6- بعض ما جاء في الهواتف والخواطر – جمعه محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
“للخواطر أربعة موارد: فالخاطر الرباني يرد على الروح ويبلغ منازل المقربين, والملكي على العقل ويشوق لمنازل الصالحين, والنفساني على القلب يرغب في العجل وينزل بالهوى أسفل سافلين, والشيطاني على الطبع يعد بالفقر ويزين الكفر.
“ولكل خاطر مقدمة: فمقدمة الخاطر الرباني, الإسلام, وبساطه الصمت, ومقدمة الخاطر الملكي, العزلة والذكر, وبساط الخاطر النفساني , الأماني, ومقدمته الجهل. وبساط الخاطر الشيطاني , الكفر ومقدمته الكبر “[1]
ويجب أن تزن كل خاطر بميزان الشرع, فإن كان مما أمرت به فبادر به , وإن كان ما نهيت عنه, فهو من الشيطان, فاحذره ولا تفعله.
وعن النواس بن سمعان : البِرُّ ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ” [2].
وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من وسوسة الصدر وشتات الأمر. ونذكر في السياق بعض أدعيته :
“اللهم فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكَه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم“.
“اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ” .” اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا” [3]
فخاطر الشيطان الوسواس الخناس ، مخالف للشرع, ويوعز بالشر ويأمر بالسوء, يوسوس ثم يتراجع، يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف, وعلامته تنوع المغريات.
قال الله تعالى: ” إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {169} “(البقرة).
وكلما كثرت الذنوب تكاثرت خواطر الشيطان ،
قال الله تعالى: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. (المطففين)
وخاطر النفس يندب إلى اتباع الشهوات وحظوظ النفس، ويكشفه إلحاحها على الخاطر ذاته، وعلامته كدر في القلب، وانقباض في الصدر وضيق في الأخلاق، ومن علاماته العجب والتكبر والحسد والغيرة والتقاعس.
وخاطر الملَك يكون موافقا للعلم والشرع، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويوحي بعمل الخير. وهو عبارة عن إلهام بأفكار صافية سليمة, يدعوا إلى الصلاح والإيمان. وعلامته الإحساس براحة في النفس وسلامة في الصدر ,تلي عمل الخير.
والخاطر الرباني يفتح على العبد أبواب الحكمة والمعرفة والتأمل في عظمة الله في الكون وفي مخلوقاته, وعلامته الخشوع أو القشعريرة أو الدمعة, وهو أيضا, باب للمغفرة.
وجاء في الحديث الشريف, قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة البالية ورقها” [4].
وقال الجنيد : “كل خاطر يكون من الملك, فإنه يأمر بالمعروف ويشوقه إلى الفضائل, ويزين له كسب الحسنات, ويحذره من اكتساب السيئات, ويعلم السالك جميع ما يحتاجه إليه”.
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: “الفرق بين الإلهام المحمود وبين الوسوسة المذمومة هو الكتاب والسنة، فإن كان مما ألقي في النفس مما دل الكتاب والسنة على أنه تقوى لله فهو من الإلهام المحمود، وإن كان مما دل على أنه فجور فهو من الوسواس المذموم”
و قال النووي في “الأذكار”: الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه.[5]
وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل“.[6]
———————
المراجع:
[1] المفاخر العلية للآثار الشادلية
[2] رواه مسلم
[3] سنن الترمذي
[4] الترغيب والترهيب –المنذري -4/213
[5] الأذكار النووي
[6] صحيح ابن حبان -4334