4- تعريف النفس : جمعه محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
النفس هي الروح, وهي ذاة الإنسان وهي الهالة التي تحيط بالجسم وتلتصق به ولا تغادره إلا أثناء النوم وعند الموت.
في تعريفه للنفس, قال الجرجاني: “النَّفْس هي الجوهر البخاريُّ اللطيف، الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية، وسماها الحكيم: الروح الحيوانية، فهو جوهرٌ مشرق للبدن، فعند الموت ينقطع ضوؤه عن ظاهر البدن وباطنه، وأما في وقت النوم، فينقطع عن ظاهر البدن دون باطنه”[1]
قال الله عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الزمر: 42(.
والنفس تنسب إلى صاحبها, لقوله: وما أصابك من سيئة فمن نفسك (79 – النساء(.
والنفس هي الملهمة تارة بالفجور, وأخرى بالتقوى, لقوله تعالى : ونفس و ما سواها، فألهمها فجورها و تقواها (7،8- الشمس).
والإنسان مخلوق مشتمل على نقطة ضعف, هي حب الشهوات, ونسيان العهد, ونسيان الهدى والكفر بآيات الله.
وهو مخلوق ذو طبيعة مزدوجة, فيه القدرة على الارتفاع إلى أقصى المدى, والقدرة على الهبوط إلى الحضيض.[2]
فتعرف النفس البشرية درجات تختلف بين الشدة واللطف, بين اللهفة والتمهل, بين الغلط والرقة, بين العتامة والصفاء…[3]
وقال الإمام جعفر الصادق:”النفس هي مأوى كل حسنة وسيئة “
وقال الشيخ أحمد بن عجيبة : النفس عند القوم : عبارة عن ما يذم من أفعال العبد وأخلاقه .
فالأول : ما كان من كسب العبد كمعاصيه ومخالفته .
والثاني : ما كان من طبيعته ، كالكبر والحسد والغضب وسوء الخلق وقلة الاحتمال ، وغير ذلك من الأخلاق الذميمة ينسب للنفس أدبا مع الحق .[4]
والنفس ستحاسب يوم القيامة لقوله عز وجل : الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) غافر: 17(
ولقد امتحن الله سبحانه الإنسان بالنفس الأمارة ، وبالنفس الوامة, كما أكرمه بالنفس المطمئنة. فهي نفس واحدة, ولكن تعددت باعتبار تعدد صفاتها فتكون أمارة, ثم لوامة, ثم مطمئنة, وهي غاية كمالها.
أولا – النفس الأمارة بالسوء :
قال تعالى : وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ. (يوسف-53)
قال الحكيم الترمذي : “النفس الأمارة بالسوء هي النفس السيئة التي طبعت على الغفلة والشك والشرك والرغبة والرهبة والشهوة والغضب ، فهي نافرة ناشزة كارهة … وتركن إلى الشهوات ، وتفرح بالمطالب والراحات فرحاً يظل يجري في العروق كما يجري السم حتى يميت القلب.”
وقال ابن قيم الجوزية :” وأما النفس الأمارة, جعل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها, فهو يعدها ويمنيها, يقذف فيها الباطل, ويزينه لها, ويطيل لها في الأمل, ويريها الباطل في صورة تقبلها وتستحسنها, ويمدها بأنواع الإمداد الباطل من الأماني الكاذبة والشهوات المهلكة. ويستعين عليها بهواها وإرادتها…”[5]
وقال الشيخ الجنيد البغدادي: “النفس الأمارة : هي النفس الجاهلة . وقال أيضا : النفس الأمارة بالسوء : هي الداعية إلى المهالك ، والمعينة للأعداء ، والمتبعة للأهواء ، المغموسة في البلاء ، المتهمة بأصناف الأسواء” .[6]
وقال الشيخ عبد الله الخضري: ووجه تسميتها أمارة: أنها تأمر صاحبها بالسوء ، وصاحبها في يدها كالعبد في يد سيده .”[7]
وقال أحد العارفين :”أن النفس الأمارة بالسوء لها سبعة رؤوس : الشهوة والغضب والكبر والحسد, والبخل والحرص والرياء. فرأس الشهوة: يقطع بالرياضة، والإقلال من مشاركة البهائم في الأكل والشرب ورأس الغضب: يقطع بالحلم . ورأس الكبر: يقطع بالتواضع. ورأس الحسد يقطع : باعتقاد أن الملك الله وأن الناس عبيده فيهب لمن يشاء من عبيده ما يشاء من ملكه: أما بطريق أنه أعلم بمصلحة كل واحد منهم، أو بطريق أنه يتصرف في ملكه كما يشاء ويختار.
“ورأس البخل والحرص: يقطع بعز القناعة وبالنظر الصحيح في أن البخيل الحريص يلقي نفسه في الأمور الخبيثة الدنيئة ، ويعرض عرضه للذم ونفسه للكد والتعب والهوان مدة عمره ، ويكابد مشقة الجمع والتحصيل ويفوت على نفسه الانتفاء بما رزقه الله تعالى ، ثم يموت وينتفي بذلك غيره ويبقى عليه وزره وحسابه.ورأس الرياء: يقطع بالإخلاص الذي يثمر أنواع الخيرات والبركات الدينية والدنيوية.”
ثانيا – النفس اللوامة :
ومن رحمة الله, أن النفس ترتقي إلى حالة تعود فيها إلى فطرتها النقيَّة، وهي النفس اللوامة.
إن الله أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوّامة، في قوله عز وجل : لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة– 2)
قال الإمام القشيري: النفس اللوامة هي النفس التي تلوم صاحبها ، وتعرف نقصان حالها.
وقال مجاهد : “هي التي تندم على ما فات وتلوم عليه”.[8]
وقال الشيخ ابن عطاء الله السكندري: النفس اللوامة هي التي تنورت بنور القلب تنوراً ما ، قدر ما تنبهت به عن سنة الغفلة ، فتيقظت وبدأت بإصلاح حالها مترددة بين جهتي الربوبية والخلقية ، وكلما صدر منها سيئة بحكم جبلتها الظلمانية وسجيتها ، وتداركها نور التنبيه الإلهي فأخذت تلوم نفسها ، وتتوب عنها مستغفرة راجعة إلى باب الغفار الرحيم[9]
وهي أعلى درجات النفس، فهي التي اطمأنت وسكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره، ورضيت بقضائه وقدره، وتوكَّلت عليه وذاقت حلاوة الإيمان, و اطمئنت إلى محبة الله ولقائه.
قال الإمام ابن قيم الجوزية : “الملك قرين النفس المطمئنة, والشيطان قرين الأمارة”[10]
قال الشيخ كمال الدين: النفس المطمئنة هي التي صارت مطمئنة على المداومة على الطاعات، بحيث لا تجد ميلاً إلى تركها ولا طلباً لشيء من المعاصي، وهي المشار إليها بقوله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً. فَادْخُلِي فِي عِبَادِي. وَادْخُلِي جَنَّتِي (الفجر-27 إلى30).
————————
– المراجع:
[1] التعريفات – علي من محمد الجرجاني
[2] دراسات في النقس الإنسانية – السيد قطب ص33,34
[3] دراسات في النقس الإنسانية – السيد قطب ص49
[4] إيقاظ الهمم شرح متن الحكم – ابن عجيبة
[5] الروح- ابن قيم الجوزية ص642-643
[6] المفاخر العلية في المآثر الشادلية – أحمد بن محمدالمحلي الشافعي
[7] نفس المرجع
[8] نفس المرجع
[9] نفس المرجع
[10] الروح-643