العجب
العجب : جمعه محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ
قال الفضيل بن عياض – رحمه الله -: “إذا ظفر إبليس من ابن آدم بإحدى ثلاث خصال قال: لا أطلب غيرها: إعجابه بنفسه، واستكثاره عمله، ونسيانه ذنوبه”.[1]
وقال بشر بن الحارث الحافي في تعريف العجب: “أن تستكثر عملك، وتستقل عمل غيرك.”
وقال ابن جريح : إذا عملت خيرا فلا تقل عملت[2]
والعجب يؤدي إلى نسيان الذنوب وإرجاء التوبة, و يؤدي إلى الغرور والكبر على الناس.
وإذا اجتمع الكبر والعجب, فإنهما يسلبان الفضائل، ويكسبان الرذائل[3]
والعجب سبب من أسباب الهلاك, لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” … ثلاث مهلكات : هوى متبع، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه .”[4]
والخيلاء في الباطل سلوك مذموم. ولقد نبه سيدنا لقمان ابنه من الخيلاء وأمره بالتواضع .
قال تعالى : وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18-لقمان).
والإنسان لا يجب أن تجاوز قدره. ففي تكبره يكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق, ويكون قد اكتسب أرذل الأخلاق.[5]
قال تعالى : ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) الإسراء : 37 )
و قد رأى ابن عمر رجلا يخطر في مشيته فقال : إن للشياطين إخوانا[6]
ولقد أصاب بعض الصحابة العجب في غزوة حنين, حيث قال أحدهم : لن نغلب اليوم من قلة. والظفر لا يكون بالكثرة .
قال الله عز وجل: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا: وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِين. َ(أي منهزمين(
ولما وصَل المسلمون يوم حنين إلى الوادي , فاجأهم هجوم هوازن الذين كَمَنوا لهم في هذا الوادي، فأرعبهم وطيس المعركة, فاندحروا وتفرَّقوا راجعين لا يلوُون على شيء.
وانحاز النَّبي صلى الله عليه وسلم ذات اليمين وقال: ((أين أنتم أيها الناس؟ هلموا إليَّ، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبدالله)).
وبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم نفرٌ قليل من المهاجرين والأنصار . ثمَّ سمع الناس نداءَ رسول الله فعطفوا ورجعوا وثبتوا معه، ودارت رحى مَعركة عنيفة في هذا الوادي.
ويروي العباس رضي الله عنه : “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخد حصيات، فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: ( إنهزموا ورب محمد ) قال : فذهبت أنظر، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلاً، وأمرهم مدبرًا – يعني قوتهم ضعيفة، وأمرهم في تراجع وهزيمة – وكان النصر فيها للمسلمين”[7]
فأزل الله قوله الحق على رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)التوبة
وقد ذكر الله عز وجل في محكم كتابه قصة صاحب الجنة الذي اغتر بها : (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36))
وبتطاوله في كلامه, أنزل الله على جنته صاعقة من السماء اقتلعت أشجارها، وأتلفت ثمارها، وأغرقت زرعها، وزال نفعها.
قال تعالى : وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42))
وكذلك الأمر بقارون عندما اغترَّ بكنوزِه وسلطانه وقال : ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ) .
قال القرطبي في تفسيره : لولا رضا الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني هذا. قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا) [8] ( القصص (81)
وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث الرجل الذي أعجبته نفسه وكان به ما كان.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بينما رجل يتبختر. يمشي في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض. فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة“[9]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من الغيرة ما يحب الله- عز وجل- ومنها ما يبغض الله- عز وجل- ومن الخيلاء ما يحب الله- عز وجل- ومنها ما يبغض الله- عز وجل- فأما الغيرة التي يحب الله- عز وجل- فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله- عز وجل- فالغيرة في غير ريبة، والاختيال الذي يحب الله- عز وجل- اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعندالصدقة، والاختيال الذي يبغض الله عز وجل الخيلاء في الباطل.[10]
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.[11]
وعن أنس ابن مالك رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو لم تكونوا تذنبون لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب.[12]
وعن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم (المائدة- 105)
قال: أما والله لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل ائتمروا بمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك- يعني بنفسك- ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيه , مثل قبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله.[13]
ويقول الغزالي : الإدلال وراء العجب، فلا مدل إلا وهو معجب، ورب معجب لا يدل، إذ العجب يحصل بالاستعظام ونسيان النعمة دون توقع جزاء عليه، والإدلال لا يتم إلا مع توقع جزاء، فإن توقع إنسان إجابة دعوته، واستنكر ردها بباطنه وتعجب منه كان مدلا بعمله، لأنه لا يتعجب من رد دعاء الفاسق، ويتعجب من رد دعاء نفسه، وكلاهما أي العجب والإدلال من مقدمات الكبر وأسبابه[14].
ومر بالحسن البصري رحمه الله شاب عليه بزة له حسنة فدعاه فقال له: ابن آدم معجب بشبابه محب لشمائله.
كأن القبر قد وارى بدنك وكأنك قد لاقيت عملك. ويحك، داو قلبك فإن مراد الله من العباد صلاح قلوبهم. [15]
وقال الماوردي- رحمه الله-: “الكبر والإعجاب يسلبان الفضائل، ويكسبان الرذائل وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنصح، ولا قبول لتأديب، لأن الكبر يكون بالمنزلة، والعجب يكون بالفضيلة، فالمتكبر يجل نفسه عن رتبة المتعلمين، والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدبين”[16]
ومن علامة المنافق أن يحب المدح بما ليس فيه، ويكره الذم بما فيه، ويبغض من يبصره بعيوبه”[17]
وقد يصيب العالم أو طالب العلم بعض من العجب :
قال الذهبي – رحمه الله :ينبغي للعالمِ أنْ يتكلمَ بنية وحُسن قصدٍ ، فإن أعجبهُ كلامهُ فليصمت ، فإن أعجبه الصمت فلينطق ،و لا يفتر عن محاسبةِ نفسهِ فإنها تحبُ الظهورَ و الثناء.[18]
وقال الإمام النووي -رحمه الله : وطريقةٌ في نفى الإعجاب أن يعلمَ أن العلم فضل من الله تعالى، ومنّة عارية، فإن لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فينبغي ألا يُعجبَ بشيء لم يخترعه، وليس مالكًا له، ولا على يقين من دوامه.[19]
—————————-
:المراجع
[1] بهجة المجالس وأنس المجالس ابن عبد البر
[2] إحياء علوم الدين 3/369
[3] المستطرف في كل فن مستظرف – شهاب الدين الأبشيهي 148
[4] رواه البزار والبيهقي وصححه الألباني
[5] تفسير السعدي
[6] تفسير ابن كثير
[7] تفسير القرطبي
[8] تفسير القرطبي
[9] صحيح مسلم 3902
[10] نيل الأوطار الشوكاني – 3315(رواه أحمد و أبوداود والنسائي)
[11] مسند أبي يعلى الموصلي-1568
[12] شعب الإيمان البيهقي
[13] رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة
[14] إحياء علوم الدين 3/371
[15] إحياء علوم الدين 3/359
[16] أدب الدين والدنيا الماوردي 231
[17] الفضيل ابن عياض
[18] سير النبلاء 4/494
.[19] المجموع شرح المهذب النووي 1/55