خطايا اللسان
– بحث في خطايا اللسان – رتبه محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
إن اللسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة، فاللسان يجمع بين الطاعة والعصيان، واللسان قد ينطق بالكفر والإيمان بالله. واللسان لا يمل ولا يكل عن الحركة، فإن أطلقه الإنسان في الشر خسر، وإن تكلم به الخير, نال رضى الله،
روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :((أنه ارتقى الصفا فأخذ بلسانه فقال: يا لسان قل خيراً تغنم, واسكت عن شر تسلم, من قبل أن تندم. ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه)) رواه الطبراني (10-197/10446)
واللسان باب ومفتاح لكل خير أو شر، قال ابن القيم – رحمه الله -: وأما فضول الكلام فإنها تفتح للعبد أبواباً من الشر كلها مداخل للشيطان، فإمساك فضول الكلام يسد عنه تلك الأبواب كلها.وكم من حرب جرتها كلمة واحدة. (بدائع الفوائد)
وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لمعاذ: ” …وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم ” . رواه الترمذي (2616)، وابن ماجه (3224) وغيرهم.
وأكثر المعاصي إنما يولدها فضول الكلام والنظر، وهما أوسع مداخل الشيطان. و العين واللسان لو تركا لم يملا من النظر والكلام،
وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة تحذر من خطر اللسان, وترغب في الصمت، قال عز وجل: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق-18. وقال عز وجل:{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } الإسراء-36. وقال عز وجل: { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } النور-24.
فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت”. صحيح البخاري -4354
وعن بن سعد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: “ من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ” صحيح البخاري – 6474
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، لا يُلقي لها بالًا، يرفعُ اللهُ بهادرجاتٍ،
وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ ، لا يُلقي لها بالًا ، يهوي بها في جهنَّمَ.” صحيح البخاري – 6478 .
فاتق الله – أيها المسلم وأيتها المسلمة – في جوارحك، ولا تجعل لسانك سبباً لتعذيب بقية جوارحك، فعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “ إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا « الترغيب- المنذري 4-24 .
واعلم – أخي وأختي في الله- أن عثرة اللسان أشد وأعظم من عثرة الرِّجل
فعن أبي هريرة وعبد الله بن عمر , قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “المسلمُ من سلِمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ” . الإيمان لابن تيمية- 3
وعن أبو رزين العقيلي قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ” مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تضع إلا طيباً“. السلسلة الصحيحة – 355.
وليكن لك في رسول الله ص أسوة وقدوة في محاسبتك لنفسك، وكف لسانك عما لا ينبغي؛ فقد كان خليفة رسول الله، أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يضع حصاة في فيه ليمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول:” هذا الذي أوردني الموارد“. مشكاة المصابيح -4869
فإن فعلت ذلك سلمت ونجيت وربحت؛ فعن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله ! ما النجاة ؟ قال: ” أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك ” .. تاريخ بغداد- 8/265
– وقال طاوس : لساني سبع إن أرسلته أكلني .إحياء علوم الدين- الغزالي
“جاء رجل إلى سلمان رضي الله عنه فقال : يا أبا عبد الله، أوصني ؟فقال سلمان : لا تتكلم ! قال : ما يستطيع من عاش في الناس ألاَّ يتكلَّم ، قال سلمان : فإن تكلمت فتكلَّم بحقٍّ أو اسكت ، قال : زدني، قال : لا تغضب ، قال : أمرتني ألاَّ أغضب ، وإنه ليغشاني ما لا أملك ، قال : فإن غضبت فاملك لسانك ويدك” .الصمت لابن دنيا.
وخطايا اللسان كثيرة نذكر منها:
الكذب وهي من شرور اللسان الكبار، وهو أصل كلِّ شر، عواقبه ونتائجه وخيمة ، قال تعالى في ذمِّه : ” إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ” [النحل: 105] .والكذب دليل على فساد النية وعدم المروءة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار، وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا» (متفق عليه. .
والكذب من صفات المنافقين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلة منهنَّ ، كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا اؤتمن خان ، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر» (متفق عليه .
وربما يقول بعض الناس : إنني أكذب أحيانًا ، أو يقول أنها كذبة بيضاء أو أنا مضطر لذلك. فليعلم أن الكذب ظلمات بعضها فوق بعض ، وأودية لا يقتحمها إلاَّ هالك ،
وللكذب مجالات كثيرة منهاً :- الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم : لقوله «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوَّأ مقعده من النار» (متفق عليه.- والكذب على الناس فيما يتعلق بأعراضهم وأموالهم وأنفسهم :وهذا من أشدِّ الكبائر التي تضرُّ بالمجتمع ، وتؤجِّج رُوح العداوة والمشاحنة بين أفراده ،- وشهادة الزور وهي من أكبر الكبائر،- و الحلف زورًا وهو أن يقرن شهادته بالحلف الكاذب .- والكذب في البيع والشراء أو في المعاملات – والكذب لإفساد ذات البين.- والكذب في إظهار الفضل وادِّعاء ما ليس له و الكذب في الرؤيا أو الحِلم .وقد جاء في الكذب بقصد المزاح والسخرية حديث النبي صلى الله عليه وسلم :قال «ويل للذي يُحدِّث فيكذب ليُضحك به القوم، ويلٌ له ويلٌ له“
ومن خطايا اللسان أيضا نذكر الغيبة وقد نهى عنها ربنا تعالى في كتابه بقوله : ” وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ” [الحجرات: 12]
والغيبة هي ذكر أخاك المسلم في غيابه, و بما يكره من صفات ولو كانت فيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما عُرج بي مررتُ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».رواه أبو داود وتاترمذي والنسائي.
وعن أبي برزة الأسلمي, قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه ، لا تغتابوا المسلمين ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم، اتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته – صحيح أبي داود- 4880.
ومن خطايا اللسان النميمة وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم ؛ فهي مفتاح شر، وطريق الفساد ، قال الله تعالى : ” هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ” [القلم: 11] .وقال سبحانه : ” وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ” [الهمزة: 1] .قيل : الهمزة : النمَّام .وعن حذيفة بن اليمان . قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الجنة نمَّام» (.صحيح مسلم- 3221
والنميمة مبنيَّةٌ على الكذب والحسد والنفاق . و قد تتسبَّب في وقوع محنٍ وفِتَنٍ عظيمة لا يعلمها إلاَّ الله ، فكم من حُروبٍ نشبت بسبب النميمة ! وكم من صديقَين حميمَين أصبحا عدوَّين لدودَين بسبب النميمة ! وكم من زوجين افترقا بسبب النميمة . والنميمة سبب من أسباب عذاب القبر،لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه مر على قبرين، فقال: “إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ…” مجموع الفتاوى (24 / 375)
ومن آفات اللسان اللعان وخطورته تكمن في الطرد من رحمة الله ، وقد ورد في ذمِّ اللعن والنهي عنه أدلَّةٌ كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : «لعن المؤمن كقتله»(متفق عليه) .وقوله صلى الله عليه وسلم : «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء» (الترمذي وحسنه) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة» (رواه مسلم . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء ، فتُغلَق أبوب السماء دونها ، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ، ثم تأخذ يمينًا وشمالاً ، فإذا لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لَعَن ، فإن كان لذلك أهلاً وإلاَّ رجعت إلى قائلها» (رواه أبو داوود
والسب والشتم، يعتبران أيضا من شرور اللسان. فالسب والشتم والفحش والبذاءة ، والمزاح الرخيص ، والتعليقات المستقبحة ، والفجور لا يمكن أن تكون في المؤمن.
فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا، وَلاَ لَعَّانًا، وَلاَ سَبَّابًا، ولقد أخبر صلى الله عليه أن السب والشتم سبب الإفلاس في الآخرة في حديث رواه أَبِي هُرَيْرَةَ – بقوله: (“ أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ؟ “) (قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ: ” إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ , وَصِيَامٍ , وَزَكَاةٍ، وَيَأتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ [مِنْ الْخَطَايَا] أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ “).الملائكة ترد على السباب .
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ أَبَا بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْجَبُ وَيَتَبَسَّمُ، فَلَمَّا أَكْثَرَ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ، فَلَحِقَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَشْتُمُنِي وَأَنْتَ جَالِسٌ، فَلَمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، غَضِبْتَ وَقُمْتَ، قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ مَعَكَ مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْكَ، فَلَمَّا رَدَدْتَ عَلَيْهِ بَعْضَ قَوْلِهِ، وَقَعَ الشَّيْطَانُ، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مَعَ الشَّيْطَانِ» ثُمَّ قَالَ: ” يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثٌ كُلُّهُنَّ حَقٌّ: مَا مِنْ عَبْدٍ ظُلِمَ بِمَظْلَمَةٍ فَيُغْضِي عَنْهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا نَصْرَهُ، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ عَطِيَّةٍ، يُرِيدُ بِهَا صِلَةً، إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا كَثْرَةً، وَمَا فَتَحَ رَجُلٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ، يُرِيدُ بِهَا كَثْرَةً، إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا قِلَّةً. السلسلة الصحيحة -5/271
ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب الوالدين .عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ,(فقالوا: يا رسول الله , كيف يلعن الرجل والديه ؟ , قال: ” يلعن أبا الرجل , فيلعن أباه , ويلعن أمه , فيلعن أمه ” . صحيح أبي داود- 5141
ونهى عن سب الدهر في حديث أبي هريرة, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ قَالَ اللَّهُ: يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ “.صحيح البخاري- 6181
و من شرور اللسان نذكر السخرية والاستهزاء الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يُضحك منه ، وقد يكون ذلك بالقول ، وقد يكون بالإشارة والإيماء. قال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ” [الحجرات .
ومن خطايا اللسان الحلف بغير الله ، فلا يجوز الحلف بمخلوق كائنًا من كان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» (رواه البخارى) , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «من حلف بغير الله فقد أشرك» (رواه أحمد وصححه الألبانى) .
من خطايا اللسان قذف المحصنات المؤمنات وإلصاق التهم الباطلة بهنَّ ورميهنَّ بكلِّ ما يُسيء إلى الشرف ويخدش الكرامة كذبًا وافتراء وزورًا وبهتانًاقال تعالى : “ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ” [النور: 23] .
والمراء والجدل والمخاصمة تعتبر من شرور اللسان المنتشرة في المجتمع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المراء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه بقوله : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا” رواه أبو داود وصححه النووى)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ذروا المراء ، فإنه لا تُفهم حكمته، ولا تُؤمن فتنته .
والمراء : هو الطعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مرتبته عليه.
وأما الجدال فهو منهيٌّ عنه أيضًا إذا كان بالباطل ، كما قال تعالى : ” مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ” [الزخرف: 58 ] .
والجدال نوع من التوبيخ لا يؤدِّي إلى إحقاق حقٍّ ولا إبطال باطل, بل هو عبارة عن قصد تعجيز الغير وتنقيصه بالقدح في كلامه, ونسبته إلى التهور والجهل , و ربما كان سببًا في تمسُّك أهل الباطل بباطلهم والدفاع عنه .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ” -متفق عليه- والألد الخصم هو الذي يبالغ في الخصومة ، ويكثر منها دون اعترافه بالحقِّ وانقياده له وتسليمه به .
وإفشاء الأسرار من شرور اللسان. وإذا كان الحفاظ على السر واجبا وهو من الأمانات فإن إفشاء السر حرام . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ” رواه مسلم-1437 . ومعنى ” من أعظم الأمانة ” أي من أعظم خيانة الأمانة.
قال تعالى : { وإذ أسرَّ النبي إلى بعض أزوجه حديثا فلمَّا نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض فلمَّا نبأها به قالت مَن أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير } التحريم / 3 . فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه شهرا من أجل الحديث الذي أفشته حفصة لعائشة.
ونختم بالوعد الكاذب : وهو أن يعد الإنسان شخص وعدا ويعلم في قرارة نفسه أنه لن ينفذه وليس لأمر خارج عن إرادته. قال تعالى , ” وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم”وقوله : وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا.” الإسراء/34
طريق الخلاص من آفات اللسان
أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالتعوذ بالله من شر اللسان بقوله صلى الله عليه وسلم لشكل بن حميد: ” …قل: “اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي “سنن الترمذي-3492
أخي المسلم : كن ناطقا بالخير، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ناصحاً للخلق، ذاكراً لله، تالياً للقرآن تفُزْ وتسعد في دنياك وأخراك، واحذر أن تقول شراً فتخيب وتخسر، فاعلم أن آفات اللسان محبطة لحسناتك ، ومثقلة لميزان سيئاتك يوم القيامة .فبسببها تتعرض لغضب الرب تعالى وأليم عقابه.
والتوبة إلى الله تعالى من ذنوب اللسان تكون بما يلي : أن تطلب العفو ممن آذيته بلسانك بغيبة أو نميمة أو كذب أو قذف أو سخرية أو استهزاء ، فإن خشيت الضرر من إخباره فلا تخبره ، ولكن عليك أن تستغفر الله عزَّ وجل . وأن لاَّ تجلس في المجالس التي فيها آفات اللسان . وأن تلتمس لإخوانك المسلمين الأعذار ، وتقبل منهم معاذيرهم ؛ فإنَّ ذلك يدعوك إلى عدم الطعن فيهم وتناولهم بالغيبة والنميمة .و أن تكون كثير المحاسبة لنفسك ، فإن ذلك يُطلعك على عيوب نفسك ويبصرك بحقوق إخوانك . وأن تقطع جميع الأسباب الباعثة على آفات اللسان ، كالغضب والجدال والحسد والكبر والمباهاة والغرور وتزكية النفس والتعلُّق بغير الله ، فتحاول معالجة نفسك من هذه الأمراض التي تنتج عنها آفات اللسان, لأن من أخص خصائص المؤمن طهارة لسانه، وانضباط لسانه ….
– المراجع :
“آفات اللسان وأضراره” – أحمد محمد مخترش
“شرور اللسان” من إعداد القسم العلمي بمدار الوطن