عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها – جمعه محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
هي عائشة بنت أبي بكر الصديق بنت الصديق عبد الله بن قحافة التيمي القرشي[1] وأمها أم رومان بنت عويمر الكنانية[2]
ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس سنوات في بيت الصدق والإيمان، وتربت في أحضان والدَيْنِ كريمين من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترعرعت على فضائل الدين العظيم وتعاليمه السمحة، وكانت من المتقدمين في إسلامهم.
ويقول أبي نعيم الأصبهاني في وصفها: الصديقة بنت الصديق العتيقة بنت العتيق حبيبة الحبيب وأليفة القريب سيد المرسلين محمد الخطيب المبرأة من العيوب المعراة من ارتياب القلوب.”[3]
زواج عائشة بنت أبي بكر, برسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي حديث أخرجة ابن حجر العسقلاني، تحكي أم المؤمنين عائشة خطبتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها:” لمَّا توُفِّيَت خديجةُ قالت خولةُ بنتُ حَكيمٍ امرأةُ عثمانَ بنِ مظعونٍ يا رسولَ اللَّهِ ألا تزوَّجُ قالَ نعَم فما عندَكِ قالت بِكْرٌ وثيِّبٌ، البِكْرُ بنتُ أحبِّ خلقِ اللَّهِ إليكَ عائشةُ والثَّيِّبُ سَودةُ بنتُ زمعةَ. قالَ: فاذهبي فاذكُريهما عليَّ، فدخلَت على أبي بَكْرٍ، فقالَ: إنَّما هيَ بنتُ أخيهِ قالَ: قولي لَهُ أنتَ أخي في الإسلامِ وابنتُكَ تصلحُ لي، فجاءَهُ فأنكحَهُ. ثمَّ دخلَت على سودةَ، فقالت لَها أخبري أبي، فذَكَرت لَهُ، فزوَّجهُ.”[4]
فكانت سودة بنت زعمه رضي الله عنها، أول امرأة تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وبنى بها بمكّة. وكان زواجهما في رمضان سنة العاشرة من البعثة النبوية.
ولقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها, وهي بنت ست سنين، قبل الهجرة ببضعة عشر شهراً، وقيل: بعامين، ثم بَنَى بها بعد ذلك حين قدم المدينة. واستمر زواجهما إلى أن توفي عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي في الثامنة عشرة من عمرها.
و لقد كان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها، بأمر من الله عز وجل، حيث جاءت بشرى زواجهما، في رؤيا رآها قبل فترة من الزمن، تحكيها بقولها: “جاء جبريل بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذه زوجتك في الدنيا والآخرة” [5]
وأيضا في حديث رواه الشيخان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه.” [6]
وبشارة زواجه من عائشة جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يضعها تحت رعايته، ويحفظها من أي سوء قد يؤثر سلبا على تربيتها. ويجعلها مثالا للتربية الإسلامية الصحيحة، وكذا ليحضرها لما هو أسمى من ذلك، ألا وهي تربية جيل من التابعين في نشر الدعوة بعد وفاته.
ولقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبته الصغيرة كثيرًا، فكان يوصي بها أمها أم رومان قائلاً: “يا أم رومان، استوصي بعائشة خيرًا واحفظيني فيها“[7]. وكان يسعده كثيرًا أن يذهب إليها كلما اشتدت به الخطوب، وينسى همومه في غمرة دعابتها ومرحها.
لقد جمع المصطفى صلى الله عليه وسلم في معاملته لعائشة بين عناية الأب وحنان ولطف الزوج، وساهم في تكوين شخصية عائشة، ابتداءً من طفولتها إلى أن شبّت. ولقد تزوجها وهي طفلة، ولم تكن معاملته لها وهي في ذلك السن عبثاً، وإنما كانت توجيهاً، لذلك كان يرسل لها البنات في سنها ليلعبن معها لحداثة سنها. فعن هشام عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: “كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسـول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فيسربهن إلي فيلعبن معي.”[8]
وروي عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب بالبنات، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: خيل سليمان. فضحك.[9]
وبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لحقته العروس المهاجرة إلى المدينة المنورة، وعمَّت البهجة أرجاء المدينة: فالمسلمون مبتهجون لانتصارهم في غزوة بدر الكبرى، واكتملت فرحتهم بزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها. وقد تمَّ هذا الزواج الميمون في شوال سنة اثنتين للهجرة، وانتقلت عائشة إلى بيت النبوة.
حياة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر في بيت النبوة
عاشت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشاركه أفراحه وأحزانه. فكانت معيشة زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيطة، وفي ضيق من العيش، وكانوا يقنعون في كثير من الأحيان بالأسودين التمر والماء.
ففي حديث رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: “أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية فدعوه فأبى أن يأكل وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير.”[10]
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ابْنَ أُخْتي إنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إلى الهِلَالِ، ثُمَّ الهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أهِلَّةٍ في شَهْرَيْنِ، وما أُوقِدَتْ في أبْيَاتِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَارٌ، فَقُلتُ يا خَالَةُ: ما كانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: الأسْوَدَانِ: التَّمْرُ والمَاءُ، إلَّا أنَّه قدْ كانَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جِيرَانٌ مِنَ الأنْصَارِ، كَانَتْ لهمْ مَنَائِحُ، وكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن ألْبَانِهِمْ، فَيَسْقِينَا [11]
وقد طلبن أزواجه بتزويد نفقتهم، فاجتمع صلى الله عليه وسلم بهن. وحضر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فأذن لهما، فدخلا عليه، ووجدا النبي صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساؤه، واجماً ساكتاً، فقال عمر: ” لأقولن شيئاً أضحك النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة، سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “هنَّ حولي كما ترى، يسألنني النفقة”. فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟! فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده. ثم اعتزلهن رسول الله شهراً، أو تسعاً وعشرين“[12].
ثم نزل عليه قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)[13] الأحزاب-28, حيث أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخير نسائه بين الصبر على ما عنده من ضيق العيش، ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل، وبين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره, ممن يحصل لهن عنده الحياة الدنيا وزينتها.
وروى الشيخان :أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ : لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي، فَقَالَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: ” إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [الأحزاب: 28] إِلَى أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40] ” قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ، قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ.[14]واخترن رضي الله عنهن وأرضاهن, الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله لهن بعد ذلك بين خيري الدنيا وسعادة الآخرة…
حادثة الإفك
لما فرغ النبيّ -عليه السلام- من غزوته، وعاد منتصراً محمّلاً بالغنائم، ومعه أسرى من بني المصطلق، نزل في أحد المنازل بقصد المبيت ليلاً. فابتعدت السيدة عائشة لقضاء حاجتها، وعندما رجعت كان الجيش يتجهز للرحيل، فتفقدت عقدا ضاع منها عندما كانت في حاجتها، فعادت تبحث عنه. وعند رجوعها، وجدت أن الجيش قد غادر مكانه. فتلحفت بعباءتها فمكثت في المكان نفسه لعل أحد يفطن لها ويرجعوا إليها. فغلبها النعاس فنامت. وقد رجع صفوان بن المعطّل لمسح المنطقة للتأكّد من عدم نسيان متاعٍ للجند بعد طلوع الفجر، فلما رآها عرفها، فأناخ لها راحلته لتركب عليها، وأوصلها إلى حيث قوافل المسلمين بعد ذلك.
فرأى بعض المنافقين قدوم عائشة مع صفوان، وانضمامهما للجيش، فبدأوا ينشرون بين صفوف المسلمين إشاعاتٍ كذِباً حول ما حدث بينهما في غيابهما، “وكانَ الذي تَوَلَّى الإفْكَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ [15]“وكان ممّا يقصّده هؤلاء المنافقون، وهو إيذاؤها وإيذاء النبي بها،
فانتشرت الإشاعة بين المسلمين، فمنهم من صدّقها، ومنهم من أنكرها فور سماعها.
فتأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يروج خاصة وأن الوحي تأخر عشرين يوماً لا يتنزّل عليه. وكان من حكمة الله أن أصاب عائشة مرضاً أقعدها عن الخروج بين الناس قرابة الشهر. ولما سمعت عائشة رضي الله عنها بما يقال في شأنها، تأثرت كثيرا من هذه الحادثة ومن البهتان الذي أصابها، فبكت ليلها كلّه، ولم يرقأ لها دمعٌ بعد ذلك. فصارحها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يجري، وهي آنذاك في بيت والديها: (يا عائشةُ، إنّه بلَغَني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئةً، فسُيُبَرِّئُك اللهُ، وإن كنتِ أَلْمَمْتِ بذنبٍ، فاستغفري اللهَ وتوبي إليه). فقالت: (لقد سمعتم هذا الحديثَ حتى استقرَّ في أنفسِكم وصدقتم به، فلئِن قلتُ لكم: إنّي بريئةٌ، لا تصدقوني، ولئن اعترَفْتُ لكم بأمرٍ، والله يعلمُ أنّي منه بريئةٌ، لتُصَدِّقُنِّي، فواللهِ لا أَجِدُ لي ولكم مثلًا إلّا أبا يوسفَ حين قال: فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون).
وتحوّلت عائشة بعد هذه الكلمات عن مجلس النبيّ واضطجعت، وهي لا تعلم كيف سيبرّئها الله تعالى من هذه الفريّة، وكانت تظنّ أنّ الله سيُري نبيه رؤيا في منامه، يبرأها بها، و ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله الله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ), بتبرأة أم المؤمنين مما نسب إليها.
و تحكي السيدة عائشة رضي الله عنها قصة تبرئتها بقولها : “قَالَ لِي: يا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ، فقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ، فَقَالَتْ لي أُمِّي: قُومِي إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: لا واللَّهِ، لا أقُومُ إلَيْهِ، ولَا أحْمَدُ إلَّا اللَّهَ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ} الآيَاتِ، فَلَمَّا أنْزَلَ اللَّهُ هذا في بَرَاءَتِي، قَالَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه وكانَ يُنْفِقُ علَى مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ منه: واللَّهِ لا أُنْفِقُ علَى مِسْطَحٍ شيئًا أبَدًا بَعْدَ ما قَالَ لِعَائِشَةَ، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولو الفَضْلِ مِنكُم والسَّعَةِ أنْ يُؤْتُوا} إلى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] فَقَالَ أبو بَكْرٍ: بَلَى واللَّهِ إنِّي لَأُحِبُّ أنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إلى مِسْطَحٍ الذي كانَ يُجْرِي عليه“
وقال تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ [النور: 12] وقال تعالى: فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور: 13]
قال الزمخشري: (وهذا توبيخ وتعنيف للذين سمعوا الإفك فلم يجدوا في دفعه وإنكاره، واحتجاجهم عليه بما هو ظاهر مكشوف في الشرع من وجوب تكذيب القاذف بغير بينة، إذا قذف امرأة من عرض نساء المسلمين فكيف بالصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله)[16]
تبشير أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر بالجنة
من فضائل عائشة رضي الله عنها أنها بشرت بالجنة في قوله تعالى: أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النور: 26].
فقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن الرزق الكريم في الآية هي الجنة
وهذه الدلالة نبه عليها ابن عباس في عبارته لأم المؤمنين في مرض وفاتها حيث سمعها تقول: أعوذ بالله من النار فقال ابن عباس: (ما لك وللنار يا أم المؤمنين أعاذك الله منها)[17]
وتبشيرها بالجنة جاء من قبل في الحديث” هذه زوجتك في الدنيا والآخرة” [18]
وقد روى الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: “قلت: يا رسول الله من أزواجك في الجنة؟ قال: أما إنك منهن؟ قالت: فخيل إلي آن ذاك أنه لم يتزوج بكراً غيري.”[19]
حياة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر مع رسول الله
كانت أم المؤمنين عائشة من أحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه, وقد صرح بمحبتها لما سئل عن أحب الناس إليه. فقد روى عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قلت: فمن الرجال؟ قال: أبوها…“[20]
ومن فضائلها , نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في لحافها دون غيرها من نسائه عليه الصلاة والسلام، فقد روى عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان أو حيث ما دار قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذلك فأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها. [21]
وروى عن عائشة أنها قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيها يقول: أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ يريد يوم عائشة حتى مات عندها. قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي، ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن. فأعطانيه فقضمته، ثم مضغته، فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مستند إلى صدري. [22]
وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما يخفى عليَّ حين تغضبين ولا حين ترضين”. فقلت: بمَ تعرف ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال: “أما حين ترضين فتقولين حين تحلفين: لا ورب محمد، وأما حين تغضبين فتقولين: لا ورب إبراهيم”. فقلت: صدقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم.[22 مكرر]
شخصية أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر
نشأت أم المؤمنين رضي الله عنها في بيت صدق وإيمان: قالت رضي الله عنها: “لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، طرفي النهار: بكرة وعشية، ثم بدا لأبي بكر، فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين.” [23]
ولقد تميزت السيدة عائشة، رضي الله عنها، بخصائص متفردة، تحدثت عنها ، بقولها: «لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتهن امرأة إلا مريم بنت عمران: لقد نـزل جبريل بصورتي في راحته، حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني، ولقد تزوجني بكراً، وما تزوج بكراً غيري، ولقد قبض ورأسه في حجري، وقد قبرته في بيتي، ولقد حفت الملائكة بيتي، وإن كان الوحي ليتنـزل وهو بأهله فيتفرقون عنه، وإن كان الوحي لينـزل عليه وإني معه في لحافه، وإني لابنة خليفته وصديقه، ولقد نـزل عذري من السماء، ولقد خلقت طيبة، وعندي طيب، ولقد وعدت مغفرة ورزقاً كريماً.”[24]
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على تعليمها، فكانت أم المؤمنين رضي الله عنها تستوعب كل ما تتعلمه بذكاء وفطنة. فكان عليه الصلاة والسلام يحدثها ويفقهها في الدين، فامتازت بقوة الحفظ والاستذكار مما ساعدتها بفضل من الله، على حفظ كتاب الله تعالى، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفقههما.
وكانت رضي الله عنها عالمة بالعربية، وفروعها وأشعار العرب ونوادرهم، فصيحة اللسان مما ساعدها على فهم القرآن وتفسيره وقد تعلمت من والدها الصديق البلاغة والفصاحة، فقد كان الصديق علامة العرب في ذلك.
وقد عرفت عائشة رضي الله عنها، بكرمها وزهدها وورعها:
*فقد ذكر ابن سعد عن طريق أم درة، قالت: “أتيت السيدة عائشة رضي الله عنها بمائة ألف ففرقتها وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه!! فقالت: لو كنت أذكرتني لفعلت.”
*ويقول عروة بن الزبير: ” رأيت عائشة تقتسم سبعين ألفاً وهى ترقع درعها “
وكانت تكثر من الصلاة وخصوصاً صلاة الليل متأسية بالنبي صلى الله عليه وسلم
*وذكر عن ابن سعد وغيره أنَّها كانت تصوم الدهر…
*وعن عروة أن عائشة رضي الله عنها: ” كانت تصوم الدهر في السفر والحضر”[25] .
مواقف أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها
وكانت أم المؤمنين – رضي الله تعالى عنها – تشارك في كثير من أحداث الأمة الإسلامية، وقد بدأتها بالهجرة إلى المدينة المنورة، للحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأبيها الصديق رضي الله عنه.
وشاركت مع رسول الله في كثير من غزواته، بل كانت تقترب من الصفوف الأولى للمجاهدين. ففي غزوة أحد كانت رضي الله عنها تنقل الماء بالقرب ثم تفرغه في أفواه الصحابة المنهكين من القتال، والعطش …
ويروى عن أنس رضي الله عنه، قال: “. مَّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: وَلقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وإنَّهُما لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِما تَنْقُزَانِ[26] القِرَبَ، وَقالَ غَيْرُهُ تَنْقُلَانِ القِرَبَ على مُتُونِهِمَا، ثم تُفْرِغَانِهِ في أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا في أَفْوَاهِ القَوْمِ[27]
قصة موقعة الجمل
بعد موت عثمان رضي الله عنه, أتفق المسلمون من كبار الصحابة من المهاجرين، والأنصار، وأهل بدر، على تولية علي ابن أبي طالب رضي الله عنه, ولكنهم اختلفوا في أولويات الحكم, فالبعض منهم معاوية رضي الله عنه كان يريد القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه يريد استقرار الدولة أولًا، ثم يرى رأيه في أهل الفتنة، ويقتل منهم من يستحق القتل، ويعزر من يستحق التعزير بعد أن تقوى شوكة المسلمين، وتزول الفتن القائمة.
ومضت أربعة أشهر ولم ينفذ القصاص, لأن علي رضي الله عنه لم يكن قادراً على تنفيذ القصاص في قتلة عثمان رضي الله عنه, لعدم علمه بأعيانهم، ولاختلاط هؤلاء الخوارج بجيشه، مع كثرتهم واستعدادهم للقتال، وقد بلغ عددهم ألفي مقاتل كما في بعض الروايات، كما أن بعضهم ترك المدينة إلى الأمصار عقب بيعة علي.
فخرج طلحة والزبير إلى مكة، والتقوا بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، واتفق رأيهم على الخروج في جيش إلى البصرة ، ليس لهم غرض لقتال علي، بل للقبض على قتلة عثمان رضي الله عنه، وتنفيذ القصاص فيهم.
وقد أخرج أحمد في المسند والحاكم في المستدرك: أن عائشة رضي الله عنها لما بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: “كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب”. فقال لها الزبير: ترجعين!! عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس.
وقد أرسل علي رضي الله عنه القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير يدعوهما إلى الألفة والجماعة، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس.