عبد الله بن أم مكتوم
عبد الله بن أم مكتوم
هو عبد الله، ويقال عمر، وهو ابن قيس بن زائدة بن الأصم، ومنهم من قال: عمرو بن زائدة لم يذكر قيسًا، ومنهم من قال: قيس بدل زائدة.
وقال ابن حبان: من قال ابن زائدة نسبه لجده، ويقال: كان اسمه الحصين فسماه النبي عبد الله، حكاه ابن حبان، وقال ابن سعد: أهل المدينة يقولون: اسمه عبد الله، وأهل العراق يقولون: اسمه عمرو، قال: واتفقوا على نسبه، وأنه ابن قيس بن زائدة بن الأصم، وفي هذا الاتفاق نظر.
واسم أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة -بمهملة ونون ساكنة وبعد الكاف مثلثة- ابن عائذ بن مخزوم.
وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين، فإن أم خديجة أخت قيس بن زائدة، واسمها فاطمة.
أتى جبريل رسول الله وعنده ابن أم مكتوم فقال: “متى ذهب بصرُك؟” قال: وأنا غلام, فقال: “قال الله تبارك وتعالى: إذا ما أخذتُ كريمة عبدي لم أجِدْ له بها جزاءً إلا الجنة“, وعندما نزل قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}
قال عبد الله بن أم مكتوم: “أيْ ربِّ أَنْزِل عُذري”, فأنزل الله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95].
فجُعِلَتْ بينهما وكان بعد ذلك يغزو فيقول: “ادفعوا إليّ اللواء، فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفرّ، وأقيموني بين الصّفَّين”.
قصة إسلام عبد الله بن أم مكتوم وهجرته :
أسلم قديما بمكة، وكان من المهاجرين الأولين، قدم المدينة قبل أن يهاجر النبي وقيل: بل بعد وقعة بدر بيسير، قاله الواقدي، والأول أصح.
روي من طريق أبي إسحاق عن البراء قال: أول من أتانا مهاجرًا مصعب بن عمير ثم قدم ابن أم مكتوم، وكان النبي يستخلفه على المدينة في عامَّة غزواته، يصلي بالناس، وقال الزبير بن بكار: خرج إلى القادسية فشهد القتال، واستشهد هناك، وكان معه اللواء حينئذٍ.
بعض مواقف عبد الله بن أم مكتوم مع الرسول :
ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله ورسول الله يكلمه وقد طمع في إسلامه فبينا هو في ذلك إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى، فكلم رسول الله وجعل يستقرئه القرآن فشق ذلك منه على رسول الله حتى أضجره, وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلامه, فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسًا، وتركه فأنزل الله تعالى فيه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس: 1, 2] إلى قوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} [عبس: 13، 14], أي إنما بعثتك بشيرًا ونذيرًا، لم أخص بك أحدًا دون أحد، فلا تمنعه ممن ابتغاه ولا تتصدين به لمن لا يريده.
قال: وأما رواية قتادة عن أنس أن النبي استخلف ابن أم مكتوم فلم يبلغه ما بلغ غيره انتهى، وهو المذكور في سورة (عبس وتولى) ونزلت فيه: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]. لما نزلت: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: 95], أخرجه البخاري.
نزل ابن أم مكتوم على يهودية بالمدينة (عمّة رجل من الأنصار) فكانت تخدمه وتؤذيه في الله ورسوله، فتناولها فضربها فقتلها، فرُفِعَ إلى النبي فقال: “أمّا والله يا رسول الله إن كانت لتُرْفِقُني -تخدمني- ولكنها آذتني في الله ورسوله، فضربتها فقتلتها, فقال رسول الله : “أبعدها الله تعالى، فقد أبطلتْ دَمَها“.
استخلاف الرسول لعبد الله بن أم مكتوم في المدينة :
قال ابن عبد البر: روى جماعة من أهل العلم بالنسب والسير أن النبي استخلف ابن أم مكتوم ثلاث عشرة مرة في الأبواء وبواط وذي العشيرة، وغزوته في طلب كرز بن جابر، وغزوة السويق، وغطفان، وفي غزوة أحد، وحمراء الأسد، ونجران، وذات الرقاع، وفي خروجه من حجة الوداع، وفي خروجه إلى بدر، ثم استخلف أبا لبابة لما رده من الطريق.
أثر عبد الله بن أم مكتوم في الآخرين :
كان عبد الله من أوائل المهاجرين إلى المدينة فرارًا بدينهم بعد أن اشتد أذى قريش على المسلمين، فكان هو ومصعب بن عمير أول من قدم المدينة من المهاجرين، فكانا يختلفان إلى الناس يقرآنهم القرآن ويفقهانهم في دين الله.
استشهاد عبد الله بن أم مكتوم :
وفي السنة الرابعة عشرة للهجرة عقد عمر بن الخطاب العزم على أن يخوض مع الفرس معركة فاصلة تديل دولتهم وتزيل ملكهم وتفتح الطريق أمام جيوش المسلمين فكتب إلى عماله يقول: لا تدعوا أحدًا له سلاح أو فرس أو نجدة أو رأي إلا وجهتموه إليَّ والعَجَلَ العَجَلَ، وطفقت جموع المسلمين تلبي نداء أمير المؤمنين وتنهال على المدينة من كل حدبٍ وصوبٍ وكان في جملة هؤلاء المجاهدين عبد الله بن أم مكتوم، أمر الفاروق على الجيش سعد بن أبي وقاصوأوصاه وودعه..
ولما بلغ الجيش القادسية، برز عبد الله بن أم مكتوم من بين الصفوف لابسًا درعه مستكملاً عدته وندب نفسه لحمل راية المسلمين والحفاظ عليها أو الموت دونها، والتقى الجمعان في أيام ثلاثة قاسية عابثة واحترب الفريقان حربًا لم يشهد لها تاريخ الفتوح مثيلاً حتى انجلى اليوم الثالث عن نصر مؤزر للمسلمين ودالت دولة من أعظم الدول، وزال عرش من أعرق العروش وهوت راية من رايات الوثنية وارتفعت ورفعت راية التوحيد، وسقط مئات من الشهداء وكان من بين هؤلاء الشهداء عبد الله بن أم مكتوم، فقد وجد صريعًا مدرجًا بدمائه قابضًا على راية المسلمين.