الإسراف – جمعه محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
أمرنا الدين الإسلامي الحنيف بالوسطية والاعتدال بين الإسراف والتقتير، وأمرنا أن نكون وسطاء بين هذا وذاك حتى ننعم بنعم الله تعالى بالشكل المطلوب.
قال تعالى: كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين-31- الأعراف،
ولقد وردت دعوة – عدم الإسراف والتبذير – في العديد من الأحاديث النبوية، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة».. صحيح البخاري1
و الإسلام لم يُحرم زينةَ الحياة الدنيا والطيبات من الرزقِ وإنما حرم الاعتداء والطغيان والإسراف والتبذير في الاستمتاع بها، وفي نفسه الوقت، حرم التقتير والشح.
ومن مظاهر الإسراف تضييع المال وسوء التصرف فيه، كالإسراف في الإنفاق وهو التبذير المنهيُّ عنه ومجاوزة الحد حتى في الصدقة، قال تعالى : وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ {141} الأنعام .
وقال تعالى: وَءاتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوانَ الشَّيَـاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبّهِ كَفُورًا-26- الإسراء،
والله تبارك وتعالى لا يحب المتجاوزين حدوده بإنفاق المال في غير وجهه. ولقد نهى الله عز و جل عن الاسراف وشبه المبذرين بالشياطين, لجحودهم له ولكفران نعمه.
فعن المغيرة رضي الله عنه قال: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله كره لكم ثلاثاً: قيلَ وقال، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السؤال»،صحيح البخاري 2
فالله جل وعلا أنعم علينا بنعم كثيرة، وتفضل علينا بخيرات وفيرة، فلنشكر الله تعالى على ذلك حق الشكر، وذلك بالمحافظة على تلك النعم وعدم استخدامها في غير وجه حق أو بِشكل فيه إسراف أو تبذير .
ولنقارن أنفسنا مع من لا يملك قوت يومه فهناك من هو أحوج إلى فضلات ما نبذر. ولنتفكر كيف يعيش المسكين والمحروم والذي يفترش التراب ويتغطى السماء . لأن الله جل جلاله سيسألنا عن هذه النعم بقوله «ثم لتسألن يومئذ عن النعيم-8- التكاثر».
فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَ عَلِمَ». سنن الترمذي3
ولقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم ميزان أكل ابن آدم بقوله: «ما ملأ ابن آدم وعاءً شرّاً من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»،رواه الترمذي 4
ومن مظاهر التبذير التي نشاهدها عادة في الولائم والحفلات أو في العائلات المترفة التي تحضر كمياتٌ هائلةٌ من الأطعمة واللحوم وأنواع المأكولات والمشروبات، ثم يرمى الكثير منها في المزابل ، ولا يتصدق بها على الفقراء والمساكين أو الجمعيات الخيرية، وهذا يعد من كفران النعم.
ومن مظاهر التبذير , الإسراف في استخدام الماء والكهرباء ونحو ذلك، فالماء الذي هو أرخص موجود وأعز مفقود يُهْدر بالكميات الكبيرة الهائلة،
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الإسراف في الماء ولو كان استعمالُه في عبادة فضلاً عن غيرها، فعَن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِسَعْدٍ وهو يتوضأ فقال: ما هذا الإسراف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟! قال: نعم، وإن كنتَ على نهرٍ جارٍ». [5] رواه ابن ماجة وأحمد
و عن أبي أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام, ويشربون ألوان الشراب, ويلبسون ألوان الثياب, ويتشدقون[*] في الكلام, فأولئك شرار أمتي.[6]صحيح الألباني
عن أبي جحيفة قال : أكلت ثريدة من خبز ولحم ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ[*], فقال يا هذا كف عنا جشائك, فان أكثر شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا يوم القيامة. فما أكل جحيفة بعدما سمع هذا الحديث ملء بطنه حتى فارق الحياة, كان إذا تغدى لا يتعشى, وإذا تعشى لا يتغدى .[7]رواه المنذري
والمسلم الحق معتدل، ومتوسط، ومقتصد في أموره كلها، لا إِفْراطَ ولا تفرِيطَ، لا غُلُو ولا تقصيرَ، لا إسراف ولا تقتير،
ومن واجب كل مسلم أن يعمل على الاعتدال في الانفاق, مصداقا لقوله تبارك وتعالى : وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29-الإسراء).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الاقتصاد نصف المعيشة».[8- شعب البيهقي]،حيث أن الاقتصاد في كل شيء سلامة للبدن والجيب وبعدا عن كل إسراف يرفضه الشرع والعقل السليم.
والمسلم الحق يجب أن يكون منظما لحياته, فالمسلم ينظم ميزانيته تنظيما محكما, فيأخد بعين الاعتبار الأولويات والأهداف. بحيث يقسم ميزانيته لقسم يخصص لمصروف المعيشة من مأكل وملبس وتدريس للأطفال, وآخر للتطبيب أو المرض لا قدر الله, وآخر للعطل والترفيه, ويوفر قسطا ليحقق غاياته وأحلامه, مثلا شراء منزل أو غيره.
والتخطيط الجيد مطلب وهدف أسري تعود أهميته على الفرد وعلى المجتمع, وكل أسرة ذكية تعتزم تحقيق رؤيتها، تحتاج أولًا إلى وضع خطة أسرية جيدة تحدد من خلالها أهدافًا واضحة ، يسهل إنجازها في جدول زمني, وتتناسب مع مقدرات تلك الأسرة وأفرادها. ولا يجوز تحويل مصروف جهة إلى جهة أخرى إلا في ظروف طارئة تستوجب فعلا ذلك.
والتخطيط المالي الجيد يجنب الاستدانة, لضمان استقرار الأسرة من جهة, ويمكن من جهة أخرى, من تكوين مدخرات مالية تنفع الأسرة في الظروف المالية المتقلبة.
——————————————-
* يتشدقون :يكثرون الكلام و يفعلون ما لا يقولون
* تجشأ :أحدث صوتا مع ريح يحصل من الفم بعد الشبع
[ 1و2] صحيح البخاري
[ 3و4] رواه الترمذي
[5] رواه ابن ماجة وأحمد
[6]صحيح الجامع اللباني 3663
[7]الترغيب و الترهيب المنذري 236
[8] شعب البيهقي 137