عالم الملائكة عالم العجائب – أحمد الجوهري عبد الجواد
ما من شيء في الكون كله من الذرة إلى المجرة ومن الفرش إلى العرش إلا ويدل من تأمله على وحدانية الله جل في علاه , فحال كل ما في الكون ينطق نطقا فصيحا بأنه الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له في ملكه وربوبيته وألوهيته .
فتعالوا بنا – أيها الإخوة – نزداد إيمانا ونحن نطلع من نافذة قريبة على عالم غريب عجيب ليس لهم من عمل إلا الركوع والسجود والتسبيح والتحميد لرب العالمين , لا يعصون طرفة عين ولا يغفلون عن العبادة أقل من ذلك , ولعلكم عرفتموه? !
نعم إنه ” عالم الملائكة “.
وكما تعودنا فسوف ننظم سلك الموضوع في العناصر التالية :
أولًا : من هم الملائكة ؟
انيًا : عجائب من عالم الملائكة
الا : برهان وحجة
فأعيروني القلوب والأسماع أيها الأحباب .
أولًا: من هم الملائكة
أيها الإخوة ! الملائكة خلق الله عز وجل ومن أشرف خلقه سبحانه, وهم عباد مكرمون من عباده , خلقهم الله عز وجل من نور كما خلق الإنسان من صلصال كالفخار , وخلق الجان من مارج من نار, روى مسلم من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم [2] , وسكن الملائكة هو السماء وخلقة الملائكة خلقة عظيمة وهم قادرون – بما أعطاهم الله – على التمثل بأمثال الأشياء والتشكل بأشكال جثمانية حسبما تقتضيها الحالات التي يأذن لهم بها الله سبحانه وتعالى يطعمون ولا يشربون وإنما طعامهم التسبيح .
وهم لا يملون ولا يفترون عن عبادة الله رب العالمين في الليل والنهار قال عز وجل ” ) وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون * يسبحون الليل والنهار لا يفترون ( [ الأنبياء: 19, 20] ثم قال عز وجل : ” ) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ( [ الأنبياء : 26 – 29 ] ».
والملائكة عليهم السلام أصناف كثيرة, فمن الملائكة الموكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله عليهم الصلاة والسلام وهو الروح الأمين جبريل عليه السلام كما قال سبحانه : ) نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين ( [ الشعراء: 193-195 ].
وهو أعظمهم قدرا وأعلاهم شانا وأرفعهم منزله ولذلك يخصه الله بالذكر كما في قوله تعالى : ) إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الْفَجْرِ ﴾ [ القدر: 1 – 5 ].
ومنهم الموكل بالقطر وتصاريفه إلى حيث أمره الله عز وجل وهو ميكائيل عليه السلام وهو ذو مكانة علية ومنزلة رفيعة وشرف عند ربه عز وجل وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه , ويصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله عز وجل وقد جاء في بعض الآثار : ” ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض «, ويروى أن ميكائيل عليه السلام لم ير ضاحكا من يوم خلق الله عز وجل النار , وهذا يدل على شدة خوفه ومعرفته بقدر ربه سبحانه .
ومنهم الموكل بالصور وهو سرافيل عليه السلام .
وجبريل وميكائيل وإسرافيل هؤلاء هم الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه من صلاة الليل : فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كما عند مسلم من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : سألت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان نبي الله – صلى الله عليه وسلم – يفتتح صلاته إذا قام من الليل قالت كان إذا قام من الليل افتتح صلاته يقول : اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون , اهدني لما اختلف فيه من الحق بنك تنك تهدي من تشاء لى صراط مستقيم [3] .
ومنهم الموكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت وأعوانه ولا يصح على الإطلاق أن يسمى كما يقول بعض الناس عزرائيل بل هو ملك الموت كما قال سبحانه : ) قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ( [ السجدة: 11], وله أعوان كذلك مما يدل عليه قول ربنا عز وجل : ) حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون (, وقوله سبحانه : ) ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ( [ الأنف ال: 50 ].
فإن كان العبد صالحا كان لهم معه شأن طيب وإن كان مسيئا عاملوه بما يستحق قال عز وجل ) الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون * فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين * وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين * جنا æ عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين * الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( [ النحل: 28-32 ].
وقال – سبحانه وتعالى -: ) فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين * فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم * ن هذا لهو حق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم الواقعة: 83-96 .
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم, نستغفر الله من ذنوبنا ونتوب إليه من معاصينا, فاللهم غفرانك يا أرحم الراحمين .
هؤلاء هم رؤساء الملائكة وباقي الملائكة كذلك – أيها الإخوة- في أعمال فمنهم الموكل بحفظ العبد { ) له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ( [ الرعد: 11] وكذا منهم الحفظة والكتبة الذين يحفظون أعمال العباد ويكتبونها , ومنهم الموكلون بسؤال القبر وهم منكر ونكير, ومنهم خزنة الجنة ومقدمهم رضوان, ومنهم خزنة النار ومقدمهم مالك, ومنهم المبشرون للمؤمنين عند وفياتهم ويوم القيامة, ومنهم الموكلون بالنطفة في الرحم, ومنهم حملة العرش ومنهم, ومنهم, ومنهم, وهذه أول عجائب الملائكة و هو عنصرنا الثاني :
عجائب من عالم الملائكة
أيها الإخوة! الملائكة عالم عجيب غريب, ومن ضمن عجائبه أنهم كثرة لا تعد ولا تحصى بحيث لا يتصور أحد كم يبلغ عددهم بل تعجز أرقام الأعداد التي يعرفها البشر من الآحاد والعشرات والألوف بل والملايين والمليارات والبليارات أن تستوعب هذه الأعداد الضخمة , وفكر معي في هذا العدد الذي يكون من قسم واحد منه فقط عدد لانهاية له قسم واحد وهم الملائكة الموكلون بحفظ أعمال العباد وكتابتها , فلكل عبد يتنفس على وجه البسيطة ملك للحسنات عن يمينه وملك للسيئات عن شماله , هؤلاء بخلاف المعقبات المنوط بهم حفظ العبد قال ابن عباس : المعقبات من الله هم الملائكة يحفظون العبد من بين يديه – أمامه وم ن خلفه, فإذا جاء قدر الله تعالى خلوا عنه, وذلك -أيها الإخوة- يكون في مقام العبد وسفره وفي نومه ويقظته وفي كل حالاته .
هذا بخلاف الملائكة المنتشرين في الأرض السياحين فيها والذين يتعاقبون في البشر بالليل والنهار فيجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر .
هذا بخلاف قسم آخر من الملائكة وهم الراكعون الساجدون العابدون القانتون هذا عملهم لا ينفكون عنه بل منهم الراكع أبدا والساجد أبدا وهكذا , روى أحمد وغيره بسند حسن من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون, أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا عليه ملك ساجد , لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولما تلذذتم بالنساء في الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى ولحثوتم على رؤوسكم التراب ».
” فقال أبو ذر رضي الله عنه: والله لوددت أني شجرة تعضد . [4] وفي رواية انه بكى وأبكى رضى الله عنه وأرضاه .
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: والله لو تعلمون حق العلم ما تلذذتم بلذيذة, ولقام أحدكم بين يدي ربه حتى ينكسر صلبه, ولصاح حتى ينقطع صوته فلا إله إلا الله .
وعن حكيم بن حزام فيما روى محمد بن نصر بسند صحيح كما في الصحيحة قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إذ قال لهم : ” هل تسمعون ما أسمع قالوا: ما نسمع من شيء, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ط أسمع أطيط السماء وما تلام .
وفيه أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما في السماء الدنيا موضع إلا عليه ملك ساجد وقائم , وذلك قول الملائكة : ) وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون ( [ الصافات: 164 – 166 ]. [6]
فهذا من عجائب الملائكة كثرة هائلة لا حدود لها وأوضح صورة لهذه العجيبة ذلك المشهد الرائع الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج عن زوار البيت المعمور الذي أقسم الله تعالى به في كتابه في سورة الطور كما قال تعالى : ) والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور ( [ الطور: 1 – 4] وهو بيت في السماء السابعة بحيال الكعبة في الأرض لو سقط لوقع عليها , حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض, يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم “يعني لا تحول نوبتهم لكثرتهم والحديث في الصحيحين من حديث أن .
ومن أعاجيب الملائكة كذلك ما ذكر الله تعالى من عظم خلقتهم كما قال سبحانه : ) الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في ما الخلق يشاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( [ فاطر: 1 ].
وروى أبو داود بسند صحيح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش , شحمة أن ما بين أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام”. [7]
وروى البخاري من حديث جابر أيضا وهو يحدث عن فترة الوحي والنبى صلى الله عليه وسلم يصف جبريل عليه السلام وعظم خلقه فيقول : ” بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت زملوني “[8]
فسبحان ربي ما تكون خلقته من يجلس على كرسي بين السماء والأرض! وعن ابن مسعود في قوله عز وجل) لقد رأى من آيات ربه الكبرى ( [ النجم: 18], قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته له ستمائة جناح ( كل جناح منها قد سد الأفق ) ينتشر من ريشه التهاويل: الدر والياقوت ما الله به عليم “. [9]
بل ذكر العلماء منهم ابن كثير في التفسير وفي قصص الأنبياء في قصة إهلاك الله تعالى قوم لوط أن قوم لوط لما جاءوا يريدون أن يفعلوا الفاحشة في الفتيان الذين عند لوط وما كانوا إلا الملائكة عليهم السلام في صورة شبان حسان لا يعرف ذلك لوط ولا يعرفه قومه فضاق لوط عليه السلام بهم وأراد حماية ضيفانه منهم, فلما رأت الملائكة ما هو فيه من العسر بسبب ذلك قالوا : ) يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ( [ هود: 81] قال: ثم خرج إليهم جبريل عليه السلام فضرب وجوههم خفقة واحدة بطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل: نها ارت بالكلية ولم يبق لها محلولا أر ولا عين فرجعوا يتحسسون مع الحيطان .
قال: فلما كان الموعد الذي أذن الله فيه بهلاكهم وإهلاكهم اقتلع جبريل عليه السلام مدنهم السبعة بطرف جناحه من قرارهن بمن فيهن من الأمم وكانوا أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات وما يتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن وغيرها فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت ملائكة السماء أصوات ديكتهم ونباح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها , وفى ذلك قال تعالى : ) فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ( [ هود: 82, 83 ] [
فيا الله ما أعجب ذلك العالم عالم الملائكة في كثرة عددهم , وعظمة خلقهم, وأعجب من ذلك – أيها الإخوة – شدة خوفهم من ربهم .
روى ابن نصر المروزي في الصلاة بسند حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن لله تعالى ملائكة ترعد فرائصهم من خيفته, ما منهم من ملك تقطر منه دمعة من عينه إلا وقعت على ملك يصلي , وإن منهم ملائكة سجودا منذ خلق الله السموات والأرض لم يرفعوا رؤوسهم منذ خلق الله السموات والأرض ولا يرفعونها إلى يوم القيامة فإذا رفعوا رؤوسهم نظروا إلى وجه الله عز وجل فقالوا : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك . »[11]
نعم يخافون الله, ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى البزار من حديث جابر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال : مررت ليلة أسري بي بالملأ الأعلى بجبريل وهو كالحلس البالي من خشية الله عز وجل «والحلس هو الكساء الرقيق الذى يوضع على ظهر البعير والبالي أي الخلق وفي الطبراني في بعض طرق هذا الحديث زيادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” فعرفت فضل علمه بالله علي .” ) [12]
وهذا من تواضع المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو أعلم الخلق بالله على إلا طلاق – صلى الله عليه وسلم -والشاهد أن هذا من خشية جبريل وهيبته وخوفه من ربه عز وجل , وعلى قدر هذه الخشية كان لجبريل عند الله القرب , فعلى قدر خوف العبد من الرب يكون القرب .
روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله , كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ,) حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير (, فيسمعها مسترق السمع, يعنى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الجن الذين يسترقون السمع من السماء – قال: ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض- وصفه سفيان بن عيينة بكفه، فحرفها وبدّد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه. فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء »[13]
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر, وتكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة – أو قال: رعدة – شديدة خوفا من الله عز وجل, فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا سجدا, فيكون أول من يرفع رأسه جبريل, فيكلمه الله من وحيه بما أراد, ثم يمر جبريل على الملائكة, كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل فيقول جبريل :. قال الحق, وهو العلي الكبير فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي للى حيث أمره الله عز وجل “. [14]
وفي هذا الحديث -أيها الخوة- حجة وبرهان وهذا هو عنصرنا الالث والأخيرن مناصر اللقاء: حجة وبرها .
أما بعد فيا أيها الإخوة !
إذا علمنا هذه المنزلة العظيمة للملائكة ورأينا فيهم هذه المكانة العالية من الناحية الجسدية ومن الناحية التشكيلية ومن ناحية القوة والقدرة فرأيناهم مع ذلك كله أكثر شيء خضوعا وعبادة وذلا لله تعالى ففي هذا حجة وبرهان عظيمان, على من?
أولا: على الذين عبدوا الملائكة, نعم تخيلوا أن هناك من عبد الملائكة وتقرب إليها بالطاعة من دون الله يظن أنها تنفعه بالخير أو تدفع عنه الشر ? ولذلك الملائكة يأتون يوم القيامة فيتبرؤون من عابديهم يوم القيامة وما فعلوا .
قال تعالى : ) ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون * فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ( [ سبأ 40-42 ].
يجمع الله المشركين يوم القيامة على رؤوس الخلائق ويأتي بالملائكة فيسأل المشركين الذين كانوا يعبدون الأنداد والأصنام يزعمون أنها الملائكة ويقولون هم بنات الله ويزعمون أنها تزلفهم وتقربهم من الله تعالى , فيوبخهم ويقرعهم ويسأل الملائكة أمامهم: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون?! هل أنتم أمرتم هؤلاء بعبادتكم فتقول الملائكة :. »سبحانك تعاليت وتباركت وتقدست وتنزهت يا ربنا عز شأنك وتقدست آلاؤك ولا شريك لك لا ينبغي أبدا أن يكون لك ولد فنحن عبيدك وأنت ولينا من دونهم , نبرأ إليك منهم ومن أفعالهم, بل كانوا يعبدون الجن والشياطين أكثرهم بهم مؤمنون, فهم الذين يزينون لهم الباطل ويحسنون لهم القبيح ويدعونهم إلى الشرك أما فنحن فبرآء .
فهذه حجة وبرهان على الذين يعبدون الملائكة .
ثانيا : هو برهان وحجة على الذين يتقربون بالعبادات لغير الله عز وجل من أصحاب الأضرحة والمشاهد والقبور فهذه الملائكة تخاف ربها وتعلن براءتها ممن عبدها , فهي لا تملك شيئا لمن تقرب إليها بل وتبرأ يوم القيامة منهم ومن قرباتهم وأعمالهم فأولى وأولى من كان دونهم من الأولياء والصالحين فاعتبروا عباد الله واعلموا بأن الذي يملك النفع والضر هو الله وحده .
ثالثا : هو حجة وبرهان على الذين يذهبون إلى السحرة والمشعوذين والدجالين والكهان ممن يدعون معرفة الغيب وإنما هم في الحقيقة يتلقون عن الشياطين كما أوضح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث , ومن عظيم ما قرأت في هذا الباب ما روى البخاري في قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي من أصح ما ذكر في إسلام عمر وذلك من حديث عبد الله بن عمر الشبل فقد حدث عن أبيه الليث الهصور عمر بن الخطاب , قال عبدالله: ما سمعت عمر لشيء قط يقول إني لأظنه كذا . Ç لا كان كما يظن, بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال لقد أخطأ ظني , أو إن هذا على دينه في الجاهلية, أو لقد كان كاهنهم, على الرجل, فدعي له, فقال له ذلك, فقال ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم , قَالَ فإني أَعْزِمُ عَلَيْكَ لاَّ ما أخبرتني.قَالَ كُنْتُ كَاهِنَهُمْ في الْجَاهِلِيَّةِ. قال فما أعجب ما جاءتك به جنيتك قال بينما أنا يوما في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع , فقالت ألم تر الجن وإبلاسها ويأسها من بعد إنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها قال عمر صدق , بينما أنا عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه , فصرخ به صارخ, لم أسمع فوثب القوم قلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا م نادى يا جليح , أمر نجيح, رجل فصيح, يَقُولُ لََل فوثب القوم قلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ثم نادى يا جليح , أمر نجيح, رجل فصيح, يقول لا إله إلا الله. فَقُمْتُ فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ هَذَا نبي . [15]
أي هذا الطالب الخير! يا عبدالله! أما يكفيك رب العالمين الذي قال عن نفسه وشأنه : ) قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين * وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين * ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين * يمسسك الله بضر وإن فلا كاشف له هو وإن يردكم بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء منعباده وهو الغفور الرحيم ([يونس: 104- 107]
بلى وربي إنه لكاف وما أنتم بموقنين ولو وقر اليقين في قلوبكم لعلمتم أن ما تعولون عليه من أصحاب الأضرحة وغيرهم , لا يجلب خيرا ولا يدفع شرا, وغدا تعلمون .
رابعا: وأخيرا هو حجة على كل غافل لاه عاص قاس القلب لا يدرى آيات الله ولا يخضع لسلطان ولا يستجيب لأوامره ولا ينهى عن معاصيه فيا عاصي الله ما أقبح فعلك وما أغفل عقلك !
أي عباد الله توبوا إلى الله واستغفروه من ذنوبكم وعودوا إليه يعد إليكم مجدكم وعزكم أسأل الله العلي العظيم أن يتوب علينا وأن يغفر لنا وأن يتجاوز عنا ..
***** منقول بتصرف عن موقع مجلس الألوكة *****
المراجع :
[1 ] انظر فتح الله الحميد المجيد ص 256 للشيخ حمد بن محسن
[2] أخرجه مسلم (2996 ).
[3] أخرجه مسلم
[4] أخرجه الترمذي وصححه الألباني
[5] تعظيم قدر الصلاة (226 ).
[6] تعظيم قدر الصلاة (253 ).
[7] (4727) “السلسلة الصحيحة” 1/232: والطبراني في “الأوسط” كما في “المنتقى منه” للذهبي (6/2).
[8] أخرجه البخاري (4) ومسلم 425.
[9] تفسيرابن كثير (7/451) وهذا اسناد جيد قوي.
[10] قصص الأنبياء (188-190) بتصرف لابن كثير الصفا .
[11] تعظيم قدر الصلاة (260 ).
[12] (1/75): “رجاله رجال الصحيح”.
[13] Voir البخاري (4800). وفي الفتح (13/343): قوله: (سلسلة على صفوان) هو مثل قوله في بدء الوحي: “صلصلة كصلصلة الجرس” وهو صوت الملك بالوحي, وقد روى ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه «إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السماوات صلصلة قال الخطابي: .
(21/61): قوْله يَنْفُذهُمْ وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّله وَضَمّ الْفَاء أَيْ يَعمّهم.
[14] أخرجه ابن خزيمة في “التوحيد” (206), والآجري في “الشريعة” (ص 294) وابن أبي عاصم في (السنة) (515), والبيهقي في الأسماء والصفات Õ 264, وغيرهم, ويشهد لمعناه أحاديث, منها حديث أبي هريرة, الذي هو أعلاه, قال العلامة المعلمي في: “التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل” – (2/231): المتن غير منكر, وله شواهد- وساق بعضها ثم قال: – فالنكارة في السند فقط, والله أعلم .
[15] (3866) .أخرجه البخاري