المسلمون ووباء كورونا : فلنأخذ العبرة من الأزمات التي تصيب الأمة الإسلامية
محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
في سياق ما يعيشه العالم جراء وباء كورونا, نسوق لكم بعض ما جاء من أخبار طاعون عمواس الذي أصاب المسلمين في الشام, سنة سبع عشرة من الهجرة، وقيل سنة ثمانية عشر من الهجرة:
لقد توجه سيدنا عمر رضي الله عنه إلى الشام لحرب الروم، ولما وصل إلى أطراف الشام, بلغه أن الطاعون قد وقع في الشام -يعني الوباء الخبيث-. فتوقف واستشار الناس في ذلك هل يرجع أو لا يرجع؟ , فاستشار المهاجرين رضي الله عنهم بالأمر فانقسموا، منهم من قال نرجع، ومنهم من قال لا نرجع، ثم دعا الأنصار الذين معه فاختلفوا كاختلاف المهاجرين، ثم دعا بقية الصحابة الذين أسلموا عام الفتح فاستشارهم فأجمع رأيهم على الرجوع, وألا يقدم الناس على هذا الوباء. وجاءه أبو عبيدة بن الجراح أمير الجيوش في الشام , فقال: “يا أمير المؤمنين أفرارًا من قدر الله؟” فقال عمر: “لو غيرك قالها يا أبا عبيدة” -يعني لكان أسهل- ثم قال عمر رضي الله عنه نعم :”نفر من قدر الله إلى قدر الله، نفر من قدر الله الذي هو الوباء إلى قدر الله الذي هو السلامة وهو طريق السلامة، ثم قال أضرب لك مثلًا: إن هبط واديًا له شعبتان -له جانبان- جانب مخصب وجانب مجدب، فرعيت إبلك في الجانب المخصب أليس هذا من قدر الله؟ وإن رعيتها في الجانب المجدب أليس هذا من قدر الله؟! وعليك أن ترعيها في الجانب المخصب، ما هو في الجانب المجدب، وكله من قدر الله”، فبينما هو كذلك, إذ جاء عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ، ” فَقَال: إنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: “إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ، فلاَ تَقْدمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ”, فَحَمِدَ اللَّه تَعَالى عُمَرُ رضي الله عنه وَانْصَرَفَ.
ولقد حل الوباء بجيوش المسلمين بالشام, فهلك منهم الكثير , وكان أبو عبيدة الجراح أمير الجند هناك ، فخشي عليه عمر من الطاعون ، فكتب إليه يريد أن يخلصه منه قائلا : “إذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح إلا متوجها إلي ، وإذا وصلك في الصباح ألا تمسي إلا متوجها إلي ، فإن لي حاجة إليك” ، وفَهِمَ أبو عبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وأنه يريد أن ينقذه من الطاعون ، فكتب إلى عمر رضي الله عنه متأدباً معتذراً عن عدم الحضور إليه وقال : ” لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك ، وإنما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم ، فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين “. ولما وصل الخطاب إلى عمر, بكى ، فسأله من حوله : “هل مات أبو عبيدة ؟” فقال : “كأن قد” ، والمعنى : أنه صائر إلى الموت لا محالة ، إذ لا خلاص من الطاعون .
وتحدث الناس عندما أصابهم هذا الوباء، أنه غضب من الله على المسلمين، فقام أبو عبيدة، وقال لهم: “أيها الناس إن هذا الوجع رحمة بكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين من قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه”، فاستجاب الله لأمين الأمة, فتوفي متأثراً بالمرض.
وكان أبو عبيـدة رضي الله عنه في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا . ومات أبو عبيـدة رضي الله عنه, وعمره 58 , في العام 584 م, سنة ثماني عشرة للهجرة ، في طاعون عمواس ، وقيل أن قبره في غور الأردن, ومات في هذا الوباء أيضًا معاذ بن جبل رضي الله عنه , وجماعة من المسلمين رضي الله عنهم أجمعين.
وقد ذكر ابن الأثير في الكامل في التاريخ, أنه حين أصاب المسلمين طاعون عمواس، خرج بهم عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى الجبال، وقسمهم إلى مجموعات، ومنع اختلاطها ببعض وظلت المجموعات في الجبال فترة من الزمن، حتى استشهد المصابون جميعاً، وعاد بالباقي إلى المدن.
ولقد سقت لكم الحديث عن أبي عبدة الجراح لنأخد العبرة من الأزمات التي تصيب الأمة في هذه الأيام, حيث ضرب لنا صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أروعَ النماذج من الصبر والثبات في الأزمات، وحقَّقوا في ذلك أعلى مراتب الإيمان بقضاء الله وقدره، كما في قوله عز وجل :قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)التوبة , وقوله تبارك وتعالى : أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ النساء, وقوله عز وجل﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [الرعد: 38], وقوله عليه الصلاة والسلام: “وأن تؤمن بالقَدَر خيره وشره“.
وعن أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ“ (رواه البخاري ومسلم). والفرار من البلد الذي به الطاعون حرام، لأنه فرار من قدر الله.
والمنع من دخول المناطق الموبوءة بالطاعون والخروج منها, هو ما يسمى في عصرنا الحالي: ” الحجر الصحي “. أما الحكمة منه, هو الحرص على عدم انتشار العدوى في البلاد غير الموبوءة. وحمل النفوس على الثقة بالله، والتوكل عليه، والصبر والرضا بقضاء الله وقدره .
وقد أجاز العلماء الخروج بقصد التداوي. وقال ابن عبد البر في “التمهيد” (21/183) :”وفي ذلك إباحة الخروج ذلك الوقت ، من موضع الطاعون ، للسفر المعتاد ، إذا لم يكن القصد الفرار من الطاعون“. وقد يكون السفر من البلد الذي به وباء للعودة إلى العمل, فهذا جائز باتفاق العلماء ، لأنه سفر مرتب قبل ذلك.
و جاء في بعض الأحاديث استواء شهيد الطاعون وشهيد المعركة, فقد أخرج أحمد بسند حسن عن عتبة بن عبد السلمي رفعه ” يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون، فيقول أصحاب الطاعون: نحن الشهداء، فيقال: انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دماً وريحها كريح المسك فهم شهداء، فيجدونهم كذلك ”
وأخرج البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها, أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها بقوله: “أنه كان عذاباً يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد .“
ويُفهم من سياق هذا الحديث أن حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون مقيد بما يلي: أن يمكث صابراً غير منزعج بالمكان الذي يقع به الطاعون فلا يخرج فراراً منه, وأن يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له.
وصون النفوس والأجسام والمنافع والأعضاء والأموال والأعراض عن الأسباب المفسدة واجب. وفي الحديث:” فر من المجذوم فرارك من الأسد “. فالإنسان مأمور بالبعد عن أسباب الهلاك، لقوله تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] , وأن يأخذ بالأسباب التي شرعها الله له, وما كتب الله ماض ونافذ لا حيلة له فيه.
وعن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يُورِدَنّ ممرض على مصح“
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اتخاذ أسباب الوقاية من العدوى، في قوله: ” غطوا الإناء و أوكئوا السقاء, فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء, لا يمر بإناء ليس عليه غطاء, أو سقاء ليس عليه وكاء, إلا نزل فيه من ذلك الوباء ” (رواه مسلم)
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال: “كان رسول الله إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه”. رواه أبو داود
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ﷺ إذا أراد أن يأكل أو يشرب غسل يديه، ثم يأكل أو يشرب. رواه النسائي
ويستدل من هذه الأحاديث, وجوب أخذ الحذر حين ينزل الوباء أو قبل نزوله. ووسائل الوقاية متعددة نذكر منها : ضرورة العناية بالنظافة الشخصية وغسل اليدين, ووضع اليد أو الكمامة في حالة العطس أو السعال, وتغطية الأطعمة، والتداوي، وغسل الخضار والفواكه، والطهي الجيد للطعام، وغلي ماء الشرب، والحجر الصحي على المصابين.
وسنذكر فيما يلي بعض أعراض وباء كورونا, حفظنا الله وإياكم, منه ومن كل بأس : حمى وصداع في الرأس, التهاب في الحنجرة ,ثم سعال جاف بعد يومين, ثم التهاب رئوي يسبب حمى شديدة فوق 38 درجة, وضيق في التنفس, والشعور بالإرهاق. فيجب على المصاب الذي تظهر عليه هذه الأعراض، , أن يتجنب الإختلاط بالناس وأن يلبس الكمامة, وأن يتصل فورا بأرقب مركز صحي لإجراء الفحوصات الضرورية, للتأكد من حالته .
ومضاعفات وباء كورونا , تخص الأشخاص الذين لهم ضعف في المناعة, لذا يجب اتباع تغدية سليمة غنية بالخضار والفواكه, وممراسة الرياضة, لتقوية المناعة.
وينصح بعض المتخصصين الغربيين, بأن يتناول المصاب, مشروبات ساخنة مثل الشاي أو الحساء, والابتعاد عن المشروبات الباردة. ويجب شرب الماء بشكل متكرر ولو بجرعات صغيرة لكي لا تترك حلقك جافًا تمامًا, ولطرد الفيروس من الحلق إلى المعدة, حيث يتم التخلص منه بواسطة, حمض المعدة.
ونحن المسلمون, والحمد لله ديننا يحثنا على النظافة وغسل اليدين بانتظام، وتغطية الفم والأنف عند السعال والعطس، بالإضافة إلى تجنب مخالطة أي شخص تبدو عليه أعراض الإصابة بمرض تنفسي، مثل السعال والعطس, لأن الفيروس ينتقل بالمصافحة وعبر رذاذ من إفرازات العطس والسعال. وليتزم المريض بارتداء الكمامة، لكيلا ينقل العدوى للآخرين, وهذا خلاصة كل شيء في شأن الوقاية.
فليكن يقيننا في الله عز وجل, ولنحمد لله لمعافاتنا مما ابتلاهم به. ويجب أن لا نستسلم للذعر والخوف : فممن نخاف…الخوف من الله وحده, والهروب لله وحده … ولنتضرع لله بوقايتنا وحفظنا وحفظ بلاد المسلمين من هذا الوباء.
وليكن آخر كلامنا دعاء ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (اللهم اني أعوذ بك من البَرَص والجُنُون والجُذام ومِن سَيِّء الأَسْقام). رواه أبو داود
أقول قولي هذا واستغفر الله ولكم, والحمد لله رب العالمين. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين آمين
———————-
المراجع :
مقال تحت عنوان : الهدي النبوي في التعامل مع الطاعون والفرق بينه وبين الوباء الجماعي – د. خير الله الشريف
- موقع منظمة الصحة العالمية