قل لا يستوي الخبيث والطيب – الشيخ مصطفى العدوي
الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً, ولم يكن له شريك في الملك,ولم يكن له ولي من الذل وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , يعز ويذل ,ويخفض ويرفع ,ويشفي ويمرض . يغني ويقني
كل يوم هو في شأن , يعز ذليلاً ويذل عزيزا, يكرم ويهين , يغني هذا ويفقر هذا, يرفع هذا ويخفض هذا يبتلي هذا ويعافي هذا, يفك عانيا, يرد غائبا,يشفي سقيما, كل يوم هو في شأن , يدبر الأمر من السماء الى الأرض, سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً, وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله, أرسله الله عز وجل بين يدي الساعة بالحق بشيراً ونزيرا, فأدى الأمانة و أقام الحجة على الخلق, صلوات ربي وسلامه على هذا النبي الكريم, وعلى آل بيته الطاهرين, وعلى صحابة الغر الميامين رضي الله عنهم أجمعين, أيها الإخوة كتاب الله كتاب مبارك, شهد الله له بذلك, قال تعالى“ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ“, كتاب عزيز, قال تعالى” وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ“, كتاب كريم, إذ الله قال“ إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ“, كذا فهو مجيد, قال تعالى(ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ), كذا فهو كتاب حكيم,( يس* وَالْقُرْآن الْحَكِيمِ), كتاب أجتمعت فيه كل صفات الخير وكل خصال الخير, فكان من الجدير بنا أن نذكر به وأن نتذكره, إذ الله قال(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآن مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ), وقال( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتهِ يُؤْمِنُونَ), كتاب مبارك, نستضئ به في دنيانا, وتنور به قبورنا, وتسلم به آخرتنا, قال تعالى( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ),وقال تعالى( قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ*يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإذنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ),فالذي معه هذا الكتاب العزيز, هو مبصر يبصر الأمور عل حقائقها, والذي أبتعد عن هذا الكتاب العزيز, فهو أعمى يتخبط أينما ذهب, قال تعالى(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)
أيها الإخوة جدير بنا دائما و أبداً أن نستضئ بهذا الكتاب العزيز, وأن نتأدب بإدابه, وأن نتخلق بإخلاقه, الآية الواحدة من هذا الكتاب العزيز فيها بركة, فيها نفع, فيها نفع في الدنيا ونفع في الآخرة فأذكر نفسي و إياكم بآية من آيات هذا الكتاب العزيز, الا وهي قوله تعالى (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي إلالْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
لايستوي الخبيث والطيب آيةُ فازةُ جامعةُ, لايستوي الخبيث والطيب في كل الأبواب, فلا يستوي خبيث المعتقد مع طيب المعتقد, لايستوي خبيث النوايا مع طيب النوايا, لايستوي خبيث العمل مع طيب العمل, لايستوي خبيث القول مع طيب القول, لايستوي من كسبه طيب مع من كسبه خبيث, بل إن الله عز وجل طيب وأطلق النبي عليه الصلاة والسلام على الشيطان خبيث, لايستوي خبيث المعتقد مع طيب المعتقد, فلا يستوي المشرك مع المؤمن, ولا من أدعى أن المسيح هو الله مع من قال لا إله إلا الله, لايستوي هذا مع ذاكَ أبداً, قال تعالى( أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ), قال تعالى(أَفَمَن كان مُؤْمِنًا كَمَن كان فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ )( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ), وهكذا تتوالى الآيات, لإثبات هذا المعنى (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلاَ الظّلُمَاتُ وَلاَ النّورُ * وَلاَ الظّلّ وَلاَالْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الاحْيَاءُ وَلاَ الامْوَاتُ), فلا يستوي أبداً المؤمن الذي يسير على بصيرة من الله مع الكافر المتخبط, لايستوي هذا مع ذاكَ أبداً, ولايستوي من يعمل عملاً يبتغي به وجه ربه الأعلى مع من يعمل عملاً يبتغي به عرضاً زائلاً من عوارض الحياة الدنيا, لايستوي هذا مع ذاكَ أبداً, لايستوي البار بوالديه مع العاق لأبويه, لا يستوي هذا مع ذاكَ على الإطلاق, فأفضل الأعمال بعد الصلاة لوقتها, بر الوالدين, وفي المقابل أشر الأعمال ومن أكبر الكبائر بعد الشرك بالله عقوق الوالدين قال رسول الله صل الله عليه وسلم وقد سئل :يارسول الله أي العمل أحب إلى الله يارسول الله, قال: الصلاة لوقتها, قيل: ثم أي؟, قال:ثم بر الوالدين, قيل: ثم أي؟, قال: ثم الجهاد في سبيل الله, وفي المقابل ألا أنبئكم بأكبر الكبائر, قالوا بلى يارسول الله, قال:” الشرك بالله, وعقوق الوالدين, وكان متكئاً فجلس, فقال: ألا وقول الزور, ألا وشهادة الزور“
فلايستوي أبداً البار بوالديه الذي تستجاب منه الدعوات مع العاق لوالديه, الذي تغلق في وجهه الأبواب وترد دعواته بلا إستجابة, إن برالوالدين من أسباب إجابة الدعاء.
إن أويس القرني, كان رجلاً من اليمن, به برص, كان باراً بوالدتة, فدعا الله, فشفاه من هذا الداء العضال, الذي عجز ولايزال الأطباء عجزة عن إيجاد علاجاً له, ولكن دعا فأستجيب له, بسبب بره بوالديه, فلا يستوي البر بالوالدين مع العقوق, ولايستوي وصل الرحم مع قطعها, إن وصل الرحم منقبة عظيمة, إن وصل الرحم سبب عظيم من أسباب السلامة والنجاة, قال رسول الله صل الله عليه وسلم (من سره أن ينسأ له في إثره أو يبارك له في رزقه فليصل رحمه)وفي المقابل(أن الرحم تقول: من وصلني, وصله الله, ومن قطعني قطعه الله)
إن علي ابن الحسين, الإمام العالم, الملقب بزين العابدين, سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم, يوصي ولده بوصية جامعة يقول له: يابني لاتصاحب قاطع رحم, لماذا ياأبي؟, لماذا لا أصاحب قاطع رحم؟, قال: يابني إني وجدت في كتاب الله , ملعوناً في ثلاثة مواطن, ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ), وقال تعالى(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ), والثالثة (أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) فلايستوي,الواصل للإرحام مع القاطع لها, إن الرحم تدافع عن الواصل يوم القيامة وتكون سبباً في نجاته وسلامته فأنظروا إلى هذا الحديث المروع المخيف الذي فيه, وهو ثابت في صحيح مسلم, حاصله أن الناس يمرون على الصراط, الذي هو جسر على جهنم, يمرون على الصراط, كل يريد أن يمر مسرعاً, فتقف الرحم وتقف الأمانة على جانبتي الصراط, الأمانة على جانب و الرحم على جانب
لماذا هذا؟؟ , قال: العلماء تستوقف الرحم من قطعها إذا أراد المرور قائلة:يارب هذا قطعني خذلي حقه, وتقف الأمانةعلى الجانب الآخر تقول يارب هذا خانني خذ لي حقه أما إذا كنت موصلاً للرحم وتعثرت في المرور على الصراط وتحتك جهنم, تأتي الرحم التي وصلتها, تستنقذك, يارب سلمه, يارب غنمه, قد كان وصولاً فيٌ ياربي, فتسلم بإذن الله, وكذلك تفعل الأمانة
أيها الإخوة لايستوي أبداً قاطع الرحم مع الواصل لها, لايستوي من يحسن إلى الخلق, يحنوعليهم, يطعمهم إذا جاعوا, يسقيهم إذا عطشوا,كذلك يستر عليهم إذا أرتكبوا معصية يستر عليهم, لايستوي من ستر مسلماً مع من سعى في فضيحة العباد, لايستوي من يسعى في نشر الفضيلة في الأرض مع من يسعى في نشر الرذيلة فيها, فأنظر أين أنت؟ومن أنت؟, هل أنت من المصلحين الذين يحبون أن يسترعلى العباد ولايفتضحوا, أم أنت من الذين يحبون شيوع الفاحشة في الذين آمنوا فأولئك لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة لايستوي أبداً ًالمحسن إلى جاره مع المسئ إلى الجار لايستوي هذا مع ذاك أبداً, ولايستوي طيب القول مع خبيث القول,فالطيبون للطيبات والطيبات للطيبين وكذلك الخبيثون للخبيثات والخبيثات للخبيثين, لايستوي أبداً مع من لسانه ينطق بذكر الله, ينطق بالحث على الخير, يستر على العباد, لسانه دوماً مرطباً بذكر الله, الحمد لله, بارك الله فيك, وفقك الله, جزاك الله خيراً, لايستوي من هذا شأنه مع من شأنه القيل والقال والخوض في الأعراض والطعن في المؤمنين والطعن في المؤمنات.
أيها الإخوة أنظروا إلى الكلمات التي تخرج من الحلق وليحكم بها عليهم إذا كان من شأنهم.
طيب القول من شأنهم الثناء على الناس, من شأنهم الستر على الناس, هؤلاء هم الطيبون الذين كلماتهم طيبة, أما الناس إذا وجدت منهم خبيث القول, هزل القول, دنس القول,فأحذره ولاتمشي معه ولاتصاحبه لأنه يؤذيك, يؤذيك بخبيث قوله, وأما طيب القول تستفيد منه, ترى لسانه ذاكراً فتذكر الله, تراه وصولاً فتصل الرحم, وتراه يستر على العباد فتأخذ منه صفة السترعلى العباد, تراه حافظاً للسانه إن جئت تغتاب قال لاتأكل لحوم إخوانك الميتة إن جئت تلغو قال ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ), إن جئت تشذ يقول لك مذكراً الكلمة الطيبة صدقة يقول لك قال تعالى( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) قال نبيك(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت), هكذا يعلمك طيب القول, يعلمك طيب العمل.
أيها الإخوة لايستوي الكسب الطيب وإن كان قليلاً مع كسب الحرام وإن كان الحرام كثيراً, لايستوي هذا أبداً مع ذاك, فلقمة طيبة تأكلها من حلال ولو كانت خبزاً ينمو بها جسدك يبارك لك فيها تعافى و يعافى أبنائك, أما المال الخبيث والمطعم الخبيث فتبتلى به, تبتلى به في الدنيا, وتبتلى به في الآخرة, مع الكسب الخبيث تدعو فلا يستجاب لك تسأل فلا تعطى.
مع الكسب الطيب تدعو فيستجاب لك ويسلم جسمك من المرض ويسلم أبنائك بإذن الله من العقوق, فأحرص على الكسب الطيب وأنتم ترون عاجل العقوبات تحل في الدنيا بمن سرقوا أموال الناس ولمن أختلسوها, ترون الفضائح تتوالى والعقوبات تتوالى والشماتة تتوالى وترون من كسبه طيب ولو كان قليلاً محمود العواقب.
إن الفتية الكرام الأفاضل, الشباب الفضلاء, أصحاب الكهف, الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى, الفتية المؤمنون, ليسوا الفتية الصيع, ليسوا الفتية المخنثون, بل الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم الله هدى وهم في كهفهم يقول قائلهم(فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ ), هم في إبتلاء والعدو يطاردهم,ومع ذلك يتحرون اللقمة, من الكسب الطيب لعل الله أن ينجيهم, لعل الله أن يتقبل دعواتهم, فإن الله طيب لايقبل إلا طيب( فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ), إن نبيكم عليه الصلاة والسلام ذكر الرجل يطيل السفر, أشعث أغبر, مطعمه حرام, ملبسه حرام, مشربه حرام, غذى بالحرام, ينادي يارب يارب, أنى يستجاب له!, أنى يستجاب لك ومطعمك من حرام ومشربك من حرام, وملبسك من حرام, لا تغتر بالحرام وإن كان كثيراً, عليك بالحلال الطيب ولو كان في الحرام خير ولوكان في الثراء في كل الأحوال خير, لكان أثرى الناس محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ولكنه يبيت أحياناً يتلوى من الجوع, مايجد ما يملئ به بطنه من الدقل وهو ردئ التمر, فصلوات الله وسلامه على نبينا الأمين.
لايستوي أبداً العفيف المتعفف مع الشرير المتشرذم, لايستوي أبداً الخبيث مع الطيب, فأنظروا إلى أقوالكم, وإلى أعمالكم وإلى نوايكم, أنظروا هل أنتم من أهل القول الطيب, والمعتقد الطيب والستر على العباد, أنظروا هل أنتم من المصلحين بين الناس, أم أنتم من المفسدين بين الناس, المفسدين في الأرض, فقدر الله أن يكون هناك أقوام يسعون للإصلاح بين الناس, أقوام يسعون لكفالات الأيتام, أقوام يسعون لتعمير بيوت الله, وشاء الله أن يكون هناك, مفسدون في الأرض يفسدون بين الناس, وشاء الله أن يكون هناك, من ياكل أموال اليتامى ظلما, ومن يسرق المساجد, فأنظوا من أي الأصناف أنتم, جعلنا الله و إياكم من الطيبين, وجعل الله نوايانا طيبة, وأعمالنا طيبة, وأقوالنا طيبة, رطب الله ألسنتنا وألسنتكم بذكره, وأصلح الله لنا ولكم النيات, والذريات, اللهم آمين, أستغفروا ربكم إنه كان غفارا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
أيها الإخوة مكارم الأخلاق بها بعث النبي محمد صل الله عليه وسلم فقال فيما قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق, فنبيكم عليه الصلاة والسلام بعث بذلك, وهو عليه الصلاة والسلام بين لنا مابه تحسن أخلاقنا, وتقوم أخلاقنا, ومن ذلك إبتداء, أن نسأل الله أن يحسن أخلاقنا, هذا أصل, فالمقوم خلقه, والحسن خلقه من حسن الله له خلقه, قال تعالى في شأن النفس(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَإلهمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا), فعلينا أولا أن نسأل الله أن يحسن أخلاقنا, وأن يحسن أقوالنا, وأن يحسن أعمالنا, فليكن من أورادنا ومن دعواتنا ما كان النبي صل الله عليه وسلم يدعو به, كان من دعائه أهدني لأحسن الأخلاق و الأقوال والأعمال فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت وأصرف عني سيئها لايصرف عني سيئها إلا أنت, وكان من دعواته, كان من تعوذاته, اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأجواء, فأكثروا من الدعاء بذلك, وأسالوا الله ذلك, فقد تتكلم بكلمة طيبة, من توفيق الله تنتفع بها, في الدنيا والآخرة, وتكتسب بها محبة الخالق ومحبة المخلوقين, وقد تزل قدمك, فتتكلم بكلمة خبيثة, بها يكرهك الناس, وفي الحديث(إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لايلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد مابين المشرق والمغرب), فالخصلة الأولى, أن نسأل الله أن يهذب أخلاقنا, وأن يصلح أخلاقنا.
أيضا في هذا الباب, الأخلاق تنال بالتدرب عليها, العلم بالتعلم والحلم بالتحلم والعفة بالتعفف والصبر بالتصبر والكرم بالتدرب عليه, فعلم نفسك وعلم أبنائك مكارم الأخلاق, تعليماًعملياً ليس فقط قراءة من كتب بل تدريباً عملياً, تدرب على الصبر فلا تجزع بل كن صابراً, وأعلم أن الحوادث والملمات أياً كانت من حوادث الدنيا فلها أنكشاف وكل أمر مستقر, ولكل نبأ مستقر فالأمر يكون عظيماً وتراه كبيراً, وماهي إلا أيام وينقضي, ويأتي أمر غيره يغطي عليه, وهكذا ترقق الأمور بعضها بعضا, فكن صابرا (إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ), فكن صبورا على الحوادث لاتكن جزعا تدرب على الصبر, ولذلك روي عن الإمام أحمد أنه مرض مرضاً شديداً, فمن شدة المرض كان يأن يتوجع يتأوه, يقول آه آه آه, فقال له جليسه يا إمام إن الإمام العالم طاووس, يقول أن الأنين يكتب, أن كلمة آه تكتب في صحيفتك لأن الله قال( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ), ففطن الإمام أحمد فما أنّ حتى مات, إستبدلها بكلمة الحمد لله الحمد لله, فبدلاً من أن تقول آه آه قل الحمد لله الحمد لله, تنور صحيفتك يوم تلقى الله فالصبر بالتصبر الصبر بالتصبر, قال نبيكم عليه الصلاة والسلام(ومن يتصبر يصبره الله) فعلم نفسك على الصبر وتوطن على الصبر, وعلم أبنائك الصبر, علم نفسك الصبر إذا شتمك شاتم, تدرب على كسب الغيظ مع قدرتك على إنفاذه, تدرب متذكراً قول نبيك(ثلاثة أقسم بالله عليهم مازاد الله بعبداً عفواً إلا عزة وما نقصت صدقة من مال وما تواضع عبداً لله إلا رفعه), وقول نبيك: مامن جرعة غيظ ما من جرعة يتجرعها عبد أعظم أجراً عند الله من جرعة غيظاً يتجرعها العبد إبتغاء وجه الله), قال تعالى(وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ), فتدرب على الصبر تدرب إذا جعت أن تصبر, تدرب إذا غضبت أن تصبر ولاتنتصر لنفسك, علم نفسك الكرم إذا أتاك ضيف فتذكر حديث رسولك الأمين مناشداً من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه, لم تتدرب إذا أكلت يوماً فولاً بدلاً من اللحم وأكرمت ضيفاً, لم تتدرب إذا أكلت يوماً فولاً بدلاً من اللحم وحنوت على مسكينا وأكرمت جاراً, تدرب على الكرم ذاكراً قول الله عز وجل في شأن الخليل إبراهيم(فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ), تدرب على الشجاعة كن شجاعاً لا تأخذك في الله لومة اللائمين, قل كلمات الحق في أي مكان كنت لا تخشى إلا الله لا تجامل صاحب منصب لمنصبه ولا صاحب مال لغناه ولا صاحب وجاهة لوجاهته, بل تدرب على كلمات الحق تبتغي بها وجه ربك الأعلى, لايقال عنك جرئ بل يفردك الله يوم تلقاه وترى عملك نورا في صحيفتك, تدربوا أيها الإخوة على مكارم الأخلاق وعلموها أبنائكم, تدربوا على الإنتهاء عن مساوئ الأخلاق لاتتكلموا كثيراً لا تثرثروا تجنبوا الفضول من كل شئ, فضول المجالس, المجالس التي لا فائدة فيها أتقوها وأنشغلوا بالنافع كذلك النوم الكثير فضول النوم أتقوه, فضول الطعام إتقوه, فضول الشراب إتقوه, فضول المزاح إتقوه, فضول النظر لاتنظروا كثيرا إلا لما تحتاجون إليه فأتقوا فضول النظر, فضول الإستماع, فضول الأقوال وهذا أصل عظيم من أصول السلامة والنجاة أن تتقي الفضول, الشئ الذي لا فائدة فيه من القول والعمل والنظر والإستماع والمجالسات والنوم الكثير والأكل الكثير بل والجماع الكثير الذي يفضي إلى تضيع الحقوق وهكذا كثرة المخالطات.
أيها الإخوة أذكر في ختام هذه الخطبة بكلمة موجزة نافعة من كتاب ربي ذكر بها الخليفة الراشد البار عمر بن عبد العزيز وأنتم تعرفون كان في أول حياته ثرياً في غاية من الثراء وزجته بنت الخليفة والخليفة جدها, أخت الخليفة بل أخت الخلائف والخليفة زوجها أبوها خليفة زوجها خليفة جدها خليفة إخوانها خلفاء, من أسرة منعمة ولكن يستقيم أمره في أواخر حياته وقد رأى من الدنيا ما رأى من الثراء والنعيم ثم إتجه إلى الزهد فيها وقام مقاماً راشداً بخلافة راشدة يعظ الناس يذكرهم بآية من كتاب الله (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ), ويسلم وينزل مامعنى الآيات التي لايفهمها الكثيرون منا, معناها إن متعت ياعبد الله طيلة حياتك تأكل ماتشتهي تلبس ما تريد تتزوج كل إمرأة تحبها تركب أجمل السيارات تسكن أحسن العمائرتتقلد أعلى المناصب لم تشتكي قط لم تصاب بصداع قط لم تمرض قط وبعد ذلك جائك الموت هل أنتفعت بشئ مما حصلت كلا والله بل كما قال تعالى(وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ), نبيكم يقول يتبع الميت ثلاثة يرجع إثنان ويبقى واحد يتبع الميت أهله وماله وعمله يرجع أهله وماله ويبقى عمله عند باب القبر أبوك يودعك إبنك يودعك جارك يودعك, مالك تركته خلف ظهرك ويبقى العمل هو الأنيس هو الجليس ولقد أحسن ما قال لودامت لغيرك يابن آدم ماوصلت اليك(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
أيها الإخوة كما تشيدوا لدنياكم شيدوا لآخرتكم(وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ).
أيها الإخوة ربكم جل ذكره لاينشغل أبداً بكبيراً عن صغيراً ولا بجليلاً عن حقيراً قد قال(وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ), خلقنا سبع سموات شداد ولم نغفل عن تدبير أمر النمل وأمر النحل وأمر الوحوش الجواسر في الغابات وأمر البحار وأمر الحيتان في البحار وأمر الذباب لم ننشغل بكبيرا عن صغيرا ولا بجليلاً عن حقيرا, فسألوا الله كل ما تريدون أسالوا الله أن يطعمكم وأن يسقيكم وأن يلبسكم إذا أحتجتم إلى لباس,(كلكم عار إلا من كسوته أطلبوا مني الكسوة فأستكسونى أكسكم, كلكم جائع إلا من أطعمته أستطعموني أطعمكم) إذا أصبتم بهم بضيق بحزن فأسالوا الله أن يزيل عنكم الهموم وأن يذهب عنكم الغموم فهو الذي أضحك وأبكى, ربكم لاينشغل بكبيراً عن صغيرا ولا بجليلاً عن حقيرا, فسألوا الله كل ماتريدون كما نسأله بالفردوس, كما نسأله أن يحفظ بلادنا آمنة مطمئنة وأن يحكم فيها شريعته, نسأله بأن يصلحنا ويصلح أخلاقنا ويصلح أزواجنا وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يهدينا سبل السلام, اللهم أسكنا الفردوس مع من أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا, اللهم حسن أخلاقنا اللهم جنبنا الفواحش ماظهر منها ومابطن وجنبنا الفتن ماظهر منها ومابطن, اللهم أجعلنا من الطيبين, اللهم أجعلنا جميعاً من الطيبين, طيب اللهم أقوالنا طيب اللهم أعمالنا طيب اللهم نوايانا يارب العالمين, اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات, ياربنا الحق المسيئين منا بركب الصالحين, أصلح لنا الذريات يارب العالمين, اللهم أجعل مصر بلدة طيبة آمنة مطمئنةً يكسوها الإيمان ويعلوها الأمانة يارب العلمين, اللهم أسعدنا في الدنيا والآخرة, يارب لنا أخوة ولنا أباء وأمهات فارقون هذه الدنيا أحوج مايكونون إلى دعوة صالحة تنور لهم القبور وتفسح لهم فيها, فيارب أغفر لأمواتنا وأموات المسلمين وأفسح لهم في قبورهم ونور لهم فيها وأحسن حالنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه يارب العالمين أختم لنا بخير.
منقول عن موقع الشيخ مصطفى العدوي