5- هواجس النفس ووساوس الشيطان -جمعه محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
النفس هي أكبر عون للشيطان لإغواء الإنسان، فكلَّما وجد منها أمرًا بالفساد والانحراف أعانها عليه واستعان بها عليه، وأمدَّها به، بل إنه ليستمدّ منها خطرات السوء، وليجد فيها ما لو كان وحده لم يقدر عليه.
قال السمعاني: الوسوسة حديث النفس.
وقال البيضاوي: ما تحدثه به نفسه, وهو ما يخطر بالبال، والوسوسة الصوت الخفي.
وإن نفس الإنسان مجبولة على كلا من الخير والشر. والنفوس بطبيعتها ميَّالة للشهوات محبَّة لها : فالشيطان إذا وجد من العبد ميلاً إليها زيَّنها في قلبه وقرَّبها إليه وجاهد في تحسينها وتحبيبها إلى قلب الإنسان حتى يتمكَّن منه.
ومن أساليب الشيطان في الإضلال, إلقاء الشكوك والنسيان والغضب والوساوس في قلوب العباد. ويظل عدوُّ الله يتحسَّس ما يشتهيه الإنسان حتى يوقعه في مصائده.
فإن كان العبد أضعف أمام النساء زيَّن له النظر المحرَّم والخلوة والمعاكسات والاختلاط بالأجنبيات، وإذا كان العبد أضعف أمام شهوة المال حبَّبه إليه وزيَّن له جمعه حتى يُوقعه في الغشِّ والخداع والمكر والتدليس في البيوع. وقد يدفعه الشيطان للكذب والحنث في الربا, أو لأكل أموال اليتامى بغير حق, وغير ذلك من المعاصي.
قال تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق:16).
فإبليس هو مصدر الوسوسة للإنسان لأنه رأس الشر , لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ، أو قال : شرا“[1].
والشيطان هو من يأمر أعوانه بالوسوسة للإنسان إما من خلال النفس الأمارة بالسوء أو من خلال الشيطان القرين، لقوله عليه الصلاة والسلام ” إنَّ إبليسَ يضَعُ عرشَه على الماءِ ثمَّ يبعثُ سراياهُ فأدناهم منهُ منزلةً أعظمُهم فتنةً يجيءُ أحدُهم فيقولُ فعلتُ كذا وَكذا فيقولُ ما صنعتَ شيئًا قال ثمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ ما ترَكتُه حتَّى فرَّقتُ بينَه وبينَ امرأتِه قال فيدنيهِ منهُ ويقولُ نِعمَ أنتَ “[2]
وسيبقى الشيطان عدوا للإنسانية إلى الأبد, مهما أظهر لحزبه من بني البشر من ود, و زين لهم من نقائص وخبائث.
قال تعالى : كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين (الحشر-17).
وقال الله عز وجل : قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال مبين ( ق – 27).
وقوله تبارك وتعالى : وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي (إبراهيم: 22).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “حُفَّت النار بالشهوات وحفَّت الجنة بالمكاره” [3].
ولقد فرق الجنيد رحمه الله بين هواجس النفس ووسواس الشيطان, فقال : ” أن النفس إذا طالبتك بشيء ألحت فلا تزال تعاد وتصمم ولو بعد حين حتى تصل إلى مرادها وتحصل مقصودها, إلا بمجاهدتها بصدق .
“وأما الشيطان إذا دعا إلى زلة فخالفته بتركها فهو يوسوس بزلة أخرى, لأن جميع المخالفات عنده سواء, وإنما يريد أن يكون داعيا أبدا إلى زلة ما, ولا غرض له في تخصيص ذنب دون غيره… “.
وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان فقال: ما كَرِهَتْه نفسُك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه ” [4]
والشيطان لعنه الله يأتي الإنسان وهو متخفي, فيكلمه بصوته – لكيلا يفرق بين أفكاره ووساوس الشيطان – فيقذف في قلبه ما يسبب له الحزن والخوف والأفكار السلبية ليعيش في قلق مستمر .
قال الله تعالى : إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ -المجادلة 10
وقال تعالى : إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ( آل عمران-175 )
وتتفاوت مقدرة الشيطان على الوسوسة لبني آدم بتفاوت طهارة ونقاء أرواحهم فنجد أناساً محفوظون من وسوسة الشيطان , بينما هنالك من هم غير محفوظين من ذلك لأن أرواحهم أقل نقاءاً وطهارةً.
لقوله تبارك و تعالى : إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( الحجر-42)
ولقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين شر النفس وشر الشيطان في الدعاء الثابت في الصباح والمساء والنوم : ” اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السموات والأرض رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه, أن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم” [5]
ولنا معجزة في طهارة وصفاء روح رسول الله صلى الله عليه وسلم, حيث شق صدره ثلاث مرات كما ثبت في الصحيحين :
– الأولى : في طفولته عند حليمة لنزع العلقة التي قيل له عندها “هذا حظ الشيطان منك “[6]
– والثانية : عند مبعثه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير .
– والثالثة : عند الإسراء والمعراج ليتأهب للمناجاة.
——————————-
المراجع
[1] الراوي :صفية بنت حيي -حلية الأولياء – أبو نعيم -3/169.
[2] الراوي: جابر بن عبدالله – صحيح مسلم -2813
[3] رواه أبو هريرة – صحيح ابن حبان – 719
[4] الفتاوي
[5] رواه الترمذي وأبوداود وأحمد
[6] صحيح مسلم-162