مراقبة الله في تعاملنا مع الآخرين
– مراقبة الله في تعاملنا مع الآخرين – جمعه محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
قد يتعرض المسلم في كل يوم من أيام حياته إلى المعاملة أو التعامل مع الناس في البيع أو الشراء أو العمل أو يؤدي أمانة أو يشهد على قضية, أوغيرها, دون أن يكترث لمراقبة الله في تعامله مع الآخرين, وقد قيل : “الدين المعاملة“..
وقد يجر علينا هذا السلوك السيء, عدم الإستجابة لدعائنا من قبل الحق سبحانه, لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدد يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)).(صحيح مسلم -1015)
لهذا يجب علينا أن نتقي الله وأن نراقب الله في معاملاتنا لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.(صحيح مسلم -1015), والطيب من الأموال , هو ما اكتسبه الإنسان من طريق الحلال ثم أنفقه فيما يرضي الله .
والخلل يكمن فيمن اكتسب مالا بالغش أو بالكذب أو بالربا أو التدليس. ويعتبر هذا السلوك ظلما للآخرين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا))(مجمع الزوائد – الهيثمي-4-82). وينتظر مرتكبه الوعيد الشديد من الله عز وجل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهم اللهُ يومَ القِيامةِ ، ولا يَنظُرُ إِليهِمْ ، ولا يُزَكِّيهِمْ ، ولَهُمْ عذابٌألِيمٌ ، قال فَقَرَأَهَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثلاثَ مِرارٍ . قال أبُو ذَرٍّ : خَابُوا وخَسِرُوا . مَن هُم يا رسولَ اللهِ ؟ قال : الْمُسْبِلُ والمَنَّانُ والمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الكاذِبِ))(صحيح مسلم -106) وقوله : ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) (مجموع الفتاوي- ابن تيمية-29-29 ) وقوله : ((من حلف على مال أمرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان)) (صحيح مسلم -138).
أخي المسلم, ما أعظم هذا الظلم وما أقبح عاقبته في الدنيا والآخرة، قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)) (صحيح مسلم -2577), كما أن ((دعوة المظلوم لا ترد فيرفعها الله فوق الغمام ويقول : لأنصرنك ولو بعد حين )) (صحيح الترمذي-2526 ).
أخي المسلم لا تتهاون في حق أخيك ولو كان درهما واحداً. فما الذي يبيح لك ماله إذا ائتمنت عليه؟ . قال رسول الله صلى الله عيه وسلم : ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه))(صحيح مسلم -2564)،
ولقد عظم التهافت على الدنيا وجمع حطامها الفاني. فمن أجلها يحلف المسلم كاذباً ويغش ويظلم ويحتال والعياذ بالله وهذا نقص في الدين والعقل, مع أن الرزق بيد الله والرزق الذي قسمه الله لك سيأتيك, فلماذا تأخذه عن طريق الحرام؟ قال تعالى:” وفي السماء رزقكم وما توعدون” (الذاريات-22)، وقال تعالى: “وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها“ (هود-6).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لايحب ولايعطي الدين إلا من يحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه…)(الترغيب والترهيب – المنذري -3-19).
أخي المسلم: لقد وجد في هذا الزمان من يفرح إذا أخذ أو أكل أموال الناس بالباطل واعتبر ذلك ذكاءً ودهاءً وقوة. فليس المهم أن هذا المال حرام أو حلال ولكن المهم عنده أنه حصل عليه. ولقد قل خوف الله عند كثير من الناس ونسوا وعيد الله ونسوا دعاء المظلومين حين يرفعون أكف الضراعة إلى الله ليأخذ حقهم ممن ظلمهم.
ومن الناس من يتساهل في أمر الدين أو السلف فيقترضه ويماطل في تسديده أو ينكره . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر)) (صحيح مسلم -58)،
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الحلال بين الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)) (صحيح مسلم 1599) .
أخي المسلم, إن من أسكن الحياة الدنيا في قلبه أصبحت هي همه وغايته فسيعمى عن الآخرة وستتشعب به الهموم ويهلك في أوديتها بين شبهاتها وشهواتها, وسيكون عبداً للمال يوجهه المال إلى جمعه والجشع فيه والشح, وسيبيع آخرته بدنياه.
ولكن من أسكن الآخرة قلبه وجعل همه لها فسيرى ببصيرته, أن هذه الدنيا متاع قليل وأنها دار من لا دار له, ومال من لا مال له, ويجمعها من لا عقل له, وأنها لعب ولهو وزينة.
لهذا, عليك أخي المسلم أن تسعى ببراءة ذمتك من حقوق المسلمين في أعراضهم وأذيتهم بأن تتحلل منهم وترضيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من كانت عنده مَظلمةٌ لأخيه فليتحلَّلْه منها ، فإنَّه ليس ثَمَّ دينارٌ ولا درهمٌ ،من قبلِ أن يُؤخَذَ لأخيه من حسناتِه ، فإن لم يكُنْ له حسناتٌ أخذ من سيِّئاتِ أخيه فطُرِحت عليه)) (صحيح البخاري -6534) .
فاحذر يا عبد الله أن تذهب أعمالك الصالحة التي تعبت في جمعها طوال حياتك, واحذر أن تخسرها “يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم”.(الشعراء-88-89)
وإن ما عند الله ,هو خيراً وأعظم أجراً، فما قل وكفى خير مما كثر وألهى. ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، فكونوا يا عباد الله من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا “لأن الدنيا والآخرة ضرتان لا تجتمعان في قلب واحد“. ويجب أن نتذكر الحساب وأنه “لايخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء”(آل عمران-5) “فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره“ (الزلزلة8-9) .
(مقتبس بتصرف – من خطبة بعنوان: التحذير من أكل أموال الناس بالباطل – الشيخ عبد الله بن فهد السلوم )