السحر والتصديق بالكاهن والمنجم
السحر في الاصطلاح هو عزائم ورقى وعُقَدٌ تؤثر في القلوب والعقول والأبدان فتسلب العقل، وتوجد الحب والبغض وتفرق بين المرء وزوجه وتمرض البدن وتسلب تفكيره.[1]
و السحر محرم، بل هو كفر, واستعماله أيضاً كفر وظلم وعدوان على الخلق لقوله تبارك و تعالى :
وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة[2] فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ[3] وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ [4]ما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ {102} البقرة .
قال ابن كثير في شرح هذه الآيات، عمدت الشياطين حين علمت موت سليمان عليه السلام, فكتبت أصناف السحر وجعلوه في كتاب ثم ختموه بخاتم عليه, نقش سليمان…ثم دفنوه تحت كرسيه… وكفروا سليمان عليه السلام, وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ, واستخرجه اليهود, فتعلموا السحر وعلموه الناس.
وقد جاء ذكر السحر في المرتبة الثانية بعد الشرك في حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجتنبوا السبع الموبقاتِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ ، وما هن ؟ قال : الشركُ باللهِ ، والسحرُ ، وقتلُ النفسِ التي حرّم اللهُ إلا بالحقِّ ، وأكلُ الربا ، وأكلُ مالِ اليتيمِ ، والتولي يومَ الزحفِ ، وقذفُ المحصناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ.[5]
قال تعالى :
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ {221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ[6] {222} يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ[7]{223} الشعراء .
تنزل الشياطين على أوليائهم من الإنس, على كل فاسق و كاهن. يلقون إليهم ما استرقوه من السمع و يزيدون فيه كذبا.
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً[8] وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ {16} وَحَفِظْنَاهَا[9] مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ {17} إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ[10] فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ[11]{18} الحجر.
وزين الله سبحانه و تعالى السماء الدنيا بالكواكب للناظرين.وحفظها من كلّ شيطان لعين. و لكن قد يسترق من الشياطين السمع إلى شيء فإنهم يقذفونه إلى الكهنة في أسرع من طرفة عين ، ثم تتبعهم الشهب فتقتلهم أو تخبلهم.
عن عائشة أم المؤمنين أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم[12]
وعن صفية بنت عبيد رضي الله عنها, عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما.ً[13]
عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد .[14]
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها, قالت : سُحِرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى إنه لَيُخَيَّلُ إليه أنه يَفعَلُ الشيءَ وما فعَله، حتى إذا كان ذاتَ يومٍ وهو عِندي، دَعا اللهَ ودَعاه، ثم قال : ( أشعَرْتِ يا عائشةُ أن اللهَ قد أفتاني فيما استفتَيْتُه فيه ) . قلتُ : وما ذاك يا رسولَ اللهِ ؟ قال : ( جاءَني رجلانِ، فجلَس أحدُهما عِندَ رأسي، والآخَرُ عِندَ رِجلي، ثم قال أحدُهما لصاحبِه : ما وجَعُ الرجلِ ؟ قال : مَطبوبٌ، قال : ومَن طَبَّه ؟ قال : لَبيدُ بنُ الأعصَمِ اليهودِيُّمن بني زُرَيقٍ، قال : في ماذا ؟ قال : في مُشطٍ ومُشاطَةٍ وجُفِّ طَلعَةٍ ذكَرٍ، قال : فأين هو ؟ قال : في بئرِ ذي أَروانَ ) . قال : فذهَب النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أُناسٍ من أصحابِه إلى البئرِ، فنظَر إليها وعليها نخلٌ، ثم رجَع إلى عائشةَ فقال : ( واللهِ لكأنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنَّاءِ، ولكأنَّ نخلَها رُؤوسُ الشياطينِ ) . قلتُ : يا رسولَ اللهِ أفأخرَجتَه ؟ قال : ( لا، أما أنا فقد عافاني اللهُ وشَفاني، وخَشِيتُ أن أٌثَوِّرَ على الناسِ منه شَرًّا ) . وأمَر بها فدُفِنَتْ .
ولم يقتل النبي صلى الله عليه و سلم لبيد الأعصم لأنه كان بينه وبين اليهود عهدُّ فلو قتله لنقضه مع كل ما أظهروه من كيد للمسلمين وطعن فيهم وفي دينهم حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل حلفائه. أما حكمُ ساحرِ أهل الكتاب فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم قتل ساحرأهل الكتاب إلا إذا قتل بسحره .
وقال مالك : الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله
وروي عن بجالة بن عبدة قال: كُنتُ كاتبًا لجَزءِ بنِ معاويةَ عمِّ الأحنَفِ بنِ قيسٍ فأتانا كِتابُ عُمرَ قبلَ موتِهِ بسنةٍ : أنِ اقتُلوا كلَّ ساحِرٍ – وربَّما قالَ سفيانُ : وساحِرةٍ…[15]
وذكر مالك في الموطأ حديثا رواه محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة : أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها فأمرت بها فقتلت .[16]
والتعامل بالسحر والشعوذة، يؤدي بضرر كبير على الأقارب والجيران وغيرهم. ودوافع السحر كثيرة، نذكر منها، الحقد والحسد، والكره الشديد للآخرين.
فيستعين المرء الضال بالساحر وبالشيطان الرجيم وأعوانه، لعمل سحر يفرق به بين زوجين أو “ربط”, أو “تعطيل[17]” أو “تمريض”[18]. وقد يعمل الساحر لأحدهم السحر، ليخرجه عن عقله، أو ليستولي على أمواله بغير حق…
فكم من مسلمة أو مسلم، ضيع عمله الصالح بالتعاطي للسحر. وكم من ساحر خرب بيوتا وفرق عائلات، وضاعت بعمله، حقوق يتامى… فأين خوفهم من يوم الحساب، وأين خوفهم من لقاء الله عز وجل ?
وليعلم الساحر والساحرة، أنهم لن يغيروا مجرى الأمور بمكرهم وسحرهم، لأن الأمر يرجع كله إلى الله سبحانه.
لقوله تبارك وتعالى: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) التوبة
وقوله عز وجل: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (102) البقرة
ولحديث رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم, حيث قال: ” لو اجتمعت الانس والجن على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعت الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.”[1]
————————————————-
مجموع فتاوى ابن عثيمين المجلد 1 باب السحر[1]
بلاء من عند الله , فمن تعلمه كفر[2]
بإرادته[3]
اختاره استبدله بكتاب الله[4]
صحيح البخاري 6857[5]
كذاب, فاجر[6]
يلقون ما استرقوه من السمع إلى الكهنة و يزيدون فيه كذبا كثيرا[7]
بعدد شهور السنة[8]
بالشهب[9]
خطفه[10]
كوكب يضيء و يحرقه[11]
صحيح البخاري 3210[12]
صحيح مسلم 1669[13]
سنن أبي داوود باب التنجيم 3902[14]
مسند أحمد- إسناده صحيح- المحدث: احمد شاكر – 123/3[15]
نيل الوطار الشوكاني-3202[16]
[17] الطاقة السلبية بفعل السحر، تؤثر على الهالة الخارجية وتسبب للشخص نفور أو تعطيل أو نحس، لا يصادف خيرا في أموره، والربط، هو تعطيل يصيب الأزواج وقت المعاشرة: بتأثير من السحر
[18] حالات مرضية تصيب المسحور، لا تنتهي ولا يفيد فيها دواء.
[19] سنن الترمذي كتاب صفة يوم القيامة-ج 2516 – 4 /667, الراوي عبد الله ابن عباس (ض)