2- الشيطان في الكتاب والسنة – جمعه محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
قال الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27 الحجر) .
ولقد تردد لفظ إبليس والشيطان في مواضع متعددة من القرآن الكريم، وإبليس واحد من الجن، وهو أبو الشياطين و هو أول من عصى الله, لامتناعه من السجود لآدم.
لقوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ( البقرة: 34)
وطرد إبليس من السماء وحقت عليه لعنة الله إلى يوم القيامة,
فقال له الله : فاخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين (ص-77-78 ).
ثم سأل الله عز جل: قال أنظرني إلى يوم يبعثون، قال إنك من المنظرين ( الأعراف-14-15) .
فلما أمِنَ إبليس من الهلاك تمرد وطغى :
قال الشيطان: فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (الأعراف-16-17 )
فقال له الله سبحانه: اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاءً موفوراً ، واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعِدهم , وما يعدهم الشيطان إلا غروراً ، إن عبادي ليس لك عليهم سلطان , وكفى بربك وكيلاً (الإسراء-62-64 )
ومن هنا أعلن الشيطان عن عداوته الأبدية لبني آدم. فبدأ يزين لهم المعاصي ويغريهم بالمحرمات والخبائث , ويأمرهم بالسوء والفحشاء, فانخدع بذلك أكثر الناس , ووقعوا في المعاصي والمحرمات.
قال تعالى: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين ( سبأ/20 . )
وقد نبهنا الله عز وجل عن عداوة الشيطان للإنسان بقوله: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (فاطر- 6)
والشياطين أجناس لا يعلم تفاصيل خلقتهم وكيفية تسلطهم على بني آدم إلا الله سبحانه . والإنسان لا يمكن له أن يرى الجن على صورتهم الحقيقية إلا في ظروف إستثنائية, كالصرع, أو خلال التعامل الغير المشروع مع الجن…
قال تعالى : إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( الأعراف: 27) .
وقوله (يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) تعود على إبليس وجماعته أو أتباعه من الشياطين والجن وكلاهما من جنس واحد .
قال شيخ الإسلام: ” والجن يتصورون في صور الإنس والبهائم فيتصورون في صور الحيات والعقارب وغيرها… , وفى صور بنى آدم, كما أتى الشيطان قريشا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر… ”
“ووجود الجن ودخوله في جسم الإنسان ثابت في كتاب الله وسنة رسوله واتفاق أئمة أهل السنة والجماعة” [1]
قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ (البقرة-275).
وجاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم“ .[2]
ولقد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم, أن كل إنسان معه قرين من الملائكة وقرين من الشياطين.
قال الله تعالى : قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ(قّ – 27) ،
والقرين في هذه الآية هو الشيطان، كما ذكر ذلك في حديث روي عن عائشة رضي الله عنها, أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أو معي شيطان؟ قال: نعم، قلت: ومع كل إنسان، قال: نعم، قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: نعم ” [3]
والمشروع لكل مسلم, الاستعاذة بالله سبحانه من شر الشيطان , والاستقامة على الحق , واستعمال ما شرعه الله من الطاعات والأذكار والتعوذات الشرعية ، والله سبحانه هو الواقي والمعيذ لمن استعاذ به والتجأ إليه ، لا إله إلا الله هو وحده لا شريك له، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فعن أبي أمامة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الجن والإنس، قال: يا نبي الله، وهل للإنس شياطين؟ قال: نعم , شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا “ (الأنعام: 112 ([4]
وقد بين لنا الله عز وجل تنوع طرق إغواء الشيطان لبني البشر بقوله : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ ويَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة – 268).
وقوله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران – 175) .
وقوله عز وجل : وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ (النساء-119).
وقوله تعالى : اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ ( المجادلة -19),
والشيطان لعنه الله, له القدرة على إذاية الإنسان كما يؤذي بنو آدم بعضهم بعضا، فقد يؤذي الجن الإنس في بعض الأحيان بالحجارة، أو بشب النار في بعض أمتعتهم، أو بالكلام المزعج والكوابيس, إلى غير ذلك.
وقد يتلبس الجني بالإنسي. والغالب يكون ذلك، إما عن طريق السحر بفعل الإنس, أو بصب ماء حار لم يسم الله عليه، أو ما شابه ذلك، قد يسبب لهم الأذى، فيتسلطون على الإنسان, فيتلبسون به, فيؤذونه.
وشرع الله عز وجل لنا في القرآن الكريم والسنة النبوية ما نوقي به أنفسنا من شر الجن والإنس, كالتعوذات والأذكار. ولنا مثالا في ذلك, في قصة سيدنا أيوب عليه السلام مع الشيطان.
قال الله عز وجل : وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (ص – 41).
ولقد اشتكى سيدنا أيوب إلى ربه من عذاب في الجسد والمال والأهل والولد.
قال الله عز وجل : ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (ص-42).
فقيل له :اضرب الأرض برجلك، لينبع لك منها عين تغتسل منها وتشرب، فيذهب عنك الضر والأذى، ففعل ذلك، فذهب عنه الضر، وشفاه اللّه تعالى.
———————-
– المراجع:
[1] مجموع الفتاوى-ابن تيمية
[2] صحيح البخاري-7171,صحيح مسلم -2175.
[4] تفسير ابن كثير