مخالفة النفس
للشيطان حيلاً كثيرة وأساليب متنوعة في الإيقاع بالعبد واستدراجه للذنب وله أعوان كثر، فلا يجد سبيلا لهذا إلا عن طريق النفس, التي بين جنبي العبد، فإن لم يخالفها ويصرف هواها, جرته إلى الفاحشة والمنكر، وقد حذر الله سبحانه من إتباع خطوات الشيطان، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ النور:21
و قال تعالى أيضا :
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ[1] وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى[2] {40} فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى {41} النازعات .
وأما من خاف القيام بين يدي الله للحساب، ونهى النفس عن الأهواء الفاسدة، فإن الجنة هي مسكنه.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى و طول الأمل ، فأما الهوى ، فيصد عن الحق, و أما طول الأمل ، فينسي الآخرة ، و هذه الدنيا مرتحلة ، و هذه الآخرة قادمة ، و لكل واحدة منها بنون ، فكونوا بني الآخرة ،و لا تكونوا من بني الدنيا ، فإنكم اليوم في دار العمل و أنتم غدا في دار جزاء و لاعمل[3]
وعن أبي برزة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم، و فروجكم، و مضلات الهوى.[4]
– الوسواس
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي أحدكم الشيطان فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.
و عن ابن مسعود رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: [الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ] (البقرة: 268) رواه الترمذي.
وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: يا رسول الله: إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل عن يسارك ثلاثا. قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. رواه مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم, في حديث رواه أبو يعلى رضي الله عنه : يقول الشيطان أهلكت الناس بالذنوب, وأهلكوني بلا اله إلا الله والاستغفار, فلما رأيت ذلك, بثثت فيهم الأهواء, يذنبون ولا يستغفرون،لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
قال الجنيد : النفس الأمارة بالسوء هي الداعية إلى المهالك, المعينة على الأعداء، المتبعة الهوى،المتهمة بأصناف الأسواء [5].
وللتغلب على الوسواس الذي يصيبنا في العبادة و في أفكارنا:
يجب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم, و عدم الاتفات للوسواس والإعراض عنه، والالتجاء إلى الله تعالى بصدق وإخلاص في إذهابه،وعدم مجاراة الوسواس وترك الاسترسال معه، فالتمادي في الوسوسة لايقف عند حد.
ويجب الإكثار من قراءة القرآن والأذكار و لا سيما أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم والاستيقاظ، ودخول المنزل والخروج، ودخول الحمام والخروج منه، والتسمية عند الطعام والحمد بعده، وغير ذلك .
و يجب البعد عن المعاصي والمخالفات التي هي سبب تسلط إبليس على بني آدم ، قال الله تعالى: ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) النحل/ 99 .
وفي كتاب ابن السني من طريق عائشة : رضي الله عنها ” من بلي بهذا الوسواس فليقل : آمنا بالله وبرسله ثلاثا , فإن ذلك يذهبه عنه ” .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة، ولا يضجر، فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان، إن كيد الشطان كان ضعيفا، وكلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوساوس أمور أخرى، فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه، ولهذا قيل لبعض السلف: إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، فقال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب.
وذكر العز بن عبد السلام فقال: داء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأن يقاتله فيكون له ثواب المجاهد، لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فرَّ عنه.وأنه مما ابتلي به نوع الإنسان من أول الزمان وسلطه الله عليه محنة له ; ليحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره الكافرون .
ونقل النووي عن بعض العلماء أنه يستحب لمن ابتلي بالوسواس, في الوضوء أو الصلاة أن يقول: لا إله إلا الله. فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس، أي تأخر وبعد، ولا إله إلا الله رأس الذكر.
————————————————