الشك خلق سيء ومذموم
الشك خلق سيء ومذموم
بقلم : محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
الشك خلق سيء ومذموم. والشك هو الحيرة التي تصيب الإنسان فيما يفعله هو أو يفعله الآخرين، فيبقى الإنسان متردداً حول تكذيبه لبعض الأمور أو تصديقه ،وقد يسيطر هاجس الشّكّ على عقول عددٍ من النّاس فيفقدهم صوابهم, و يوصل بعضهم إلى الإصابة بالأمراض النفسية والخيالات غير الواقعية.ويكون الشك نتيجة التفكير المستمر في أمر ما, والتخوف من النتائج التي ستترتب عنه فيما لو كان الشك في محله، ومن الطبيعي جدا أن تراودنا التساؤلات والشكوك.
والشّكّ عموماً إذا لم يعتمد على دليلٍ واضحٍ أو رؤيةٍ متعيّنة فهو أمر مرفوض في المجتمع ، لأنّ الأصل في العلاقات بين النّاس, هي المبنية على الثّقة المتبادلة فيما بينهم. لذى يجب على الإنسان أن يكون حريصاً على أن لا يشكّ في أخيه المسلم.
فالشك خلق سيء ومذموم, ينفر الناس ممن يتسم به, وقد يدفع إلى التجسس على الآخرين, وقد نهانا الله عز وجل عنه لقوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا –الحجرات 12.
والشك له حدود. فالطبيعي منه هو أن لا يتسرع في الحكم على الآخرين وأن يمتلك الإنسان نفسه و يتصرف تصرفا متزنا, كما يقال في الأثر : التمس لأخيك سبعين عذراً ( مجموع فتاوى ابن باز 370/26).
وكما قال سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه, : ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرا وأنت تجد لها في الخير محملا (تفسير ابن كثير بإسناد ضعيف).
وأمّا الشك غير الطبيعي والمرضي هو عدم تصديق الآخر وإن صدق, وعدم تقبل الأمور كما هي. و الشك الزائد عن الحد و الغير المنطقي, قد يؤدي إلى مشاكل لا تحمد عقباها.
فالشك الغير السليم بين الأزواج, يؤدي إلى خصومات دائمة بينهم, قد تكون سببا مباشرا في اضطرابات نفسية يعيشها الزوج أو الزوجة, بحيث تتخذ هذه الشكوك الشكل المرضي,و تصبح ملازمة للإنسان، فتسيطر على عقله ليلاً ونهاراً. وهذه الوضعية إذا لم تعالج بالحوار البناء أو بزيارة لطبيب متخصص, تكون لها عواقب وخيمة على صحة المبتلى بهذه الأعراض, وقد تترتب عنها الكراهية المتبادلة. وقد تعود سلبا على تربية الأطفال, وتؤدي لا قدر الله إلى تشتت الأسرة.
وإذا ما وصل الإنسان إلى حالة الشك المرضية ، فيتوجب عليه ان يبدأ بإعادة حساباته كي لا يسيطر عليه الشك و يشل عقله و يقتل الإبداع بداخله و يمنعه من أن يحس بطعم الحياة.
والأجدر أن يتحقق الإنسان الشاك في السبب وراء شكوكه,وأن لا يستسلم للغضب وللعصبية وأن لا يترك الشيطان يستحود على أفكاره و يجره للأسوء. لقوله عز وجل : إِنَّ الشَّيْطَانَ لكم عدو فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا-فاطر 6 . وقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ-المائدة 91
والغضب شعلة من النار، وإنه من الشيطان, وهي أن يخرج الغضب عن حد الاعتدال، ويطغى على العقل و الدين، ويندفع في سبيل الشر اندفاعاً قد يؤدي به إلى الهلاك. وقد يكون سبب الشك بسيطا لا يستاهل كل هذه المشاكل.
فعليك أخي المسلم وأختي المسلمة, الالتزام الدائم بالتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم في كل حالاتك, والاقتراب من الله تعالى بالذكر وتلاوة القرآن, لتحصن نفسك و لتشفي نفسك من الشك الناتج عن الوساوس.
وعليك أن تسأل الآخرين عن مدى صحة شكوكك، وثق بنفسك أولاً حتى تستطيع الوثوق بالآخرين،و قم بممارسة بعض التمارين التي تساعدك على الارتخاء، ولا تستسلم للعصبية والقلق وابتعد عن إصدار الأحكام على الناس قبل التأكد، وإن لم يكن هنالك مجال للتأكد, فيجب عليك أن تبتعد عن التفكير بالأمر. قم بإلهاء نفسك بأمور أخرى كعمل جديد أو ممارسة هوايتك المفضّلة, والابتعاد عن الناس السلبيين والنمامين.
وعليك أن تفتح حوارا بناء بدون صراخ أو تجريح مع الشخص الذي تشك به, وتسأله عن الأمور التي تجول بخاطرك, وتستمع جيداً لما يقوله وتحاول البحث عن السبب الحقيقي الذي يدفع الشخص المقابل لعمل مثل هذه الأمور، دون اللجوء إلى تخيلات غير منطقية.
وعلى الشخص الآخر أن يكون صريحاً و واضحا في كافة تحركاته و يجب عليه الابتعاد عن الغموض في تصرفاته لكي لا يثير الشكوك حوله, وأن يستمع لشريكه أو لشريكته في الحياة باهتمام شديد ويعبر له عن مشاعره اتجاهه ولا يكتمها بداخله ، ويقدّم له النصائح والمساعدة, ويحفظ أسراره . ويقنعه بأن يتوجّه للطبيب النفسي في حال تفاقم حالته النفسية وعدم استقرارها.
ويجب علينا أن نتقرب إلى الله بالذكر وتلاوة القرآن لكي نطرد الأفكار السلبية والمسمومة التي يحاول الشيطان ان يمليها لنا .
ويجب أن نضع ثقتنا في الله: فإذا كانت ثقتنا بالله عالية فسيكون الشك عندنا قليل مهما كانت الظروف، أما إذا كانت ثقتنا بربنا منخفضة, فإن شكنا سيكون غير سليما.
لذى يتوجب على الإنسان أن يحسن الظن بالله و بالآخرين، فسوء الظن هو مصدر من مصادر الشك، فلا يجب على الإنسان أن يفسر كل شيء يجري من حوله على أنه مؤامرة، بل يتوجب عليه أن ينظر إلى أخطائه ويحاول من إصلاح نفسه، عندها ستتغير النتائج حتماً.
أختي المسلمة, إذا كنت امرأة متزوجة فعليك أن تثقي بنفسك وبجمالك وبأن زوجك لن يقوم بالإلتفات للنظر إلى غيرك من النساء ، وعليك بحسن النية في أمورك. فالشك لن يفيدك ولن يقدم ولن يؤخّر ، بل ربما سيقضي على الثقة بين الزوجين وسيؤثر سلباً على علاقتك بزوجك ، لذلك عليك بأن تهتمي بنفسك وتحفظي توازنك وتقومي بما هو مطلوب منك مع الحرص على بناء الثقة بينك وبين زوجك ، والثقة بالنفس ستجعل زوجك يتمسّك بك أكثر من السابق.
و بالمقابل يجب عليك أخي المسلم أن تبتعد على كل ما من شأنه أن يشعل نار الغيرة والشك عند زوجتك وأن تكون واضحا فيما تقوم به أثناء يومك أو في عملك. ولتكن علاقتك بزوجتك علاقة ود واحترام متبادل لترجع ثقة أهلك بك. لأن من أهمّ قواعد العلاقة الزوجيّة , الثقة المتبادلة بين الزوجين ، والإحترام والتفاني في إرضاء الطرف الآخر ، والسعي لتحقيق مصالحه ، والوقوف على ما يضمن استمرار الودّ والمحبّة.
ويجب على الزوجة أن تعلم أنّ زوجّهاِ قد اختارها من بين جميع الفتيات لتكون زوجةً له ، ولم يُرغمهُ أحد على ذلك ، لأنّه أحبّها وارتضها زوجة له وأمّاً لأولاده ، ويجب أن تعلم ايضا أن زوجها محافظ على واجباته تجاهها, فلمَ الشكّ بزوج بهذه الصفات: لا تتبّعي أسلوب التحرّي والاستقصاء والاستجواب مع الزوج , فهذا لن يثمر معه نفعاً, بل ستجعليهُ يتحدّاكي, بل ربّما أوصلته شكوككِ إلى التفكير فعلاً في الذي تحذرين منه.
عزّزي الثقة بنفسك واهتمّي بمظهركِ وهندامكِ ، وكوني دائماً مُتألقة وعلى صورةِ بهيّة ، فهذهِ الثقة تجعل الزوج لا يلتفت لأحد غيرك. واستخدمي اسلوب الحوار مع الزوج ، فإنّ الشكّ لا ينمو إلاّ في البيوت العقيمة حواريّاً ، و التي تسودها الأجواء الصامتة الباردة ، فهذا كله سيُزيل عن صدركِ كثيراً من الشكّ وسيبيّن لكِ أنّ كل ما تتخيلينهُ هو سراب ووهم.
أشعري زوجكِ بأنّكِ تثقين بهِ ، وسترين بالفعل أنّهُ سيصارحكِ بكلّ صغيرة وكبيرة وستكونين مستودع أسراره ، وتكوني بذلك قد اكتسبت صديقاً وزوجاً في آنٍ واحد. ونفس الخطاب نوجهه للرجل, إذا كان هو المبتلى بالشك من زوجته.
اللهم نجنا وإياكم من الشك واصرف عنا وعنكم الفتن ما ظهر منها و ما بطن. وصل اللهم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.