إن رحمة الله قريب من المحسنين
– إن رحمة الله قريب من المحسنين : سعة رحمة الله عز وجل بعباده
– بقلم محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
إن الله سبحانه وتعالى هو الرحمن الرحيم وهو أرحم الراحمين الذي وسعت رحمته كل شيء ،
وقد ذُكر اسمه تعالى: (الرحمن) في القرآن 57 مرة، أما اسمه (الرحيـــم) فذُكر 114 مرة.
الرحمن والرحيـــم اسمان مشتقان من الرحمة، والرحمة في اللغة: هي الرقة والتعطُّف، والرحمن أشد مبالغة من الرحيـــم.
الرحمن الرحيم: هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق, رحمة تشمل المؤمن والكافر في الدنيا ،وتخص عباده المؤمنين في الآخرة, لقوله تعالى: {..وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:43.
♦ قال الله عز وجل: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156].
♦ وقال تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحجر: 49].
♦ وقال تعالى: ﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 12].
♦ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ لله مائة رحمة، أنزل منها رَحمةً واحدة بين الجنِّ والإنس والبهائم والهوام، فبِها يتعاطفون، وبها يتراحَمون، وبها تعطف الوحشُ على ولدها، وأخَّر الله تسعًا وتسعين رحمة يَرحم بها عبادَه يوم القيامة))؛ رواه مسلم.
♦وإن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على خلقه بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى. قال تعالى :وَإِنْ تَعُدُّوا نعمة اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}النحل-18
. ورحمة الله بنا أن رزقنا السمع والأبصار والأفئدة وسخر لنا الكون بما فيه. لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} سورة البقرة آية 29.
قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنَ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة النحل آية 78 وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} سورة لقمان آية 20. ،وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} سورة يونس آية 67
{ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 4 سورة القصص آية 71-73.
قال تعالى: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ} 1، سورة إبراهيم آية 32 وقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً, لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً– سورة المؤمنون آية 18
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أن أرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل علينا كتابه وعصمنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبرحمته عرفنا من أسمائه وصفاته وأفعاله ما عرفنا به أنه ربنا ومولانا، وبرحمته علمنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالح ديننا ودنيانا، وبرحمته خلق الشمس والقمر، وجعل الليل والنهار، وبسط الأرض، وجعلها مهادًا وفراشًا، وقرارا، وكفاتًا للأحياء والأموات،
ومن رحمة الله على البشرية أن أنشأ السحاب وأمطر المطر بالقدر المطلوب، لا كثيرًا فيفسد الأرض والعمران ولا قليلًا فلا يكفي الزروع والثمار، و جعل في الأرض قابلية خزنه للاستفادة منه فيما بعد، وأخرج لنا الفواكه والأقوات والمرعى، وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان.
وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54].
والله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثا بل جعل لنا منهاجا في الحياة الدنيا وبين لنا من خلال القرآن العظيم و سنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم, الصراط المستقيم الذي لا نضل بعده , إذا اتبعنا أوامره واجتنبنا ما نهانا عنه.
لهذا يجب على المؤمن أن يبقى بين رجاء رحمة الله والخوف من عقابه ، فهو القائل : ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ، وأن عذابي هو العذاب الأليم ) الحجر / 49-50.
ولقد بين لنا الله أن التوبة النصوح تمحو ما قبلها لقوله عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. {التوبة:53}،
فالعبد إذا تاب من ذنوبه فإن الله تعالى يقبل توبته ويستر عليه في الدنيا والآخرة، وفوق ذلك فإنه سبحانه وتعالى يبدل سيئاته إلى حسنات قال الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. {70}-الفرقان، وقال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه وحسنه ابن حجر.
♦ وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدنو المؤمن (أي من ربه تعالى) حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه: تعرف ذنب كذا؟ يقول: أعرف، يقول: رب أعرف مرتين، فيقول: سترتها في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته، وأما الآخرون أو الكفار فينادى على رؤوس الأشهاد: هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. 18-هود
♦عن أبي موسى – رضي الله عنه , قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله – عز وجل – يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))؛ رواه مسلم.
وإﻥ ﺍﻟﻠﻪ – ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ – ﻳﻘﺒﻞ ﺗﻮﺑﺔ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺇﻥ ﺗﺄﺧﺮﺕ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﺑﺎﻟﺘﻮﺑﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ؛ لأﻥ الإﻧﺴﺎﻥ لا ﻳﺪﺭﻱ، ﻓﻘﺪ ﻳﻔاجئه ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻴﻤﻮﺕ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺏ؛ ﻓﺎﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ، ﻟﻜﻦ ﻣﻊ ﺫﻟﻚ ﻟﻮ ﺗﺄﺧﺮﺕ ﺗﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ عبده .
♦ أمَّا من رأى أنَّ ذنوبه أكبر من أن تُغفر، فلينظر إلى ما أخبرنا به نبيُّنا صلَّى الله عليه وسلم ؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَسرَف رجل على نَفسِه، فلمَّا حضرَه الموت أوصى بَنيه إذا مات فحرِّقوه، ثمَّ اذْرُوا نصفَه في البرِّ ونصفه في البَحر، فوالله لئن قدَر الله عليه ليعذبنَّه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين، فلمَّا مات فعَلوا ما أمرهم، فأمر الله البحرَ فجمع ما فيه، وأمر البرَّ فجمع ما فيه، ثمَّ قال له: لِمَ فعلتَ هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر له.))
♦وأما من اغتر بعمله ويظن أن عمله كاف لدخوله الجنة. ويعطي لنفسه الحق في لعن هذا وذاك وتكفير هذا وذاك، فعن أبي هُريْرة رضي اللَّه عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “قَارِبُوا وسدِّدُوا، واعْلَمُوا أَنَّه لَنْ ينْجُو أحدٌ منْكُمْ بعملهِ“
بمعنى أن العملَ سبب من أسبابِ دخولِ الجنةِ ؛ لكنه ليس الثمن لدخولها. فدخول الجنة يكون بالعمل و بتوفيق من اللهِ ورحمةٍ منه، فنحن ما وفقنا للعمل الصالح إلا برحمةٍ من اللهِ وفضله .
♦فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ رجلين كانا في بني إسرائيل متحابين؛ أحدهما مجتهد في العبادة، والآخر كأنَّه يقول: مذنب، فجعل يقول: أقصِر أقصر عمَّا أنتَ فيه، قال: فيقول: خلِّني وربِّي، قال: حتى وجده يومًا على ذنبٍ استعظمَه، فقال: أقصِر، فقال: خلِّني وربِّي، أبُعثتَ عليَّ رقيبًا؟! فقال: والله لا يَغفر الله لك أبدًا، ولا يُدخلك الله الجنةَ أبدًا، قال: فبعث الله إليهما ملكًا، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عنده، فقال للمذنِب: ادخل الجنَّة برحمتي، وقال للآخر: أتستطيع أن تحظر على عبدي رَحمتي، فقال: لا يا رب، قال: اذهبوا به إلى النَّار))، قال أبو هريرة: والذي نَفسي بيده، لتكلَّم بكلمة أوبقَت دنياه وآخرته.♦وعن مسلم عن جندب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّث أنَّ رجلاً قال: ((والله لا يَغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألَّى عليَّ ألاَّ أغفر لفلان؟ فإنِّي قد غفرتُ لفلان وأحبطتُ عملَك)).
و الله عز وجل يسخر بعضنا لبعض في مصلحة غيرنا لحكمة يعلمها الحق سبحانه. وهذا يذكرنا بقصة موسى مع سيدنا الخضر حيث تتجلى عظيم رحمة الله تبارك وتعالى“قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا .فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ“-الكهف.
وتتجلى هنا رحمة الله بأصحاب السفينة بأن أرسل من ينقد مركبهم من الملك الظالم. و من يقتل الولد الكافر, الذي كان وبالا علىوالديه المومنين , ويحفظ الكنز لليتيمين لكون أبوهما كان صالحا.
واسمع لرحمة الله بعباده في الحديث التالي :
♦جاءت امرأة إلى داود عليه السلام، فقالت: يا نبيَّ الله، هل ربك ظالِم أم عادل؟ فقال داود: وَيحكِ يا امرأة، هو العَدل الذي لا يجور، ثمَّ قال لها: ما قصَّتك؟ .قالت: أنا أرملة، عندي ثلاث بنات أقوم عليهنَّ من غَزل يدي، فلمَّا كان أمس شددتُ غَزلي في خرقةٍ حمراء، وأردتُ أن أذهب إلى السوق لأبيعَه وأبلِّغ به أطفالي، فإذا أنا بطائر قد انقضَّ عليَّ وأخذ الخرقةَ والغزل وذهب، وبقيتُ حزينةً لا أملك شيئًا أبلِّغ به أطفالي. فبينما المرأة مع داود عليه السلام في الكلام إذا بالباب يطرق على داود، فأَذِن له بالدخول، وإذا بعَشرةٍ من التجَّار كل واحد بيده مائة دينار، فقالوا: يا نبيَّ الله، أعطها لمستحقِّها. فقال لهم داود عليه السلام: ما كان سبب حملكم هذا المال؟قالوا: يا نبيَّ الله، كنَّا في مركب، فهاجَت علينا الرِّيح وأشرفنا على الغَرق، فإذا بطائرٍ قد ألقى علينا خرقةً حمراء وفيها غزل، فسددنا به عَيب المركب، فهانَت علينا الرِّيح وانسدَّ العيب، ونذَرنا لله أن يتصدَّق كلُّ واحدٍ منَّا بمائة دينار، وهذا المال بين يدَيك فتصدَّق به على من أردتَ. فالتفتَ داود عليه السلام إلى المرأة وقال لها: ربٌّ يتَّجر لكِ في البرِّ والبحر وتجعلينه ظالمًا؟! وأعطاها الألفَ الدينار، وقال: أنفقيها على أطفالك.
و تأمل أيضا في رحمة الله بعباده يوم القيامة, في حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
♦ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((آخر مَن يَدخل الجنة رجلٌ، فهو يَمشي مرَّة، ويكبو مرَّة، وتسفعه النارُ مرَّة، فإذا ما جاوزها التفتَ إليها، فقال: تبارك الذي نجَّاني منكِ، لقد أعطاني اللهُ شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين.فتُرفع له شجرةٌ فيقول: أي رب، أدنِني من هذه الشَّجرة فلأستظلَّ بظلِّها، وأشرب من مائها، فيقول الله عزَّ وجلَّ: يا بن آدم، لعلِّي إن أعطيتُكها تسألني غيرها؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يَسأله غيرها، وربُّه يَعذره؛ لأنَّه يرى ما لا صَبر له عليه، فيُدنِيه منها، فيستظل بظلِّها، ويشرب من مائها.ثمَّ تُرفع له شجرة هي أَحسن من الأولى، فيقول: يا رب، أَدنني من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلِّها، لا أسألك غيرَها، فيقول: يا ابن آدم، ألَم تعاهِدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلِّي إن أدنيتُك منها تَسألني غيرها، فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربُّه يَعذره؛ لأنَّه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلِّها، ويشرب من مائها.ثمَّ تُرفع له شجرة عند باب الجنَّة هي أحسن من الأوليينِ، فيقول: أي رب، أَدنني من هذه لأستظلَّ بظلِّها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم، ألَم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى يا رب، لا أسألك غيرها، وربُّه يَعذره؛ لأنَّه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنَّة، فيقول: يا رب، أدخلنيها، فيقول: يا بن آدم، ما يَصْرِينِي منك؟ أيرضِيك أن أعطيك الدُّنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب، أتَستهزئ منِّي وأنت ربُّ العالمين؟))، فضحك ابنُ مسعود، فقال: ألا تَسألوني ممَّ أضحك؟ قال: هكذا ضَحك رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: ممَّ تَضحك يا رسول الله؟ قال: ((مِن ضحك ربِّ العالمين حين قال: أتَستهزئ منِّي وأنت ربُّ العالمين؟ فيقول: إنِّي لا أستهزئ منكَ، ولكنِّي على ما أشاء قادر))؛ (الحديث صحيح أخرجه مسلم). ونختم بحديث رواه أبي هريرة. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لما قضى الخلق, كتب فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي . فرحمة الله بعباده لا تعد ولا تحصى لقوله: ورحمتي وسعت كل شيء.156-الأعراف.