجر والمطاعم, وبعدما أصبحنا نخاف من السفر والتنقل رغم رحابة الأرض, فهو الشعور المؤلم بأننا ضاقت علينا الأرض بما رحبت.
يقول الحق سبحانه في القرآن المجيد” حتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) ” التوبة
إذا فالطريق إلى الخروج من هذا الضيق وتلك الأزمة الراهنة هو التوبة الصادقة إلى الله, أما وقد ابتلي أهل الأرض بهذا الفيروس الفتاك, الذي وقفت أمامه الحكومات والمنظمات والدول المتقدمة عاجزة حاسرة, والذي أصاب الدول المتقدمة قبل الدول النامية, وأغلقت من أجله دور العبادة ودور التعليم, فقد سار حتما علينا أن نرجع إلى الله, ليرفع عنا ما جنته أيدنا, فهو القائل جل في علاه :
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)الروم
يقول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم :” لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون، والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.” (رواه ابن ماجة)
إن فيروس كورونا الذي دوخ العالم وأرعب كوكب الأرض, ما هو إلا جندي من جند السماء, يحمل رسالة إلى العقلاء, مفادها أن لنا الفناء ولله البقاء, رسالة إلى الذين نهاهم الإسلام عن المخالطة وكانوا يتصافحون بالعناق والتقبيل, واليوم نراهم يلقون التحية من على بعد أمتار حرصا على السلامة, رسالة إلى التي أمرها الدين بالحجاب فاستهزأت به ونعتته بالجهل والتخلف, واليوم نراها ترتجف كالبطريق , فلا تخرج للشارع بدون قفازين وكمامة, رسالة للذي سخر من صلاتنا وضوئنا وطهارتنا, وقال إنه نظيف لا يحتاج إلى وضوء, واليوم يكرر غسل يديه بقوة حتى يوشك أن يكسر عظامه, رسالة للملحد الذي أبى أن يؤمن بربه حتى يلمسه أو يراه, وهو الآن في حجر صحي, يرتعد من فيروس متناه في الصغر, لا يراه بالعين المجردة.
أصبح الصغير والكبير يتحدث عن خطورة فيروس العصر المستجد, ولكننا ينبغي أن نعلم تمام العلم, أن الكورونا خلق من خلق الله يعبده ويسبح له ولكننا لا نفقه تسبيحه. وأن هذا الجندي لم يأتي ليبعدنا عن الطريق المستقيم, بل جاء ليصحح لنا الطريق. ولنعلم أن هذا الجندي لم يأتي لنرتدي الكمامة ونطهر الأيدي فقط, بل جاء ليعلمنا كيف نرتدي لباس التقوى, ونطهر القلوب من أدران الذنوب.
ويكيفه فخرا أنه أغلق البارات والملاهي الليلة ونوادي المجون والرقص والشدود والقمار, ودور الدعارة والبغاء, وجعل الناس يقيمون الزيجات والأفراح من غير قاعات ورقص وخلاعة, وإهدار للأموال في ساعات قليلة, ودفع وزارة الصحة إلى حذر تدخين الشيشة والنرجيلة وإغلاق المقاهي التي تعمل على تنشيطها, ودفع منظمة الصحة العالمية إلى الاعتراف بأن تناول الخمور كارثة وعلى من لم يعاقرها يوما أن لا يفعل ذلك أبدا, ودفع جميع المؤسسات الصحية إلى الإقرار بأن تناول الميتة والدم ولحم الخنزير وكل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير , هو مصيبة من المصائب الصحية . وأقر الجميع بقيمة بتعليمات النظافة ومنها, غسل الأيدي والاستنشاق خمس مرات في اليوم, وهذا ما أعطانا ديننا الحنيف إياه قبل تعليمات منظمة الصحة العالمية , فلنعلم أن هذا الجندي لم يأتي ومعه الموت, بل جاء ليطرق على قلوب ميتة, فيذكرها بأوان العودة إلى الله, والصحوة قبل الموت.
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (16)الحديد
أخبروا أهلكم وأولادكم بأن هذا الفيروس أقعدهم من المدارس في البيوت لا للهو واللعب, بل لرفع صلاة مفروضة, أو نافلة منسية, وقراءة مصحف بات مهجورا على الرف.
إنه جندي جاء على عجل, وانتشر في عجل, وبلا سابقة إنذار, ليذكرنا أن ملك الموت يأتي بلا إنذار, وبأن باب التوبة سيغلق بلا إنذار, عند الغرغرة أو عند طلوع الشمس من مغربها, لقول صلى الله عليه وسلم : “إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.”( رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد).
كما قال صلوات الله وسلامه عليه : “لن تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فإذا رآها الناس آمن من عليها” (رواه مسلم والبخاري وابن ماجة وأبو داود واللفظ للبخاري)
يعني, كل من على الأرض يبادر بالتوبة إلى الله فذلك حين : لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ الأنعام 158
ذب الفزع والرعب بين البشر, وضاع الأمن والأمان, والسبيل إلى عودة الأمن لنفوسنا لن يكون إلا بالإيمان الخالي من الظلم, ردوا المظالم إلى أصحابها, اتقوا ربكم, ألزموا بيوتكم, أقيموا صلاتكم, أخرجوا زكاتكم, أخلصوا في دعائكم, حافظوا على أذكاركم, صالحوا خصومكم, صلوا أرحامكم, أطعموا فقيركم, سددوا ديونكم, ارحموا ضعيفكم, اعدلوا في مواريثكم, أدوا أماناتكم, تصدقوا من أموالكم, لا تلبسوا إيمانكم بظلم, فهذا طريق النجاة والأمن , كما قال المولى عز وجل : الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) الأنعام. (محاضرة رائعة منقولة عن فيديو متداول بدون عنوان, حاولت إيجاد لها عنوان مناسب والله الموفق)