كل نفس ذائقة الموت
كل نفس ذائقة الموت – محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
قال الله تعالى : كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ (آل عمران: 185.
الموت حق على جميع الخلائق ولا مفر منه .والله عز وجل كتب الفناء على جميع عباده فلا يبقى إلا وجهه لقوله تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام –سورة الرحمن . فهو تعالى الواحد الأحد الحي الذي لا يموت ويتفرد بالديمومة والبقاء .
قال تعالى: }أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ ُشَيَّدَةٍ{(النساء/ 78.
ولو كان أحدٌ يبقى على وجه الأرض لما كان أولى بذلك الأنبياء والمرسلون , لهذا خاطب الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، بقوله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ آل عمران/144. وقال ايضا: }إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ{(الزمر/30). وقال: }وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ{(الأنبياء/34).
ونزلت سورة ق{ تعلم الأمةَ الإسلامية بدنوِّ أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما.} وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ{ (ق: 19). بمعنى: وجاءت شدة الموت وغَمْرته بالحق الذي لا مردَّ له ولا مناص، ذلك ما كنت منه – أيها الإنسان – تهرب.فما هي إلا لحظة واحدة في غمضة عين أو لمحة بصر يبدل الله من حال إلى حال وتخرج الروح إلى بارئها فإذا العبد في عداد الموتى. فهذه هي الحقيقة الكبرى التي لا مفر منها ولا مهرب عنها مهما طال الزمان أو قصر.
و الموت باب لابد لكل أحدٍ أن يدخل منه.. والموت التي تصيب من حولنا من أحباب و جيران يجب أن تكون ذكرى لمن منا يعتبر أن الدنيا ومن فيها فانية ويبقى وجه ربك دو الجلال والاكرام. ولا يعلم المرء متى يموت، فإنما هي أيام معدودة، وأنفاس محسوبة.
والقبر أول منازل الآخرة,فإن كان من أهل الجنة عرض له مقعده من الجنة, وإن كان من أهل النار عرض عليه مقعده من النار, ويُفسح للمؤمن في قبره سبعون ذراعًا, ويملأ عليه نوراً ونعيماً إلى يوم يبعثون, وأما الكافر فيضرب بمطرقة من حديد ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه .
قال الحسن البصري : إن الله تعالى إذا أراد أن يقبض روح عبده المؤمن ، اطمأنت النفس إلى الله تعالى ، واطمأن الله إليها .لقوله عز وجل : يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي.فاسمع أخي المسلم حال المؤمن والمنافق والكافر عند الموت في حديث عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« المؤمن إذا حضره الموتُ بُشِّر برضوان الله وكرامته، فليس شيءٌ أحبَّ إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه كره لقاء الله وكره الله لقاءه».
وعن مَالِكٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ ، فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ !قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ : الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ .و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
ولهذا يجب أن نستعد لما بعد الموت قبل أن يدركنا الموت.فعلينا أن نسارع إلى العمل الصالح، وأن نكثر منه، قبل أن نندم لقوله عز وجل :}حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا (المؤمنون/99)..
عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر يقول: “إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك” ..
تذكّر أخي المسلم أن الموت لا يعني كثرةَ الحزن وطول النحيب مع التفريط، لإن تذكرنا للموت يجب أن يقترن بمراقبتنا لله في أفعالنا ومعاملتنا للآخرين.
والأعمال بالخواتيم ، كما جاء في حديث ابن مسعود يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :(فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
أخي المسلم, إن من أسكن الحياة الدنيا في قلبه أصبحت هي همه وغايته فسيعمى عن الآخرة وستتشعب به الهموم ويهلك في أوديتها بين شبهاتها وشهواتها وسيكون عبداً للدنيا و وزخرفها, وسيبيع آخرته بدنياه. ولكن من أسكن الآخرة قلبه وجعل همه لها فسيرى ببصيرته ” أن هذه الدنيا متاع قليل وإنها دار من لا دار له ومال من لا مال له, ويجمعها من لا عقل له وإنها لعب ولهو وزينة”.
فاحذر يا عبد الله أن تذهب أعمالك الصالحة التي تعبت في جمعها طوال حياتك واحذر أن تخسرها يوم لا ينفع لا مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم. فكونوا يا عباد الله من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا “لأن الدنيا والآخرة ضرتان لا تجتمعان في قلب واحد”. ويجب أن نتذكر قول الله عز وجل “فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره” (الزلزلة8-9) .