رعاية اليتيم
– رعاية اليتيم – محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
رعاية اليتيم واجب إنساني وبديهي في مجتمعنا الإسلامي, و لقد اهتم ديننا الإسلامي الحنيف باليتيم اهتماماً لا مثيل له، وأجزل الثواب العظيم لمن اهتم برعاية الأيتام و حسن وتربيتهم. فالطفل اليتيم هو جزء من المجتمع وهو رجل الغد, إذا صلح, صلح معه المجتمع كله.
وجاءت في القرآن الكريم آيات عديدة تحث على ذلك :
قال تعالى :
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) ،
وقوله عز وجل : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا)
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نشأ يتيما ، فقد توفى أبوه وهو ما زال جنيناً في بطن أمه ، وتوفيت أمه وهو فتي صغير ، وتوفى جده وهو في الثامنة من عمره، وكفله عمه أبو طالب، وما زال- صلى الله عليه وسلم – ينشأ ويترعرع حتى إذا بلغ أشده أوحى الله إليه، وشرفه بحمل خاتم الرسالات، هذه الرسالة التي أخرجت البشرية من الظلمات إلى النور، فصلوات الله وسلامه عليه.(فضل رعاية الأيتام)
وجاءت الشريعة الإسلامية لتراعى حقوق اليتيم من الناحية النفسية والاجتماعية؛ لينشأ نشأة سويَّة، فأمرتْ بإكرامه والرفق به، ونهتْ عن قهره وزجره وإهانته؛ لقوله تعالى: فأما اليتيم فلا تقهر. قال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم و قال مجاهد, لا تحقره.( أكل مال اليتيم- للشيخ د. محمد أحمد عبدالغني).
عن ابن عباس, قال رسول الله: من قبض يتيما من بين المسلمين إلى طعامه وشرابه, أدخله الله الجنة إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر– الترغيب والترهيب- المنذري 3/313 –إسناده صحيح أو حسن.
وعن أبو أمامة الباهلي, وقال صلى الله عليه وسلم : من مسح رأس يتيم لا يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة ومن أحسن إلى يتيم أو يتيمة عنده كنت أنا وهو هكذا في الجنة – ابن حجر العسقلاني : تخريج مشكاة المصابيح- 4/427-.
و قال أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله : خير البيوت بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه وأحب عباد الله إلى الله تعالى من اصطنع صنعا إلى يتيم أو أرملة.
وروي « أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود, كن لليتيم كالأب الرحيم وكن للأرملة كالزوج الشفيق واعلم كما تزرع كذا تحصد معناه أنك كما تفعل كذلك يفعل معك أي لا بد أن تموت ويبقى لك ولد يتيم أو امرأة أرملة (حديث أنس ابن مالك- حلية الأولياء- أبي نعيم-3/429-.
وروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إياكم وبكاء اليتيم فإنه يسري في الليل والناس نيام (الترغيب والترهيب- المنذري- إحتمال التحسين.
وقال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه: أوصني بوصية قال ارحم اليتيم وأدنه منك وأطعمه من طعامك فإني سمعت رسول الله أتاه رجل يشتكي قسوة قلبه فقال رسول الله: إن أردت أن يلين قلبك فأدن اليتيم منك وامسح رأسه وأطعمه من طعامك فإن ذلك يلين قلبك وتقدر على حاجتك – السلسلة الصحيحة (854) –.
و كفالة اليتيم طريق إلى الجنة, لحديث سهل بن سعد الساهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما ( صحيح البخاري5304), وفي صحيح مسلم(2983) من حديث رواه أبي هريرة, بلفظ: كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى:( سواء كان بينك وبين اليتيم قرابة أو كان أجنبيا عنك).
وكفالة اليتيم هي: النظر في مصالحه الدينية والدنيوية ، وتربيته ، و الإحسان إليه حتى يزول يتمه والقيام بأموره والسعي في مصالحه من طعامه وكسوته وتنمية ماله إن كان له مال, وإن كان لا مال له, أنفق عليه وكساه ابتغاء وجه الله تعالى.
والكفالة الحقيقية لليتيم ؛ أن تربيه تربية ابنك ، ولا تقتصر على الشفقة عليه والتلطف به ، وتؤدبه أحسن تأديب ، وتعلمه أحسن تعليم . (فيض القدير للمناوي 1/108).
والواجب على مَن يتولى إدارة أمْوال اليتامى أن يحافظ عليها وألا يتصرَّف فيها إلا إذا كان في ذلك مصلحة اليتيم؛ لقولِه تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [الأنعام: 152]، فيسعى الولي في تنمية مال اليتيم بالتجارة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ ))المعجم الأوسط الطبراني-2/264-حديث أنس ابن مالك-
ولقد رغبت الشريعة الإسلامية في الحفاظ على مال اليتيم و حددت شرطان أساسيان لتسليم اليتامى لأموالهم: البلوغ أي النضوج البدني، والرشد أي النضوج العقلي، ويلزم الارتباط بين هذين الشرطين، فلا يكفي أحدهما دون الآخر، لقوله عز وجل الله: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾[النساء: 6].( أكل مال اليتيم- للشيخ د. محمد أحمد عبدالغني)
وبالمقابل, لقد رهبت الشريعة الإسلامية من أكل مال اليتيم بالباطل, لقوله تبارك وتعالى :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (النساء:10 )
وعن أبي سعيد الخدري: رضي الله أن رسول الله قال في حديث المعراج فإذا أنا بأقوام مَشافرُهم كمشافرِ الإبلِ فتفتحُ أفواهُهم ويلقمونَ الجمرَ ثمَّ يخرج من أسلافهم فيضجُّونَ قلتُ من هؤلاءِ قالَ الَّذينَ يأْكلونَ أموالَ اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا –البيهقي 2/390- خلاصة الحديث : أمثل إسناد-
وروى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ (الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ).صحيح البخاري23562- صحيح مسلم-89. رعاية اليتيم
وعنِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ : لمَّا أنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ ) وَ ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ) الآيةَ, انطلقَ مَن كانَ عندَهُ يَتيمٌ فعزلَ طعامَهُ مِن طعامِهِ وشرابَهُ مِن شرابِهِ فجعلَ يَفضُلُ مِن طعامِهِ فَيحبِسُ لَه حتَّى يأكلَهُ أو يفسدَ فاشتدَّ ذلِكَ علَيهِم فذَكروا ذلِكَ لرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ ( وَيَسْألُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ) فخلَطوا طعامَهم بطعامِهِ وشرابَهم بشرابِه.صحيح أبي داود 2871 حديث حسن.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أُحَرِّجُ مال الضَّعِيفيْن: المرأة واليتيم« (عمدة التفسير-أحمد شاكر-1/467) بمعنى أوصيكم باجتناب مالهما.
وفي حديث رواه ابن حبان في صحيحه, عن أبي بزرة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُبعَثُ يومَ القيامةِ قومٌ مِن قبورِهم تَأَجَّجُ أفواهُهم نارًا, فقيل : من هم يا رسول الله ؟ قال: ( ألم ترَ اللهَ يقولُ: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10) حديث عدد 5566
وقال السدي رحمه الله تعالى: يحشر آكل مال اليتيم ظلما يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينه كل من رآه يعرفه أنه آكل مال اليتيم
قال العلماء فكل ولي ليتيم إذا كان فقيرا فأكل من ماله بالمعروف بقدر قيامه عليه في مصالحه وتنمية ماله فلا بأس عليه وما زاد على المعروف فسحت حرام … رعاية اليتيم