خطبة الجمعة:
– تعامل النبي صلى الله عليه و سلم مع الموهوبين
– لفضيلة الشيخ د.محمد العريفي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَل عن الشبيه والمثيل والكُفءِ والنظير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيُهُ وخَليله، وخيرتُه من خلقه وأمينُه على وحيه،أرسلَهُ ربه رحمةً للعالمين، وحُجةً على العباد أجمعين، فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغُرِّ الميامين ما اتصلتْ عين بنظر، ووعتْ أذن بخبر وسلم تسليما كثيرا…
أما بعد أيُّها الإخوة المؤمنون :خلقَ الله تعالى الخلق وجعلهم يَتفاوتون .. يتفاوتون في أرزاقهم .. ويتفاوتون في ذكائهم وعقولهم .. ويتفاوتون في أشْكالهم وأطوارِهم .. ويتفاوتون في أنسابهم .. ويتفاوتون في هِممهم ..كما بَيَّنَ الله جل وعلا ذلك .. لما قال سبحانه [نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ] .. ولقد جعل الله فريقا من هؤلاء الخلق في ذَكاءٍ وهمةٍ عالية وعقولٍ مُدركه .. فجعلهم -كما نسميهم اليوم- موهوبين أو جعلهم أذكياء أو جعلهم مُبدعين ..أو جعلهم مخترعين .. أو جعلهم عَباقرة .. أو جعلهم ما شابه ذلك .. من الألفاظ التي تدل على مُسمىً واحد وهو أن يكون متميزاً بعقله وإدراكه على غيره .
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بأمثال هؤلاء من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم .. يهتم بهم أكثرَ مما يهتم بغيرهم .. فإذا كان أحد الصحابة موهوباً في عقله وإدراكه وهمته وجدتَ أنه عليه الصلاة والسلام يهتم به ويُعطيه من الوقت والجُهد أكثر مما يُعطيه لغيره .. كما لازم أبو هريرة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم .. وكما لازم قبله أبو بكر وعمرُ وعثمان وعلي وخيار الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم ..
ونحن اليوم أيهاالإخوة الكرام .. ربما نظرنا في طريقة تعامل الغَرب مع الموهوبين من خلال بعض المؤسسات التعليمية أو من خلال بعض البرامج التي في مدارسهم وفي إعلامهم وفي غير ذلك ..
فوجدنا أن عدداً لا بأس به منهم يستفيدون من هؤلاء الموهوبين بل أحياناً إذا جاء إليهم موهوبٌ عربي مسلم استفادوا منه وأغْرَوه وأعطوه الجنسية والمالَ الكثير ؛ لأجل أن يتجنس بجنسيتهم و أن ينتسبَ إلى بلدهم ثم بعد ذلك يَعدُّونَهُ منهم .. فينبغي علينا نحن أن نتنبه لمثل ذلك.
كيف نكتشف الموهوب .. إن كنتُ مدرساً أو كنت أباً أو كنت أخاً أو كنت معلماً في حلقة تحفيظ أو كنت في غير ذلك .. كيف إذا وجدتُ موهوباً كيف اكتشفه ثم كيف أُنميهِ لأجل أن تستفيد منه الأمة.
كان النبي صلى الله عليه وسلم له منهج في اكتشاف الموهوبين .. فالموهوب عادةً يكون دقيقُ الملاحظةِ كَثيرُ السؤال , ومن ذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه قال يا رسول الله .. مَنْ أسعدُ الناسِ بشفاعتك يوم القيامة .. وكان أبو هريرة كثيرَ الأسئلة، فقال عليه الصلاة والسلام له .. لقد ظننت ألا يسألني هذا السؤالَ أحدٌ قبلك يا أبا هريرة .. لِما رأيتُ من حرصك على العلم ..
يقول أنا توقعتُ ألا يسألني هذا السؤال أحد قبلك لأن أسئلتك حسنة جيدة مُتكررة .. ثم قال له عليه الصلاة والسلام : ( أسعدُ الناسِ بشفاعتي يوم القيامة .. من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ).
وفي موقفٍ آخر .. قال أبو هريرة للنبي عليه الصلاة والسلام يا رسول الله .. أرأيت سُكوتَك بين التكبير والقراءة .. ما تقول !!
يقول أنت يا رسول الله إذا كَبَّرت للإحرام سكتَ سكتةً يَسيرة قبلَ أن تَقرأ الفاتحةَ جَهراً .. فماذا تقول خلال هذه السكتة .. انظر إلى كَثرةِ الأسئلة ودِقة الملاحظة.. فلم ينْهرهُ النبي عليه الصلاة والسلام .. ولم يقل له أكثرت علي المسائل .. أسئلتك كثيرة .. لا تدع شيئاً إلا تسأل عنه .. كلا .. بل إنه شَجَّعه عليه الصلاة والسلام .. وأخبره أنه يقرأ دعاء الاستفتاح .. ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب .. إلى آخر الدعاء )
كذلك من الموهوبين في عصره عليه الصلاة والسلام عائشة رضي الله عنها ، وكانت دقيقة الملاحظة ، كَثيرة السُّؤال قرأ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قوله تعالى ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ) فقالت عائشة: يا رسول الله إذا بُدلت الأرض غيرَ الأرض فأين يكون الناس؟؟ فقال عليه الصلاة والسلام:( هم في الظُّلمَة دون الجسر) ، بَين لها عليه الصلاة والسلام مراتب الحساب ، وفي يوم آخر قال عليه الصلاة والسلام وهو يتحدث مع عائشة رضي الله عنها عن اليوم الآخر: ( من نُوقِشَ الحساب هَلك ) فقالت عائشة: يا رسول الله إني سمعت الله تعالى يقول (فَسَوْف يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) وأنت تقول الذي يُحاسب يَهْلك!! فقال عليه الصلاة والسلام : ( يا عائشةُ إنما ذلك العَرْض ) يُحاسب حساباً يسيرا (أن تُعرض عليه صَحائف أعماله) فيقال له: نمت في اليوم الفلاني عن الصلاة وفعلت في يوم كذا ، واغتبت ،، تُعرض عليه الأعمال دون أن يُطلب منه جواب أو نقاش ، مجرد تُعْرضُ عليه أعماله ، قال ذلك العَرْض، لكن من نُوقِشَ الحساب هلك ، أو قال: ( عُذِّب ) يعني لو قيل له لِـمَ فعلت ذلك ، ومالذي دفعك إليه؟؟ ألم تكن تعلم الآيات والأحاديث التي تحرم ذلك؟ ألم يأتكم رسلي ويخوفونكم من فعله، وهكذا ( من نوقش الحساب ففد هلك ).
وفي موقف آخر جلس عليه الصلاة والسلام مع عائشة فإذا بها رضي الله عنها تقول: يا رسول الله جاءتني امرأةٌ عجوز من اليهود فلما جاءت حدثتني أننا نُعذب في قُبورنا ، فتسأل، يا رسول الله هل هناك عذاب قبر ؟ وبدأت تَسْتفسر منه عدداً من الأسئلة في ذلك ، ولاشك أن هذا أيها الأفاضل يدل على مَوهبة عندها .
كما يدل على مَوهبة عند أبي هريرة رضي الله عنه .
أيضاً من صفات الموهوب أنك عندما تختبره وتسأله تجد جوابه حاضراً ، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يُجري لأصحابه هذه الاختبارات ، ينظر في معلوماتهم ، في فِقههم ، في مقدار ذكائهم ، فكان أحياناً يختبر ذكائهم ، كما في حديث ابن عمر في الصحيح أنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لنا: ( أخبروني عن شجرة من الشجر مَثَلُها كمثل المؤمن ) ، ثم قال لهم مُقرِباً للجواب ( لا يَتَحاتُّ ورقُها ) يقول: عبد الله بن عمر فوقعَ الناسُ في شجر البوادي ، ووقع في نفسي أنها النخلة، لكنني استحييت أن أجيب وفي القوم أبو بكر وعمر ، وكبار الصحابة، يقول فلما لم يجب أحد ، قال عليه الصلاة والسلام ( هي النَّخْلَةُ ) قال: فلما خرجنا قلت لأبي والله يا أبي لقد وقع في نفسي أنها النخلة ، لكني استحييت ، فقال له أبوه ـــ انظر للتشجيع أيضاً للموهوب ـــ قال ( والله يا بني لو كنت قلتَها لهو أحبُ إلي من كذا وكذا.. ).
وكان عليه الصلاة والسلام يُجري لأصحابه اختباراً تحصيلياً ، ينظر لمعلوماتهم، كان عليه الصلاة والسلام يمدح أُبَيَّ بن كعب رضي الله عنه فكان يقول كما عند الترمذي ( وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ) وقال عليه الصلاة والسلام يوماً لأُبي:( يا أُبي أتدري أيُّ آيةٍ في كتاب الله معك أعظم؟ ).
فقال أُبَيُّ تأدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله ورسوله أعلم ، قال: ( أجب )، النبي عليه السلام يعلم أن في قلبه جواباً، لكنه قدم بهذا الكلام تأدباً، فقال أُبي ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) فلما قال ذلك ضَرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده في صدره ، ثم قال صلوات ربي وسلامهُ عليه ( لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ، لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ )فَرِح النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه وُجِد من أصحابه مَنْ يحفظ القرآن ، ومَن يُتقن تلاوته ، ومن يَعرف معانيه، ومن يَقتبس أيضاً ، ويعرف القرآنَ وأحكامه، وفضائله، قال: (لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ)ِ.
أيُّها الأحبةُ الكرام: لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو جميع الناس إلى أن يكونوا موهوبين ولم يكن فقط يدعو إلى أن يكون آحادهم ، ألم تسمع إلى قوله عليه الصلاة والسلام:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ ) يريد منا أن نُتقِن أعمالنا ، لتكُن موهوباً لو أنك أصلحت سيارتك ، أو أَلَّفْتَ كتاباً ، أو صَلَّيْتَ بالناس، أو خطبت جمعةً، أو أذَّنتَ ،أو علَّمتَ، لتكن موهوباً متقناً .
وقال عليه الصلاة والسلام في أدق الأمور قال: ( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) ، حتى الذي يذبح الذبائح ، الخراف أو الإبل وما شابه قال ينبغي أن يكون موهوباً متقناً لعمله لا يُعذِّب هذه الذبيحة (ماذا يفعل يا رسول الله ؟!) قال:( وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ،فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )، بل حَذَّرَ النبي صلوات ربي وسلامه عليه من أن يكون المرءُ موهوباً في شيء ثم يُفرِّط في ذلك ، لنفرض أن إنساناً فتح الله له في العلم ، ثم فرَّط واشتغل بغيره ، أو فتح الله له في علم من العلوم التجريبية من كيمياء أو فيزياء أو حاسب آلي أو غير ذلك ففرط واشتغل بغيره ، أو فتح الله له بالإصلاح بين الناس وصار عنده قُدرة على الحوار والنقاش والإقناع ، ففرط في هذه المهارة وأهملها واشتغل بغيرها
فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك فقال عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم : ( مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَقَدْ عَصَى ) وفي رواية ( فَلَيْسَ مِنَّا ) وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان كلما كان أكثر إتقاناً لعمله كان أحب إلى الله ألم تسمع لقوله عليه السلام : ( الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ ) . أي أجر التلاوة وأجر التعب ، لكن الماهر بالقرآن ، الذي نمى هذه الموهبة وأتقن وحسّن صوته بالقرآن قال: هذا يكون مع السفرة الكرام البررة أي مع الملائكة.
فلَمَّا يسمع هذا الحديث مَن كان يتعتع بالقرآن لاشك أنه سيحرص على أنه ينمي هذه الموهبة ،ويحرص أيضاً من كان معلماً له على أن يُنميّه .
أيُّها الأحبة الكرام: إن هذه الأمة أمة رائدة ،فنحن إذا لم نهتم بمن تحت أيدينا فربما استفاد منهم غيرهم ، وربما صار جهدهم وعقلهم في أنواع من الإفساد أو ربما تبناهم غيرهم .
بالأمس أقرأ في إحدى الجرائد أن طفلةً بنت أحد المبتعثين في أمريكا تدرس في رابع ابتدائي في إحدى المدارس هناك ، وأبوها وأمها كلاهما مبتعث، وهي معهم وتدرس في مدرسة أمريكية ، وهذه الطفلة موهوبة وكان مدرساتها يثنين عليها في قدرتها على حل المسائل الصعبة وسرعة فهمها فأعطوها قبل يومين جائزة لأنها ألفت رواية عن ( مارثن لوثر ) هذا يا إخواني مجدد في الدين المسيحي وهو الذي تُنسب إليه اليوم فرقة البروتستانت ، تعلمون أن النصارى ثلاثة أقسام أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت ، فهي ألفت لهذا الذي تنتسب له فرقة البروتستانت رواية فأُعطيتْ جائزة على ذلك ، فنحن حقيقةً إذا لم نهتم بأولادنا الموهوبين في مدارسنا ، نحاول أن نستفيد منهم أن تستفيد الأمةُ منهم أن ننظر في مُيولهملأجل أن نُنشئ جيلاً كما أنشأ النبي عليه الصلاة والسلام ذلك الجيل فخرج منهم الفاتحون وخرج منهم أبو هريرة ، وخرج منهم القادة؛ لأنهم كانوا ملازمين للمُربي عليه الصلاة والسلام.
إذا نحن لم نهتم فربما صرنا كما قال الأول:
أضاعوني وأيُّ فتىً أضاعُوا **** ليوم كريهةٍ وسَداد ثَغر
أسأل الله جل في علاه أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يجعلنا جميعاً مُباركين أينما كنا ، أقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وخِلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين .
أما بعد ،، أيُّها الإخوة الكرام كان النبي صلوات ربي وسلامه عليه له منهج في اكتشاف هؤلاء الموهوبين ، من ذلك أحياناً الملاحظة والنظر كما أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج مرةً مع أبي بكر في أوائل الإسلام في مكة فمروا بغلامٍ يَرعى غنماً ، فقال له عليه الصلاة والسلام مُختبِراً اسقنا من هذا الغنم ، فقال الغلام إني مؤتمنٌ عليها ولا يحل لي أن أسقيكم ، فأُعجِبَ النبي صلى الله عليه وسلم بأمانته ولاحظ فهمَه فقال له أعطنا غنمةً لم يَنْزُ عليها الفحل ، أي أنها لم تحمل ليكون فيها لبن ، قال فجاءه بغنمةٍ منها فمسح النبي صلى الله عليه وسلم بيده على ضَرْعِها ودعا الله تعالى بكلمات فامتلأ الضرع باللبن وأتى أبو بكر رضي الله عنه بحوض أو بإناء فحَلبَ منه عليه الصلاة والسلام فشرب وشرب أبو بكر ، وشرب الغلام ، وكان الغلام هو عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه ، في أوائل الإسلام،
فأُعجب الغلام بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما فعل ، فقال علمني الكلام الذي قُلْتَه ، فنظر إليه النبي عليه الصلاة والسلام وكان يُلاحِظ تصرفه وكلامه ، فقال له عليه الصلاة والسلام ( إنك غلامٌ مُعلَّم ) أنت بفهمك وحرصك وذكائك وأمانتك وجرأتك أنت غلام مُعلَّم
يقول عبد الله ابن مسعود فكبرت وأسلمت قال فأخذت من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورةً لا يُنازعني فيها أحد،كما في مسند أحمد .
يقول حفظت من تلقين النبي صلى الله عليه وسلم لي سبعين سورة لم يكن معنا أحد ، هذا من ملاحظته له فنماه وشجعه.
ومن ذلك أيضاً “الفِراسة” أحياناً تنظر إلى بعض الناس وتتفرس فيه أنه ذكي فينبغي أن يُستثمر .
ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مرةً إلى الخَلاء فأقبل عبد الله بن عباس وكان غلاماً ،وأخذ إناءً ووضع فيه ماء وأقبل ووقف عند الخَلاء ينتظر ، فَهِم وعَلِم أن النبي عليه الصلاة والسلام بما أنه قد دخل الخلاء فإنه سيتوضأ و بالتالي بدل أن يخرج ويقول:اعطوني ماء للوضوء ، أنا أفهم بما أنه دخل الخلاء يعني سيحتاج إلى وضوء فأنا أحضر له الماء .
مثل بعض أبنائنا إذا كان ذكياً فرأى أباه مثلاً قد لبس ثوبه وغترته قفز ذلك الغلام الصغير وأحضر نعل أبيه ووضعه عند رجله ، يفهم مادام أنه لَبِس معناه بأنه سيلبس نَعْله كما جرت العادة ، فهذا يدل على ذكاء الولد،فلما رأى النبي عليه السلام الماء عند الخلاء قال:( مَنْ وضع هذا؟ ) فقالوا: عبد الله بن عباس ، فقال عليه الصلاة والسلام ( اللهم فَقِّهُّ في الدين وعَلِّمه التأويل ) متفق عليه.
بما أنه عنده هذا الذكاء وهذا الفهم وهذا التوقع لما سيحصل فحَرِيٌّ بهذا الفهم أن ينشغل بطلب العلم .. فأصبح بعد ذلك فقيهاً .
وفي موقف آخر خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه خارج المدينة ، فلما خرجوا حضر وقتُ الصلاة فأذنوا ، فكان هناك مجموعة من الكفار في مكانٍ قريب ، فسمعوا الأذان فجعلوا يُحَاكُونه أي يقلدون الأذان استهزاءً ، أحدهم اسمه أبو مَحْذُوره فأُعْجب النبي صلى الله عليه وسلم بصوته النَدي الحسن ، ورغب أن يكون هذا مؤمناً مؤذناً بدلاً من أن يكون مستهزئاً فأمر بهم فجئ بهم إليه فسأل قال مَن المؤذن؟
فقال أنا ، فناداه النبي عليه الصلاة والسلام ، ودعاه إلى الإسلام ، قال: ووضع النبي يده على صدري ، قال ثم جعل يمسح صدري حتى بلغ سُرّتي ، قال : ثم دعاني إلى الإسلام فأسلمت ، قال ثم قال: قل اللهُ أكبر اللهُ أكبر ، وجعل يُلَقِّنُه الأذان ، فأصبح أبو محذوره بعد ذلك مؤذناً في مكة خمسين سنة ، مُنذُ أن أسلم إلى أن مات لمدة خمسين سنة وهو مؤذن لأن النبي عليه الصلاة والسلام تفرّس فيه أن هذا قد ينفع الإسلام بموهبته.
أما كيف يمكن أن نصنع الموهوب ، وماهي الصفات التي عليها الموهوب وكيف يمكن أن نكون نحن في هؤلاء الموهوبين فهذا لعلنا أن نتكلم عنه في خُطبة أخرى .
أسأل الله تعالى أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قُرَّة أعْيُن ، أسأل الله تعالى أن يقر أعيننا بأزواجنا وذرياتنا ، وأسأل الله تعالى أن ينفعنا بأبناء المسلمين ، وأن يجعلنا خير مُربين لهم ، اللهم إنا نسألك أن تبارك في هذه الأمة يا حي يا قيوم ، اللهم بارك في أمتنا وبارك في ذرياتنا يا ذا الجلال والإكرام
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واخذل الشرك والمشركين ودمر أعدائك أعداء الدين ، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئنا وسائرَ بلاد المسلمين ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى اللهم وفقه لهُداك واجعل عمله في رضاك وسائرَ ولاة أمور المسلمين، يا حي يا قيوم ، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، الذين يجاهدون في سبيلك ويريدون أن يرفعوا رايتك يا حي يا قيوم ، اللهم انصرهم في كل أرض مِن أرضك يا حي يا قيوم ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين.. والحمد لله رب العالمين .
عن موقع الشيخ د.محمد العريفي