الأسماء والصفات عند المدرسة السلفية المعاصرة
– الأسماء والصفات عند المدرسة السلفية المعاصرة
د.راجح إبراهيم السباتين
مقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتمَّ الصالحات. وبعد؛ فقد فضّلتُ الكتابة في هذا الموضوع المتعلّق بأسماء الله عزّ وجل الحسُنى وصفاته العُلا عند المدرسة السلفيّة المعاصرة، والابتعاد عن موضوع صفات الله تعالى عند المدرسة الاشعرية وذلك لكثرةِ الكتابات الموجودة فيها ولأنّ معظم الأبحاث التي خطّها زملائي المدرّسون سابقاً إنما كانت تنحصرُ في الكتابة عن المذهب الأشعري وتتمحورُ حوله، فآثرتُ الكتابة عن مذهبٍ آخر من مذاهب أهل السُنّة والجماعة؛ وهو المذهب الأساس والأصيل الذي أسَّسَ له شيخ الإسلام ابن تيمية ومن جاء بعده من العلماء والتلاميذ الذي ساروا على نهجه كالإمام ابن القيم، رحمهم الله جميعاً، فكانت كتاباتهم بمثابةِ التأسيس لمدرسةٍ اتفق الكثير من العلماء المعاصرين على تسميتها بالمدرسة السلفية المتأخرة المعتدلة أو “مدرسة ابن تيمية”. وقد امتدت جذور هذه المدرسة الأصيلة لتصل إلى عصرنا الحاضر لتأخذ مسمّىً آخر هو “المدرسة السلفية المعاصرة”… ومهما يكن الأمر أو تتعدّد المسميّات فإنّ الذي يعنينا هنا هو منهج هذه المدرسة في فهم الأسماء والصفات وكيفية عرضها والتعامل معها.
معنى توحيد الأسماء والصفات:
وقبل الحديث عن معنى توحيد الأسماء والصفات عند السلفية المتأخرة المعتدلة، فإنه من المُستحسن التعرُّض لبعض المسائل الهامة، التي يُعتبر الإلمام بها على جانبٍ من الأهمية قبل الخوض في الموضوع الرئيس، كمعنى الاسم والصفة، ومسألة أسماء الله وصفاته هل هي توقيفيّة أم لا؟ وهل أسماء الله تعالى محصورة بعدد؟ وغيرها من المسائل.
1- معنى الاسم والصفة:
الاسم هو اللفظ الدالُّ على الشيء، كما في قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ (1) وهو ما دلَّ على معنىً في نفسه غير مقترنٍ بأحد الأزمنة الثلاثة(2) .
أما الصِّفةُ: فهي الاسم الدالّ على بعض أحوال الذات، نحو طويلٍ وقصيرٍ وعاقلٍ وغيرها(3).
والمقصود بأسماء الله ما دل على مجرَّدِ الذات العليّة كلفظ (الله)، وبالصِّفات ما دلَّ على صفةٍ من صفاته سبحانه كالعالم والقادر، وقد تجتمع الاسميّةُ والوصفّيةُ في بعض الألفاظ كالرحمن؛ فالرحمن من أسماء تعالى كما ورد في قوله تعالى: ﴿ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ﴾(4) وقوله تعالى ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾(5).
وقد يكون لفظ الرحمن صفة كقوله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾(6).
2- هل أسماء الله وصفاته توقيفيّة أم لا؟
اختلف علماء التوحيد في أسمائه وصفاته، هل هي توقيفيه؟ أي أنها لا تُطلقُ على الله إلاّ إذا ورد بذلك توقيفٌ وتعليمٌ وتوجيه من الشارع، بأن يأذن الله سبحانه بإطلاقها في كتابه أو سنة رسوله، أم أنه يجوز إطلاق الأسماء على الله تعالى إذا أجازها العقلُ ودلَّ عليها، حتى لو لم يرد الدليل والإذن الشرعي. وقد اختار جمهور أهل السنة أنَّ أسماء الله تعالى وصفاته توقيفه، فلا يجوز لنا أن نطلق على الله تعالى اسماً أو صفةً إلاّ إذا ورد نصٌ من الشارع بذلك.
وذهب المعتزلة إلى جواز إثبات ما كان متّصفاً بمعناه، ولم يوهم نقصاً، وقالوا إذ دلَّ العقلُ على اتصافه تعالى بصفةٍ جاز أن يُطلقَ عليه اسمٌ يدل على اتصافه بها، سواء ورد الإذن الشرعي بذلك أم لم يرد، وإنَّ اللفظ إذا لم يوهم نقصاً على الله جاز إطلاقهُ على الله، أمّا إذا أوهم نقصاً فإنه يجب منع إطلاقه. وقد كان للّغة أهميةٌ كبيرةٌ عند هؤلاء فقد ذهبوا إلى أنَّ ما اتفق مفهومه اللغوي ومكانة الذات الإلهيّة جاز إطلاقه على الله تعالى، وإن لم يتفق لم يجز.
وإلى هذا مال الباقلاني وتوقَّفَ فيه إمام الحرمين وفصَّل الغزالي؛ فجَّوز إطلاق الصفة ومنع إطلاق الاسم(7).
والذي حقّقه ابنُ القيم أن ما يُطلقُ عليه سبحانه في باب الأسماء والصفات لابد أن يكون توقيفياً، فلا نطلق عليه اسماً ولا نصفه بصفةٍ إذا لم يرد ذلك بكتابٍ أو سُنّة. أمّا في باب الإخبار فلا يجب أن يكون توقيفياً كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه، وقال: هذا فصل الخطاب(8).
3- هل أسماء الله تعالى محصورةٌ بعدد؟
لقد ورد النص بأن لله تسعةً وتسعين اسماً، كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله تسعةً وتسعين اسماً مائة إلاّ واحداً، مَنْ أحصاها دخل الجنة...الحديث.
“وقد اتفق العلماء على أنَّ قول النبي، صلّى الله عليه وسلم، لا يفيد أنها محصورة في هذا العدد، وليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنّما مقصود الحديث أنَّ هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنَّة فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء”(9).
وقد جاء في حديث آخر “ما أصاب مسلماً قط همٌّ ولا حَزَنٌ فقال: اللهمَّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسمِ هو لك، سّميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي وجلاء همّي وغمّي إلاّ أذهب الله همّه وغمّه، وأبدله مكان همه فرجاً، قالوا: يا رسول الله نتعلم هذه الكلمات. قال: بلى، ينبغي لمن سمعهنَّ أن يتعلمهنَّ” صححه ابن حبان وقال محمد صالح بن عثيمين، رحمه الله: إنّ أسماء الله الحسنى غير محصورةٍ في عدد معيّن، ولو كان المراد من الحديث حصر أسماء الله بهذا العدد، لكانت العبارة “إن أسماء الله تسعة وتسعون اسماً…(10).
“إضافةً إلى ذلك أن الله تعالى قال:﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾(11) فهذه الآية مطلقةٌ لم تخصّص أسماء الله بعدد، وقد ورد في القرآن أسماء وصفيّةٌ لله تعالى لم تُدرجْ في التسعة والتسعين المشهورة التي وردت في الحديث ومنها (المولى، النصير الغالب، القاهر، الرب، الناصر، الأعلى…) وقد جاءت رواياتٌ مختلفة في ذكر هذه الأسماء التسعة والتسعين، فدلَّ ذلك على أن أسماء الله غير محصورة في عدد معين”(12) .
4- معنى توحيد الأسماء والصفات:
هناك أكثر من تعريفٍ لهذا النَّوع من التوحيد، كلُّها تدور حول الإيمان بأن لله أسماءً حسنى وصفاتٍ عُليا لا تماثل صفات المخلوقين. ومن هذه التعريفات:
أ- هو إفراد الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى الواردة في القرآن والسنة، والإيمان بمعانيها وأحكامها (13) .
ب- هو الاعتقاد الجازم بأنَّ الله متّصف بجميع صفات الكمال، ومنزّه عن جميع صفات النقص، وأنه متفرد بهذا عن جميع الكائنات(14) .
ت- هو أن تعتقد أن لله سبحانه تعالى أسماءً وصفات، وأنه واحدٌ في أسمائه وصفاته، لا يشاركه فيها أحدٌ ولا يُشاركُ فيها أحداً، وأنه سبحانه بأسمائه وصفاته “فاطر السموات والأرض، جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً، يذرؤكم فيه، ليس كمثله شيٌ وهو السميع البصير“(15) وانه رغم ثبوت الأسماء والصفات له، فإنه مخالف لغيره فيها منزه عن المشابهة والمماثلة (16) قال الله تعالى:﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾(17).
ث- هو إفراد الله عز وجل بما له من الأسماء والصفات. وهذا يتضمن شيئين:
الأول: الإثبات، وذلك بأن نُثبتَ لله عزّ وجلّ جميع أسمائه وصفاته التي أثبتها لنفسه في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
الثاني: نفي المماثلة، وذلك بأن لا نجعل لله مثيلاً في أسمائه وصفاته(18) كما قال الله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)(19) .
5- أدلة توحيد الأسماء والصفات:
هناك أدلةٌ على توحيد الله في أسمائه وصفاته. منها دليل الفطرة والأدلة السمعية والأدلة العقلية واليك بيان ذلك(20):
أولاً: الفطرة دليل على توحيد الأسماء والصفات؛ ذلك أنَّ الله سبحانه قد أودع في الفطرة التي لم تتنجس بالجمود والتعطيل ولا بالتشبيه والتمثيل أنه سبحانه الكامل في أسمائه وصفاته وأنه الموصوف بما وصف به نفسه ووصفه به رسُلهُ، وما خفي عن الخلق من كماله أعظم وأعظم ممّا يعرفونه منه.
ثانياً: الدليل العقلي على توحيد الذات، دليل على توحيد الأسماء والصفات: أي أنَّ كلّ الأدلة على وجود الله تعالى دالةٌ على توحيده في أسمائه وصفاته إذ ليس ثمّة ذات إلاّ وهي متّصفة، وإلا كانت ذاتاً مجردةً ولم تكن وجوداً حقيقياً، فمثلاً ظاهرة الحياة تدل على ذاتٍ واحدةٍ أعطت الأحياء حياتها، وأنَّ هذه الذات المانحة للحياة لا يمكن إلاّ أن تكون متّصفةً بصفة الحياة، فإنَّ فاقد الحياة لا يمنح الحياة لأحد، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولهذا ثبتَ اتصافه سبحانه بصفة الحياة. والحياة صفةٌ والمتصف بها يثبت له اسم الحي، وطالما أنه مانحُ الحياة فهو المحي والقادر على الإحياء ولا بد أن يكون قادراً على الإماتة فهو المميت، وهو الخالق وهو المعطي والمانع والباري والمعيد… وهكذا ثبت وحدانية الله تعالى ويثبت له أسماؤه المتعلقة بهذه الظاهرة.
“وحين أرشد القرآن الناس فلفت أنظارهم إلى ظواهر هذا الكون، المملوء بالمتقنات العجيبة، والمحكمات الغريبة، والمصنوعات البديعة، التي لم توجْدِ أنفَسها بأنفسها، ولا تتحكم بذواتها بعد وجودها، فقد دلَّهم بذلك على أنَّ متقنَها ومُحكمَها ومُبدعَها وصَانعها عليمٌ حكيمٌ حيٌ، وبهذا الترابط الفكري المقتبس من دراسة ظواهر هذا الكون، علمنا أن وراء هذه الظواهر خالقاً قديراً عليماً حكيماً مهيمناً، مدبراً لهذا الكون، مالكاً ملكاً يفعل ما يشاء ويختار، لطيفاً خبيراً، سمعياً بصيراً، وهكذا في سائر صفات الكمال لله تبارك وتعالى”(21) .
ثالثاً: وقد دلَّ الوحي على هذه الأسماء والصفات، لأنه لا يعرفُ اللهَ تعالى معرفة حقهً إلاّ الله، فقد عرَّفنا بنفسه، ذاته واسمائه وصفاته بما يليق بوجهه الكريم في القرآن الكريم والسنة النبوية، إذ أن المحلوق لا يحيط بالخالق﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾(22) .
6- أسس توحيد الأسماء والصفات:
إن توحيد الأسماء والصفات يقوم على ثلاثة أسسٍ، مَن حاد عنها لم يكن موحداً ربه في أسمائه وصفاته، وهي:
1- تنزيه الله جل وعلا عن مُشابهة الخلق وعن أيِّ نقص.
2- الإيمان بالأسماء والصفات الثابتة في الكتاب والسنة دون تجاوزها بالإنقاص منها أو الزيادة عليها أو تحريفها أو تعطيلها.
3- قطع الطمع عن إدراك كيفية هذه الصفات (23) .
7- العلاقة بين أنواع التوحيد الثلاثة:
ترى السلفية المتأخرةُ المعتدلة، حسب تقسيمها التوحيد إلى ثلاثة أنواع. أنّ هذه الأنواع تشكل بمجموعها جانب الإيمان بالله، فلا يكمل لأحدٍ توحيده إلاّ باجتماع أنواع التوحيد الثلاثة، فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، وكذلك لا يصح ولا يقوم توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الله في ربوبيته وألوهيته لا يستقيم بدون توحيد الله في أسمائه وصفاته، فالخلل والانحراف في أيِّ نوعٍ منه هو خلل في التوحيد كله. ذلك أن توحيد الربوبية يستلزم أن لله الصفات الكاملة والأسماء الحسنى، فمعرفة الله لا تكون بدون عبادته، والعبادة لا تكون بدون معرفة الله فهما متلازمان.
وقد أوضح بعضُ أهل العلم هذه العلاقة بقولهم (هي علاقة تلازمٍ وتضمنٍ وشمولٍ):
فتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية.
وتوحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية.
وتوحيد الأسماء والصفات شامل للنوعين معاً.
وبيان ذلك ما يلي:
إنّ من أقرَّ بتوحيد الربوبية وعلم أنَّ الله سبحانه هو الربّ وهو لا شريك له في ربوبيته لزمه من هذا الإقرار أن يُفرد الله بالعبادة وحده سبحانه وتعالى، لأنه لا يصلح أن يُعَبدَ إلاَّ مَن كان رباً خالقاً مالكاً مدُبِّراً وما دام كله لله وحده وجبَ أن يكون هو المعبود وحده، ولهذا جرتْ سُنّةُ القرآن على سوق آيات الربوبية مقرونة بآيات الدعوة إلى توحيد الألوهية، فهو متضمن لتوحيد الربوبية وذلك لأنَّ مَن عبدالله ولم يشرك به شيئاً فهذا يدلُّ ضمناً على أنه قد اعتقد أنّ الله هو ربه ومالكه. وأما توحيد الأسماء والصفات فهو شاملٌ للنوعين معاً، وذلك لأنه يقوم على إفراد الله بكلِّ ما له من الأسماء الحسنى والصفات العُلى التي لا تنبغي إلاّ له سبحانه وتعالى، والتي من جملتها: الرب والخالق والرازق والملك، وهذا هو توحيد الربوبية. ومن جملتها: الله والغفور والرحيم والتواب، هذا هو توحيد الألوهية (24) .
مُعتقَدُ السلف في الأسماء والصفات
عرضٌ إجماليٌ لمذهب السلف في الأسماء والصفات
مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصفَ به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، فلا يجوز نفيُ صفات الله التي وصفَ بها نفسه، ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين، بل هو سبحانه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾(25) وليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.(26) .
وجاء في شرح العقيدة الطحاوية “اتفق أهل السنّة على أنّ الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله”(27) . وإنّ الإثبات للصفات في كتاب الله مفصّلٌ والنفي مُجملٌ على عكس طريقة أهل الكلام المذموم، فإنهم يأتون بالنفي المفصّل والإثبات المجمل. وتقوم عقيدة السلف في الأسماء والصفات على قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ وقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ ردٌّ على المشبَّهة وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ ردٌّ على المعطلة (28) .
وقد بيَّن ابن تيمية اعتقاد السلف في مسألة الصفات فقال: “والأصل في هذا الباب أن يُوصفَ الله بما وصف به نفسه، وما وصفه به رسله نفياً وإثباتاً، فنثبتُ لله ما أثبته لنفسه وننفي عنه ما نفاه عن نفسه”(29) .[29]وأضاف “وقد عُلِمَ أنّ طريقة سلف الأمة وأئمتها إثبات ما أثبته الله من الصفات من غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ ومن غير تحريفٍ ولا تعطيل”(30) .
وطريقتهم تتضَّمنُ إثبات الأسماء والصفات مع نفي مماثلة المخلوقات، إثباتاً بلا تشبيه وتنزيهاً بلا تعطيلٍ، كما في قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾(31) .
وجاء في الشرح الجديد لجوهرة التوحيد “وأهل الحق أثبتوا النصوص واعتقدوها بلا تكييف حيث يقولون: إثبات وجود لا إثبات تكييف وتحديد(32) .
أصول مذهب السلف في الأسماء والصفات:
وقد بنى السلف مذهبهم في الصفات على ثلاثة أصول:
الأصل الأول: التصديق بما جاء في إخبار الله عن نفسه وفي إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه.
الأصل الثاني: نفي التمثيل، فلا مماثِلَ يماثِلُ رب العالمين في صفاته كما أنه لا مثيل له في ذاته.
الأصل الثالث: التفويض. وذلك بأن يُوكَلَ العلمُ بماهيّة الصفات وحقيقتها الوجودية إلى علم رب العالمين، فهو تفويضٌ في الكيفية(33) .
أقسام الصفات عند السلف:
تنقسمُ الصّفاتُ إلى صفاتٍ ذاتيةٍ وصفاتٍ فعليّةٍ:
أولاً: أما الصفات الذاتية: فهي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها، وهي نوعان: معنوية وخبرية، فالمعنوية مثل: الحياة والعلم والقدرة… وهذا على سبيل التمثيل لا الحصر. وأما الصفات الخبرية، فمثل: اليدين والوجه والعينين… فالله تعالى له يدان ووجه وعينان ولم يحدث له شيءٌ من ذلك بعد أن لم يكن، ولن ينفك عن شيء منه، كما أن الله لم يزل حياً ولا يزال حيّاً، لم يزل عالماً ولا يزال عالماً. وقد اصطلح العلماء على أن تسميتها الصفات الذاتية، لأنها ملازمة للذاتً، لا تنفك عنها.
ثانياً: وأما الصفات الفعلية: هي الصفات المتعلقة بمشيئته، وهي نوعان:
1. صفات لها سبب معلوم،مثل الرضى؛ فالله عزَّ وجلَّ إذا وُجِدَ سببُ الرّضا رضيَ كما قال الله تعالى:﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾(34) .
2. وصفات ليس لها سبب معلوم مثل النزول إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير.
وقد اصطلح العلماء رحمهم الله على تسمية هذه الصفات بالصفات الفعلية لأنها من فعله سبحانه وتعالى(35) .
البحث في الصفات
إنَّ صفات الله عزَّ وجلَّ من الأمور الغيبيّة، والواجب على الإنسان نحو الأمور الغيبة أن يؤمن بها على ما جاءت دون أن يرجعَ إلى شيءٍ سوى النّصوص الشرعية، قال الإمام أحمد “لا يُوصَفُ الله إلا بما وصفَ به نفسه أو وصفه به رسوله، لا يُتَجاوَزُ القرآن والحديث”(36) .
يستدلّ السلفية المتأخرة المعتدلة على تقرير مذهبها السابق في توحيد الاسماء والصفات بجملةٍ من الصنوص والأقوال السلف هذه الأمة الصالح رحمه الله جميعاً ومنها ما يلي:
1- ما روى عن أبي بكرٍ رضي الله عنه، أنّه قال: “العجز عن دَرك الإدراكِ إدراكٌ، والبحث في ذات الله إشراك، سبحان مَن لم يجعل سبيلاً إلى معرفته إلاّ العجزَ عن معرفته، ولا ينبغي أن نتوَّهم فيه كيفاً، لأنَّ الكيف عنه مرفوع“(37) .
2- قول أبي حنيفة في كتابه الفقه الأكبر “لا يشبه شيئاً من خلقه، ولا يشبهه شيءٌ من خلقه وصفاته كلّها خلافُ صفات المخلوقين، يعلم لا كعلمنا، ويقدرُ لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا، ويتكلم لا ككلامنا، وهو شيءٌ لا كالأشياء، ومعنى الشيء إثباته بلا جسمٍ ولا جوهرٍ ولا عرضٍ، ولا حدَّ له ولا ندَّ له ولا ضدَّ له ولا مثل له”(38) ويضاف إلى ما سبق ما ذكره الله في كتابه من الوجه واليد والنفس فهي له صفات بلا كيف. فقال: “وله تعالى يدٌ ووجهٌ ونفس كما ذكره الله في القرآن، فما ذكره اللهُ في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهي له صفات، بلا كيف ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته، فإن فيه إبطالَ هذه الصفة، وهو قولُ أهل القدر والاعتزال، ولكنَّ يده صفتُه بلا كيفٍ وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف”(39) .
3- وقال سفيان بن عيينة “كل ما وصف الله به نفسه في كتابه، فتفسيره قراءته والسكوت عنه، ليس لأحدٍ أن يفِّسره إلا الله ورسوله”(40) .
4- وروى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه سمع شخصاً يروي حديث النزول ويقول: ينزل بغيرِ حركةٍ وانتقالٍ ولا تغيُّرِ حالٍ، فأنكر الإمام عليه ذلك وقال: قل كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فهو أغيرُ على ربِّه منك “إنَّ الله ينزل إلى السماء الدينا… الحديث”(41) . وقد قال ابن قدامه المقدسي: إنَّ كلام الإمام أحمد قد تضمَّن ما يلي:
أ- وجوب الإيمان والتصديق بما جاء عن رسول الله من أحاديث الصفات، من غير زيادةٍ ولا نقصٍ ولا حدٍّ ولا غايةٍ.
ب- أنْ لا كيفَ ولا معنى؛ أي لا نكيفِّ هذه الصفات لأن تكييفها ممتنعٌ، وليس مراده أن لا كيفية لصفاته فإن صفاته ثابتة حقاً، وكلُّ شيءٍ ثابتٍ فلا بدَّ له من كيفيّةٍ ولكنَّ كيفية صفات الله غيرُ معلومةٍ لنا. وأمَّا قوله لا معنى أي لا نُثبتُ لها معنىً يخالفُ ظاهرها، وليس مراده نفي المعنى الصحيح الموافق لظاهرها(42) .
5- وبعد أن ساق الإمام الترمذي في سننه قول الرسول صلى الله عليه وسلم “ما تصدَّقَ أحدٌ بصدقةٍ من طيِّب ولا يقبل الله إلا الطيّب، إلا أخذها الرحمنُ بيمينه… الحديث” قال يرحمه الله: (وقد قال غيُر واحدٍ من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبههُ من الروايات من الصفات ونزول الربِّ تبارك وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماء الدنيا قالوا: نثبتُ الروايات في هذا ونؤمن بها ولا يُتَوهَّمُ، ولا يُقالُ: كيف؟ هكذا رويَ عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنّهم قالوا في هذه الأحاديث: أَمِرُّوها بلا كيف. وأمّا الجهميّةُ، فأنكرت هذه الروايات وقالوا هذا تشبيه. وقد ذكر الله تبارك وتعالى في غير موضعٍ من كتابه اليد والسمع والبصر فتأوّلتِ الجهميةُ هذه الآيات وفسَّروها على غير ما فسرها أهلُ العلم، وقالوا: إنَّ الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إنّما معنى اليد القوة.
قال إسحاق بن إبراهيم: إنّما يكون التشبيُه إذا قال: يدٌ كيدٍ، أو مثلُ يدٍ، أو سمعٌ كسمعٍ أو مثل سمعٍ، فهذا تشبيه. وأمّا إذا قال كما قال اللهُ يد وسمع وبصر، ولا يقول كيف ولا يقول مثلُ سمعٍ ولا كسمعٍ فهذا لا يكون تشبيهاً وهوكما قال الله في كتابه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ (43).
6- قال ابن قدامه المقدسي يرحمه الله: الذي درج عليه السلف في الصفات هو الإقرار والإثبات لما ورد من صفات الله تعالى في كتابه وسنّةِ رسوله، صلّى الله عليه وسلم، من غير تعرُّضٍ لتأويله بما لا يتفق مع مراد الله ورسوله. والاقتداءُ بهم في ذلك واجب لقوله صلى الله عليه وسلم “عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين… الحديث”(44).
7- قال شيخ الإسلام ابن تيميه يرحمه الله: إلى الكلامُ في الصفات فرعٌ على الكلام في الذات يُحتذى فيه حذوه ويُتَّبَعُ مثاله، فإذا كان الذات إثباتَ وجودٍ لا إثبات تكييفٍ، فكذلك إثبات الصفاتُ إثباتُ وجود لا إثبات تكييف (45) .
8- أشارَ ابن كثير، يرحمه الله، في تفسيره إلى عقيدة السلف في هذا الجانب، حيث قال عند تفسير قول الله تعالى ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾(46) وللناس في هذا المقام مقالاتٌ كثيرةٌ، وإنما نسلك في هذا المقام مذهبَ السلف الصالح، مالكٍ والأوزاعي والثوريّ الليث بن سعد والشافعيّ وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديماً وحديثاً، هو إمرارُها كما جاءت من غير تكييفٍ ولا تشبيهٍ ولا تعطيلٍ. والظاهرُ المتبادِر إلى أذهان المشبِّهين منفيٌ عن الله، فإنّ الله لا يُشبهه شيءٌ من خلقه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ بل الأمر كما قال الأئمةُ، منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال: من شبَّهَ اللهَ بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف اللهُ به نفسهَ فقد كفر، وليس فيما وصف اللهُ به نفَسه ولا رسولهُ تشبيهٌ؛ فمن أثبتَ لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى(47).
9- وأخيراً فقد ذكر الإمام رحمه الله، ابن رجب في هذا الجانب كلاماً موافقاً لما سبق ذكره من كلام الأئمة المتقدم حسين قال: “والصواب ما عليه السلف الصالح من إقرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسيرٍ لها، ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ، ولا يصحُّ عن أحدٍ منهم خلافُ ذلك البتة، دون خوضٍ في معانيها، ولا ضربِ مثلٍ من الأمثال لها… “وأمّا ما وصف النبُّي ربَّه، فكُّل ذلك حقٌ وصدقٌ يجب الإيمان به والتصديق به كما وصف اللهُ به نَفسه مع نفي التمثيل عنه، ومن أشكل عليه فهمُ شيءٍ من ذلك فليقل “كما مدح الله الراسخين في العلم وأخبر عنهم أنهم يقولون عند المتشابه” ﴿ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ﴾ وكما قال النبي في حقّ القرآن” وما جهلتهم منه فكِلوه إلى عالمه، ولا يتكلّف ما علم له به“(48) .
وقفه هامّة عند بيان معنى التحريف والتعطيل والتكييف والتمثيل والتأويل جرت عبارة السلف “رحمهم الله” على القول (ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وبما وصفه به رسوله من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيل) وإني أراني أستحسنُ بيان وتوضيح معاني هذه المصطلحات ولو بشكل مختصر وذلك لما فيها من التذكير والفائدة إن شاء الله تعالى.
1. التحريف: هو التغيير. وهو إما لفظيٌ وإما معنويٌ، ومثال ذلك تغيير الحركات الإعرابية، كما في قوله تعالى ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾(49) ، وذلك بنصب لفظ الجلالة، لنفي صفة الكلام عنه سبحانه(50) . وأمّا التحريف المعنويّ فهو الذي وقع فيه كثيرٌ من الناس ويسمونه تأويلاً، والتأويل ليس كلُّه مذموماً فمنه المحمود ومنه المذموم (51) .
2. التعطيل: التعطيل بمعنى التخلية والترك، كقوله تعالى ﴿ وبئرٍ معطّلةٍ ﴾ أي مخّلاة متروكة، والمراد بالتعطيل: إنكار ما أثبت اللهُ لنفسه من الأسماء والصفات، سواء كان كليّاً أو جزئّياً. والفرق بين التحريف والتعطيل، أنّ التحريف يكون في الدليل وبينما يكون التعطيل في المدلول(52) .
3. التكييف: أي أن تُذْكَرَ كيفيَّةُ الصّفة، ويُسأَلُ عنه بكيف. وليس معنى “بدون تكييف” ألاّ نعتقدَ أنَّ لها كيفيةً، بل لكنُّ المنفى هو علمنا بالكيفيّة، فالاستواء على العرش مثلاً لا شك أنَّ له كيفيّةً، لكنّها لا تُعْلَمُ(53) .
4. التمثيل: وهو ذكر مماثل الشيء، فأهل السنة يتبرؤون من تمثيل الله عز وجل بخلقه، لا في ذاته ولا في صفاته [54].
رد الإمام ابن تيمية على المؤولين للصّفات:
لقد رد الإمام ابن تيميه على المؤولين لصفات الله تعالى بأصلين(55):
الأصل الأول:
أن يقال إنَّ القول في بعض الصفات كالقول في بعضٍ، فإنْ كان المخاطَبُ ممن يقول بأن الله حي بحياةٍ، عليم بعلمٍ، وجعل ذلك حقيقةً ويُنِازعُ في بقية الصّفات الثابتة في الشرع (أي الخبرية) فيجعلها مجازاً ويؤولها، فالأصل أن يُقال له: لا فرقَ بين ما أولّته وبين ما أثبتَّهُ فإن قلتَ الإرادةُ لله مثلُ إرادة المخلوقين وقعتَ في التمثيل والتشبيه، وإن قلتَ إرادة الله غير إرادة المخلوقين، فنحن نقول أيضاً يد الله لا كيدِ المخلوقين، فما الفرقُ بين ما أثبتَّ مع التأويل وما أثبتنا مع التنزيه؟ فإن قال: إنَّ طريقةَ إثبات الصفات التي نقول بها العقل وأنتم لا دليل لكم من العقل على ثبوت الصفات الخبرية، فإنّه يرد عليه بأنَّ عدم الدليل ليس دليلاً على عدم المدلول، فإن كان الدليل العقلي لا يثبتها، ولكنّه لا يملك أن ينفيَها، وقد ورد عليها دليلٌ من الشرع، ولاُ بدَّ للعقل أن يسلِّم بما ورد به الدليل الشرعي.
الأصل الثاني:
إن القول في الصفات كالقول في الذات ونحن الحنابلة متَّفقون معكم على أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فإذا كان له ذاتٌ حقيقيةٌ لا تماثِلُ الذوات، فالذات متَّصفةٌ بصفات حقيقيّةٍ لا تماثلُ سائرَ الصفات. وإن سألَ سائلٌ عن الكيفية في الصّفة يُرَدُّ عليه بأن العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، فكيف يُطالِبُ بكيفيّة الاستواء والنزول واليد والعين وهو لا يعلم كيفية الذات الإلهية؟؟(56) .
لقد ذكرتُ فيما سبق من كلمات في السطور المتقدّمة أدلّة السلفيّة المتأخرة المعتدلة على تقرير مذهبها في توحيد الأسماء والصفات والنصوص اليت ساقوها للتدليل على صحّة وسلامة هذا المذهب وأرى أنّه من تمام الفائدة أن أذكر القواعد التي قررها أئمة هذه المذاهب العقدية المتأخرون وهي قواعد يعتبرونها عامةً في توحيد الاسماء والصفات وقد جمعها ابن عثيمين في كتابه (القواعد المثلى في صفات الله واسمائه الحسنى)(57) وأهما ما يلي:
القواعد العامة في توحيد الأسماء والصفات عند مدرسة السلفية المتأخرة
أولاً: اسماء الله الحسنى:
1- أسماء الله تعالى أعلامٌ وأوصافُ، أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلَّت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول مترادفةٌ وذلك لدلالتها على مسمّىً واحدٍ وهو الله عزّ وجل، وهي بالاعتبار الثاني متباينةٌ وذلك لدلالة كلٍّ واحدٍ منها على معناه الخاص، ومثال ذلك: (الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز، الحكيم) فكلّها أسماءٌ لمسمّىً واحدٍ وهو الله تعالى لكنَّ معنى الحيّ غيرُ ومعنى العليم معنى العليم غير معنى القدير وهكذا… وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف لدلالة القرآن عليه كما في قوله تعالى “وهو الغفور الرحيم” وقوله تعالى “وربك الغفور ذو الرحمة” وقد وصف الله نفسَه بأوصافٍ كثيرةٍ مع أنّه الواحد الأحد، كما في قوله تعالى “إنَّ بطش ربك لشديد، ﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ… ﴾ الآيات.
2- أسماء الله إنْ دلَّتْ على وصفٍ متعدٍّ تضَّمنت ثلاثة أمور:
أ- ثبوت ذلك الاسم لله تعالى.
ب- ثبوت الصفة التي تضَّمنها لله تعالى.
ت- ثبوت حكمها ومقتضاها.
ومثال ذلك “السميع” فإنّه يتضمن إثبات السميع اسماً لله وإثبات السمع صفةً لله وإثبات حكم ذلك ومقتضاه وهو أنّه يسمعُ السر والنجوى وإن دلّت على وصفٍ غير متعدٍّ، تضمنتْ أمرين:
أ. ثبوت ذلك الاسم لله.
ب. ثبوت الصفة التي تضمنها لله.
ومثال ذلك: (الحيّ) فإنّه يتضمن إثبات الحي اسماً وإثبات الحياة صفةً له.
3- دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكونُ بالمطابقة وبالتضُّمنِ وبالالتزام ومثال ذلك: (الخالق) فإنّه يدل على ذات الله وعلى صفة الخلق بالمطابقة، ويدلُّ على الذات وحدها وعلى صفة الخلق وحدها بالتضُّمن ويدل على صفتي العلم والقدرة بالالتزام. لأن اللازم من كلام الله ورسوله حقٌ، ولازمُ الحق حقٌّ، ولأنَّ الله تعالى عالمٌ بما يكون لازماً من كلامه وكلام رسوله فيكون مراداً.
4- أسماء الله توفيقية، لا مجال للعقل فيها.
5- أسماء الله غيرُ محصورةٍ بعددٍ معيّنٍ.
ثانياً: صفات الله تعالى:
1- صفات الله كلُّها صفاتُ كمالٍ، لا نقص فيها بوجهٍ من الوجوه، وقد دل على ذلك السمع ﴿ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [النحل: 60].
2- باب الصفات أوسعُ من باب الأسماء، وذلك لأنَّ كلَّ اسمٍ مُتضِّمنُ لصفة. وأمّا الصفاتُ فمنها ما هو متعلقٌ بأفعال الله، وأفعالُ الله لا منتهى لها، ومن ذلك: إن من صفات الله المجيء والإتيان والأخذ والامساك والبطش إلى غير ذلك، فنصفُ اللهَ بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسمّيه بها، فلا نقول: إنّ من أسمائه الجائي والآتي والآخذ.
3- تنقسمُ صفات الله إلى قسمين: ثبوتية وسلبية.
فالثبوتيّة: ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله، صلّى الله عليه وسلم، وكلُّها صفات كمالٍ لا نقص فيها بوجهٍ من الوجوه كالحياة والعلم والقدرة والاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا واليدين ونحو ذلك، فيجب إثباتها لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه.
أمَّا الصفاتُ السلبّية: وهي التي نفاها الله عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله كالموت والنوم والجهل والنسيان والعجز والتعب.
وهذه يجب نفيها عن الله، مع إثبات ضدِّها على الوجه الأكمل، وذلك لأنَّ ما نفاه الله عن نفسه فالمراد به بيانُ انتفائه لثبوت كمال ضدِّه، لا لمجرد نفيه، لأنَّ النفي ليس بكمالٍ إلاّ أن يتضَّمنَ ما يدلُّ على الكمال، لأن النفي عدمٌ، والعدمُ ليس بشيءٍ فضلاً على أن يكون كمالاً.
4- تنقسمُ الصفات الثبوتية، إلى قسمين: الذاتية. والفعلية.
5- يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين هما: التمثيل والتكييف. ولهذا سئل الإمام مالك “رحمه الله” عن قوله “الرحمن على العرش استوى” فقال: الاستواء غيرُ معلوم والكيفُ غير معقولٍ والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه.
6- صفات الله توقيفية لا مجال للعقل فيها، فلا نُثبتَ لله تعالى من الصِّفات إلاّ ما دلَّ الكتاب والسنة على ثبوته.
—————————————————————————-
قائمة المراجع:
1-إبراهيم البريكان، القواعد الكلية للأسماء والصفات عند السلف، دار إبن القيم.
2- ابن قدامة المقدسي، شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، شرح محمد صالح بن عثيمين، مؤسسة الرسالة.
3- ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج2، دار الخير.
4- أبو حنيفة، الفقه الأكبر، المطبعة العامرية.
5- أبو عيسى الترمذي، جامع الترمذي، دار السلام، الرياض.
6- جميل صليبا، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت.
7- عبد الحميد السائح، عقيدة المسلم وما يتصل بها، منشورات وزارة الأوقاف، الأردن.
8- عبد الرحمن حسن حبنكة، العقيدة الإسلامية، دار القلم.
9- العدوي، الشرح الجديد لجوهرة التوحيد، شركة مصطفى البابي.
10- علي عبد العزيز الشبل، منهج الحافظ ابن رجب في العقيدة، دار الصميعي.
11- محمد التميمي، معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات، أضواء السلف.
12- محمد الخطيب ود. محمد الهزايمة، دراسات في العقيدة الإسلامية، الأكاديميون للنشر والتوزيع.
13- محمد صالح بن عثيمين، القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحُسنى، دار الأرقم.
14- محمد صالح عثيمين، شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية، دار ابن الجوزي.
15- محمد نعيم ياسين، لإيمان، دار الفرقان.
16- المكتب الإسلامي، الرسالة التدمرية لابن تيمية.
17- النووي، شرح صحيح مسلم، ج 17، مؤسسة مناهل العرفان.
————————————————————————————–
1 سورة البقرة، آية 31.
2 المعجم الفلسفي، د. جميل صليبا ص 82، ط1، 1971م.
3 المقصد الاسنى شرح اسماء الله الحسنى، الغزالي، ص 27.
4 سورة مريم، آية 61.
5 سورة طه، آية 5.
6 عقيدة مسلم وما يتصل بها، عبد الحميد السائح، ص 116 منشورات وزارة الأوقاف.
7 أنظر عقيدة المسلم وما يتصل بها، ص 116 والشرح الجديد لجوهرة التوحيد، العدوي ص 50، طبعة مصطفى البابي الحلبي.
8 المرجع السابق نفسه.
9 صحيح مسلم بشرح النووي ج17 ص 5، مؤسسة مناهل العرفان.
10 القواعد المثلى في صفات الله واسمائه الحسنى ص 6، طبعة دار الأرقم.
11 سورة الأعراف، آية 180.
12 العقيدة الإسلامية، عبد الرحمن حسن حبنكه ص 244.
13 معتقد أهل السنة في توحيد الأسماء والصفات د. محمد التميمي ص 29، أضواء السلف.
14 الإيمان، محمد نعيم ياسين، ص 27، دار الفرقان.
15 سورة الشورى، الآية 11.
16 دراسات في العقيدة الإسلامية، د. محمد الخطيب، ود. محمد الهزايمة، ص 114 و115. الأكاديميون للنشر والتوزيع.
17 سورة الصمد.
18 القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ج1، ص 18 دار ابن الجوزي.
19 سورة الشورى، الآية 11.
20 دراسات في العقيدة الإسلامية، د. محمد الخطيب، ود. محمد الهزايمة ص 117، الأكاديميون للنشر والتوزيع.
21 العقيدة الإسلامية واسسها، عبد الرحمن حسن حبنكه، ص 156، دار القلم.
22 سورة الأنعام، الآية 103.
23 الإيمان، محمد نعيم ياسين ص 27 و28.
24 أنظر معتقد أهل السنة والجماعة، د. محمد خليفة التميمي ص 41، أضواء السلف.
25 سورة الشورى، الآية 11.
26 القواعد الكلية للاسماء والصفات عند السلف، د. أبراهيم البريكان، ص 24، دار ابن القيم.
27 ص 98، طبعة المكتب الإسلامي.
28 المرجع السابق ص 107 وما بعدها.
29 الرسالة التدمرية ص 7، المكتب الإسلامي.
30 المرجع السابق نفسه، ص 7.
31 المرجع السابق ص 7 و8.
32 ص 67، ط1، شركة ومكتبة مصطفى البابي.
33 القواعد الكلية للأسماء والصفات عند السلف، البريكان ص 25 و26.
34 سورة الزمر، الآية 7.
35 شرح العقيدة الواسطيه، لابن تيمية، محمد صالح بن عثيمين ص 78 و79 دار ابن الجوزي.
36 شرح العقيدة الواسطية، ابن عثيمين ص 74.
37 عقيدة المسلم وما يتصل به ص 117.
38 الفقه الأكبر، ص 2، 3، المطبعة العامرية.
39 الفقه الأكبر ص 2 و3، المطبعة العامرية.
40 الشرح الجديد لجوهر التوحيد ص 62.
41 المرجع السابق ص 62.
42 شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، ابن قدامة المقدسي ص 20، شرحه محمد صالح العثيمين، مؤسسة الرسالة.
43 جامع الترمذي ص 171، ط1، دار السلام، الرياض.
44 شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد، ابن قدامه المقدسي ص 20، شرح محمد صالح العثيمين، مؤسسة الرسالة.
45 مجموع الفتاوي، ابن تيميه، جمع عبد الرحمن النجدي ج3 ص 167.
46 سورة طه، الآية 5.
47 تفسير القرآن العظيم ج2 ص 247، دار الخير.
48 منهج الحافظ ابن رجب في العقيدة، علي عبد العزيز الشبل ص 351 و352، دار الصميعي.
49 سورة النساء، الآية 164.
50 انظر، الإيمان، محمد نعيم ياسين، ص 32.
51 انظر شرح العقيدة الواسطية، مجلد 1 ص 90 ومجموع الفتاوي، ابن تيميه، جمع عبد الرحمن النجدي ج 5 ص 206.
52 المرجع السابق 96 وما بعدها.
53 المرجع السابق 96 وما بعدها.
54 المرجع السابق 96 وما بعدها.
55 الرسالة التدمريّة، ص 5، 6، ط2، المكتب الإسلامي.
56 الرسالة التدمرية ص 5 و6 ط2، المكتب الإسلامي.
57 راجع كتاب القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحُسنى، للشيخ ابن عثيمين، ص 6 وما بعدها، طبعة دار الأرقم.