-التحذير من أكل أموال الناس بالباطل – الشيخ عبد الله بن فهد السلوم
الخطبة الأولى:
أما بعد,
– أكل أموال الناس بالباطل – فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أيها الناس اتقوا الله تعالى وراقبوه واعلموا أن الله طيب لايقبل إلا طيباً من النيات والأقوال والأحوال والأعمال وإن الطيب من الأموال ما اكتسبه الإنسان من طريق الحلال ثم أنفقه فيما يرضي الله أما المال المكتسب من حرام فليس بطيب فلا يقبله الله، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لايحب ولايعطي الدين إلا من يحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه لا والذي نفسي بيده لايسلم أو لايسلم عبد حتى يسلم أو يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا: وما بوائقه؟ قال: غشمه وظلمه ولا يكسب عبد مالاً حراماً فيتصدق به فيقبل منه ولا ينفق فيبارك فيه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحوا السيء بالسيء ولكن يمحوا السيء بالحسن إن الخبيث لا يمحوا الخبيث)).
أيها المسلمون: في هذا الحديث موعظة بليغة وعبرة للمعتبر وهي أن الدنيا يعطيها الله للمؤمنين وللكفار والبررة والفجار ولكن الدين والإستقامة على أمر الله لا يعطيه الله إلا من يحب، فهذا ميزان بين يديك أيها المسلم لتعلم أن الله يحبك أم لا وكذلك يدل الحديث على أن كسب الحرام خسارة عظيمة لا ربح فيها للعبد أبداً لأنه إن تصدق من الحرام فلا يقبل وإن أنفق لم يبارك له فيه وإن خلفه بعده لورثته كان زاده إلى النار إن اكتساب المال من طريق حرام طريق إلى النار قال : ((وأيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به)) فمن اكتسب المال بالغش أو بالكذب أو بالربا أو بالدعوى الباطلة فعليه الوعيد الشديد قال : ((من غشنا فليس منا)) وقال : ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ثلاثاً، قال أبو ذر: خابوا وخسروا يا رسول الله من هم؟ فقال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف والكذب)) [مسلم]. و((لعن رسول الله آكل الربا ومكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء))، وقال : ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) وقال : ((من حلف على مال أمرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان)).– أكل أموال الناس بالباطل –
عباد الله: ألا ما أعظم الظلم وما أقبح عاقبته في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فسيذوق الظالم الحسرة وسوء الحال ومرارة الظلم وأما في الآخرة فالنار الحامية ما للظالمين من نصير، قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)) كما أن دعوة المظلوم لا ترد فيرفعها الله فوق الغمام ويقول: لأنصرنك ولو بعد حين، أخي المسلم لا تتهاون في حق أخيك ولو كان قرشاً واحداً فما الذي يبيح لك ماله؟ وما الذي يبيح لك حقه إذا ائتمنك عليه؟ وما الذي يبيح لك التهاون أو الغش في عمل ستأخذ عليه الأجر كاملاً؟ قال : ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه))، لقد عظم التكالب على الدنيا وجمع حطامها الفاني فمن أجلها يحلف المسلم كاذباً ويغش ويظلم ويحتال ويرابي والعياذ بالله وهذا نقص في الدين والعقل وإلا فإن الرزق بيد الله والرزق الذي قسمه الله لك سيأتيك فلماذا تأخذه بطريق الحرام؟ وفي السماء رزقكم وما توعدون ، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها .– أكل أموال الناس بالباطل –
أيها المسلمون: لقد وجد في هذا الزمان من يفرح إذا أخذ أو ظفر بحق أخيه واعتبر ذلك ذكاءً ودهاءً وقوة فليس المهم أن هذا المال حرام أو حلال ولكن المهم عنده أنه حصل عليه فلقد قل خوف الله عند كثير من الناس ونسوا وعيد الله ونسوا دعاء المظلومين وعذاب قلوبهم المتجهة إلى ربها ترفع أكف الضراعة إلى الله ليأخذ حقها وينتقم ممن ظلمها، ومن الناس من يتساهل في أمر الدين أو السلف فيقترضه ويماطل في تسديده أو ينكره أو يتناساه وليعلم من كان كذلك أن روح المسلم معلقة بدينه إذا مات حتى يقضى عنه وقد قدمت جنازة إلى رسول الله ليصلي عليها فقال : ((هل عليه دين؟ فقالوا: ديناران، فقال صلوا على صاحبكم ورفض أن يصلي عليه، فضمن أبو قتادة الدينارين فصلى عليه الرسول وقال: الآن بردت جلدته))، وقال : ((من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله))، وقال : ((مطل الغني ظلم)) وفي رواية ((وإذا اتبع أحيل أحدكم على مليئ فليتبع))، وقال : ((لي الواجد يحل عقوبته وعرضه)) وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر))، عباد الله لقد كثرت في المحاكم الخصومات والقضايا والمشكلات بسبب المظالم ومن الناس من يعلم أنه هو الظالم ويريد الانتصار على خصمه وأخذ حقه وربما غلب بالحجة وقضى له القاضي بمال أخيه على نحو ما ظهر له، فلا يظن أحد أن حكم القاضي يحل الحرام أو يحرم الحلال لأن القاضي ليس له إلا الظاهر بما يسمع من الخصمين وأما الباطن فهو إلى الله هو الذي يحكم به يوم تبلى السرائر ولا يوجد في ذلك اليوم للظالم من قوة ولا ناصر قال : ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار)). وقال : ((لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: قال الله تعالى: ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره))، أيها الناس إن الواجب على كل مسلم أن يخاف الله ويرعى حدوده وأوامره وألا يغتر بعمل فلان أو فلان أو يغتر بما عليه أكثر الناس اليوم وأن نتذكر الحساب وأنه لايخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره وقد تخاصم رجلان عند النبي في أرض فقال للمدعي: ((ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه، فقال: يارسول الله إن الرجل فاجر ولا يبالي على ما حلف عليه؟ فقال النبي : ليس لك منه إلا يمينه فلما أراد أن يحلف قال النبي : لئن حلف على مال ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض فأدرك الرجل مخافة الله فرد أرضه)) اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك واجعل لنا من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا اللهم ارزقنا خوفك ورجاءك وانزع حب الدنيا من قلوبنا واجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.– أكل أموال الناس بالباطل –
الخطبة الثانية:
الحمد لله على نعمه وآلائه والشكر له على توفيقه وإحسانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، عباد الله إن الكسب في هذه الحياة هو سنة الله في خلقه وأمر المعاش أمر فطري فطر الله عليه عباده وقال تعالى: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فأمشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور وقد يتعرض المسلم في كل يوم من أيام حياته إلى المعاملة مع الناس أو البيع أو الشراء أو العمل أو الخصومة أو يؤدي أمانة أو يشهد على قضية لذا يجب على المسلم أن يراقب ربه ويخزن لسانه ويكف جوارحه عما حرم الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وأن الله أمر المؤمنين بما امر به المرسلين، فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)) [ت،م]. وعن خولة الأنصارية قالت سمعت رسول الله يقول:((إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة)) [خ]. وفي رواية للترمذي: ((إن هذا المال خضر حلو من أصابه بحقه بورك له فيه ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار)) [خ]. ومعنى يتخوضون في مال الله بغير حق: أي يأخذونها ويتملكونها كما يخوض الإنسان الماء يميناً وشمالاً.– أكل أموال الناس بالباطل –
أيها الإخوة: إن المسلم مدعو أن يسأل الله عما أشكل عليه ولا يفتي لنفسه ليستبيح حق الآخرين وألا يقتصر على هواه ومجرد رأيه قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وعلى المسلم كذلك أن يترك المتشابه الذي لايدري هل هو حرام أم حلال؟ وأن يسعى دائماً في إبراء ذمته وأن يكون دائم الاستعداد للقاء ربه وإذا أخذت من أحد شيئاً قرضاً أو ديناً أو حقاً أو حاجة فإن عليك أن تكتبها وأن تشهد عليها فإن كنت حياً لا تنساها وإن مت علم بذلك أهلك وقرابتك ليسددوا عنك وما عليك لتبراً ذمتك ولتلقى الله وليس في ذمتك لأحد شيئاً كما عليك أخي المسلم أن تسعى ببراءة ذمتك من حقوق المسلمين في أعراضهم وأذيتهم بأن تتحلل منهم وترضيهم قال : ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لايكون دينار ولادرهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) [خ]. فاحذر يا عبدالله أن تذهب أعمالك الصالحة التي تعبت عليها لله احذر أن تذهب عنك وتخسرها لتعطي الناس الذين أنت ظلمتهم واعتديت على حقوقهم.– أكل أموال الناس بالباطل –
النفس تجـزع أن تكون فقيــرة والفقر خيـر من غنى يطغيـها
وغنى النفوس هو الكفاف فإن ابت فجميع مـا في الأرض لا يكفيها
أموالنا لذوي الميـراث نجمعهـا ودورنـا لخراب الدهر نبنيـها
كم من مدائن في الإقامة قد بنيـت أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((إن الحلال بين الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)) [خ،م]. عباد الله إن من أسكن الحياة الدنيا في قلبه أصبحت هي همه وغايته فسيعمى عن الآخرة وستتشعب به الهموم ويهلك في أوديتها بين شبهاتها وشهواتها وسيكون عبداً للمال يوجهه المال إلى جمعه والجشع فيه والشح وسيبيع آخرته بدنياه ولكن من أسكن الآخرة قلبه وجعل همه لها فسيرى ببصيرته أن هذه الدنيا متاع قليل وإنها دار من لادار له ومال من لامال له ويجمعها من لاعقل له وإنها السحارة التي تسحر القلوب وإنها لعب ولهو وزينة وإن ما عند الله هو خيراً وأعظم أجراً، فما قل وكفى خير مما كثر وألهى ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، فكونوا يا عباد الله من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا لأن الدنيا والآخرة ضرتان لا تجتمعان في قلب واحد.– أكل أموال الناس بالباطل – خطبة منبرية (منقول عن موقع المنبر)