– تأملات في محبة الله عز وجل
جمعها ورتبها – محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
محبة الله سبحانه وتعالى هي أصل الإيمان والتوحيد, وتوجب الامتثال لأوامر الله والبعد عن ما نهى عنه وإتباع هدى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من أفضل أعمال القلوب وأجلها . وقد علمنا قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحب لله وفي الله,, هو أرقى أنواع الحب وأخلصه وأصفاه، لأنه كمال الإيمان فقال: “من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان“.
ومن موجبات محبة الله عز وجل أن تكون محبته سبحانه وتعالى أحب إليك من كل ما سواه, ومحبة الله تقتضي طاعته وترك المعاصي والتوبة إليه وحب أوليائه ورسله وكراهة أعدائه وبغضهم في الله عز وجل .
والمحبة هي أساس العلاقة بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده فهو الذي خلقهم وسخر لهم ما في هذا الكون ليعينهم على عبادته وحده لا شريك له، وهو الذي هداهم لدين الحق وإلى الصراط المستقيم,. قال تعالى:” والذين آمنوا أشد حبا لله” البقرة-165 .فالمؤمنون يتقون الله , ويواظبون على الفرائض والسنن ويتجردون من الدنيا ويحرصون على الصدقة ويسعون في قضاء حوائج الناس ومصالحهم و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر.
وعن سيدتنا عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى في حديث قدسي : “…وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء فرائضي ، وإن عبدي ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت عينه التي يبصر بها ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وفؤاده الذي يعقل به ، ولسانه الذي يتكلم به ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته …..“خرجه ابن أبي الدنيا وغيره ، وخرجه الإمام أحمد بمعناه .
وقال أحد علماء السلف “ليس العجب أن تُحبَ الله, ولكن العجب أن يُحبك الله“
ومحبة الله لعباده تتجلى في أنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان وفضله على العديد من مخلوقاته وسخر له الكون وما فيه,و أنعم عليه بما لا يعد ولا يحصى من النعم والعطايا, التي ينبغي عليه أن يشكر الله عليها، قال تعالى :” الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار* وسخر لكم الشمس والقمر دآئبين وسخر لكم الليل والنهار* وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار”(إبراهيم:32-34).
ومن علامات محبة الله تعالى للعبد أن أحسن له التدبير,فوهب له السمع والبصر والأفئدة وحسن الخلقة, ورباه من الطفولة على أحسن نظام وكتب الإيمان في قلبه ونور له عقله فاجتباه لمحبته واستخلصه لعبادته ليشغل لسانه بذكره وجوارحه بطاعته ، فيتبع كل ما يقربه إلى الله عز وجل وجعله نافراً من كل ما يبعده عن الصراط المستقيم , ثم تولاه بتيسير أموره من غير ذلّ للخلق فيسر أموره من غير إذلال، وسدد ظاهره وباطنه، وجعل همه هماً واحداً بحيث تشغله محبة الله عن كل شيء.
ومن علامات محبة الله لعباده أيضا, عدم تعجيل العقوبة لمن يرتكب المعاصي والذنوب وحثهم على التوبة وهو الغفور الرحيم الذي يغفر لهم جميع الذنوب ماعدا الإشراك به تبارك وتعالى:” لقوله” وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا” (الكهف:58).
والابتلاء ، والمصائب والبلاء تعد أيضا من دلائل محبة الله لعباده فهي امتحانٌ للعبد ، وهي علامة على حب الله لنا ؛ ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة ، و به تُرفع درجاته وتكفر سيئاته – والله سبحانه وتعالى يبتلى الإنسان على قدر دينه، فالعبد الذي يبتليه الله تبارك وتعالى ويصبر على ذلك ويحمد الله عليه لا جزاء له إلا الجنة.فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي.
وإذا أحب الله العبد استعمله ويسر له الأعمال الصالحة ، كما جاء في الحديث النبوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أراد اللهُ بعبدٍ خيرًا عسَّله قبْلَ موتِه, قيل: وما عسَّله قبْلَ موتِه ؟ قال: يُفتَحُ له عملٌ صالحٌ بينَ يدَيْ موتِه حتَّى يرضى عنه” رواه ابن حبان في صحيحه.
وحب الناس للعبد ,دليل علي حب الله للعبد والرضا عنه، فقد جاء في السنة النبوية أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:”إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: “إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل الأرض، ثم يضع له القبول في الأرض“. سنن الترمذي
و بالمقابل, محبة الله ” هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون .. وإليها شخص العاملون .. وإلى عَلَمها شمر السابقون .. وعليها تفانى المحبون .. وبِرَوحِ نسيمها تروَّح العابدون .. فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح .. وقرة العيون ..وهي الحياة التي من حُرِمها فهو محروم .. والنور الذي من فقده فهو مغبون .
ومحبة الله عز وجل تكون بالتأدب مع الله , بالتصديق بأخبار الله كما أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ,بالتصديق بالله, لا شريك له وبكتبه وبأنبيائه ورسله و التصديق بالقضاء والقدر وبأخبار يوم القيامة، والحشر والجنة والنار والحساب…وتلقِّي أحكام الله بالتنفيذ والتطبيق.
ومحبة الله عز وجل تكون بصلاح الظاهر والباطن- بأن يكون العمل في ظاهره على موافقة الكتاب و السنة، وهذا هو الذي بينه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ) متفق على صحته.-و أن يكون العمل في باطنه يقصد به وجه الله -عز وجل-.
ويجب أن نخلص المحبة لله ,فعن عمر بن الخطاب رضي الله , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات )صحيح البخاري .
و محبة الله عز وجل تقتضي أن نكون من المتقين، لقوله تعالى “ إن الله يحب المتقّين” -التوبـة –وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “ إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي ” – رواه مسلم –
والتقوى : هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله عز وجل وقاية بامتثال أوامره واجتناب نواهيه،وقيل : هي أن يطاع الله فلا يعصى، وان يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وقيل : هي أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نور من الله خوفا من عقابه، وقال الإمام أحمد : هي ترك ما تهوى لما تخشى، وقيل : هي ترك الذنوب صغيرها وكبيرها.
ومحبة الله عز وجل تقتضي أن نتلقِّي أقدار الله المؤلمة بالصبر والرضا.مثلا: المرض، والفقر، والمصائب عموما . قول صلى الله عليه وسلم : “ومن يتصبّر يصبره الله ، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ” – متفق عليه.–. فحسن الأدب مع الله, أن ترضى بما قدر الله لك، وأن تطمئن إليه، وأن تعلم أن الله سبحانه وتعالى ما قدره لك إلا لحكمة وغاية محمودة. ولهذا امتدح الله تعالى الصابرين بقوله : وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ .155- الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. 156- البقرة
والإحسان سبب جليل من أسباب محبة الله لعباده، قال تعالى : ” والله يحب المحسنين ” -آل عمران 148 . وقوله عز وجل: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف: 56. ولقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله” أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” -رواه مسلم .
والإحسان مع العباد هو كل قول أو فعل حسن يقرب من الله عز وجل ، ويؤلف بين قلوب الناس ، ويخفف من آلامهم ومشاكلهم . والمحسن هو من يبذل النفس والمال والجهد في سبيل الله وخدمة الآخرين ، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم ووعظ الناس، والنصيحة لهم، والسعي في جمع كلمتهم، وإيصال الصدقات والنفقات الواجبة لمستحقيها , إلى غير ذلك .
والحب في الله سبب من أسباب نيل محبة الله تعالى قال صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي. صحيح مسلم
والمحب الصادق يكون مولعاً بذكر الله تعالى ، لا يفتر لسانه ولا يخلو عنه قلبه ، وإذا أردت أن تعلم مدى محبتك لله عز وجل فانظر محبة القرآن من قلبك , تلاوة وتفسيراً وتدبراً والاستشهاد به في كل موقف.
والمحب الصادق إذا ذكر الله خالياً وجل قلبه وفاضت عيناه من خشية الله, قال تعالى : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون.الأنفال-2
والمحب الصادق هو من يحب لقاء الله تعالى فإنه لا يتصور أن يحب القلب محبوباً إلا ويحب لقاءه ومشاهدته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “ من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه“. رواه البخاري ومسلم.
ومن حافظ على الفرائض وعلى كل ما يحبه الله ويرضاه، وابتعد عن كل ما نهى الله تعالى عنه من معاصي وذنوب ومحرمات وصفات مذمومة كالحسد والظلم والكبر والزنا والربا والغل والضغائن والغيبة والنميمة, وغيرها… دخل في محبة الله عز وجل ورضاه.
ونختم بدعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه : اللهم إنا أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغنا حبك.
اللهم إنا نستودعك ديننا وأنفسنا وأهلنا وبلدنا وبلاد المسلمين ونستودعك المسجد الأقصى ونستودعك المرابطين فيه اللهم إنا نشكوا اليك ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الطغاة والمفسدين .إلى من تكلنا وتكلهم إلى أحفاد القردة والخنازير , قتلة الأنبياء والمرسلين أو إلى أشياعهم من المنافقين .
اللهم بحق لا إله إلا الله وثقلها في الميزان وبكل اسمائك الحسنى وعظمتها وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت, أن تهلك وتدمر أعدائك وأعداء الإسلام والمسلمين. إنهم عتوا في الأرض فسادا وإنك قهار قوي عزيز متين وقادر على ذلك كله .آمين
اللهم صل وسلم وبارك على المصطفى سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار والحمد لله رب العالمين.سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
——————