سبل النجاة من الفتن – الشيخ مصطفى العدوي
سبل النجاة من الفتن – الشيخ مصطفى العدوي
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين يُجيب دعوة المضطرين، ويكشف البأساء عن المتبائسين، ويكشف الضرَّ عن المتضررين.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُكرم ويُهين، ويعز ويُذل، ويرفع ويخفض، بيده القسط، يُرفع إليه عمل النهار قبل الليل، وعمل الليل قبل النهار.
وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله الله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، يُبيِّنُ للناس ما نُزِّلَ إليهم ولعلهم يتذكرون.
إخواني -بارك الله فيكم- من أعظم المخارج من الفتن التي تمرُّ بأمة محمد -صلى الله عليه وسلم: دعاء الله سبحانه، ورجاؤه -عز وجل-، هذا شيءٌ نافع لنا في سرَّائنا وفي ضرَّائنا، وفي منشطنا وفي مكرهنا، وفي جهادنا لإعلاء كلمة الله وفي سكوننا.
دعاء الله -سبحانه وتعالى- من أعظم الأسباب المستجلبة لفرج الله، من أعظم الأسباب المستجلبة لنصر الله، من أعظم الأسباب المستجلبة لرفع الضرِّ عن المتضررين، والبأساء عن المتبائسين، يفرج الله به الكربات، ويوسع الله به الأرزاق، ويصرف الله به السوء والمكروه.
ولذلك سلكه أنبياء الله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- بعد أن ضاقت بهم السبل، وقبل أن تضيق بهم السبل سألوا الله في السراء وفي الضراء؛ فاستجاب الله لهم دعاءهم، وكشف ما بهم من ضرٍّ.
فها هو نبي الله نوح -عليه الصلاة والسلام- فانشقَّت السماء وفجِّرَت بماءٍ منهمر، وكذلك ما فجرت الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمرٍ قد قُدر إلا بعد قوله ودعائه: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر: 10]، إلا بعد دعائه {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح 26، 27].
إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وقد طال عقمه ولم يُرزَق بأولاد في أغلب حياته، ما رُزِقَ بالولد إلا بعد قوله: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100]، فبُشِّر بغلام حليم.
وما سلَّمه اله من خصومه وأعدائه إلا بعد دعائه ورجائه، فكانت النار عليه بردًا وسلامًا بسبب إيمانه ودعائه ورجائه.
ثم كذلك موسى -عليه السلام- ما أُكرِم بالذي أُكرِمَ به إلا بعد دعائه: {عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ} [القصص: 22]، {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 21].
وما وُسِّعَ على سليمان في حياته ووُهِبَ ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعده إلا بعد استذكاره ودعائه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35].
ويونس -صلى الله عليه وسلم- ما سلَّمه الله من الكروبات، وما نجَّاه الله من الظلمات إلا بعد دعائه وسؤاله ورجائه واعترافه بالذنب بين يدي ذلك: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].
وكما قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء 87، 88].
وأيوب -عليه السلام- قبله ما شُفيَ من ضرٍّ عجز الأطباء عن دوائه إلا بعد سؤاله وبعد رجائه وبعد دعائه، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء 83، 84].
وهكذا يستمرُّ دعاء هذا الموكب الكريم من رسل الله الكرام، فزكريا -عليه الصلاة والسلام- يُستجاب له على الكبر فيوهب بيحيى، بعد دعائه ورجائه: {رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89]، {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} [آل عمران: 38].
ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- جمع بين ذلك كله، في كل المواطن تراه داعيًا راجيًا، سائلًا مخبتًا أوَّاهًا منيبًا -عليه الصلاة والسلام- يسأل الله سعة في الأرزاق، ويسأل الله كشف الضرِّ إذا أصابه الضرُّ، ويسأل الله النصرَ على عدوِّه، ويسأل الله أن يهديه سواء السبيل.
في كل شأنه تراه داعيًا، تراه راجيًا، تراه مخبتًا، تراه أوَّابًا -عليه صلوات الله وتسليماته.
هذا وغير هؤلاء كثير، ولقد قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
وكذلك نقرأ قول الله -تبارك وتعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف 54، 55]، فإذا كان الخلق هم خلقه، والأمر فيهم أمره، له الخلق وله الأمر؛ فمن ثَمَّ لا يُعدَلُ عن دعائه، ولا نبتعد عن رجائه، فلذا جاءت الآية الآمرة بالدعاء: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].كذا يقول ربنا -جل وعلا.
وقال تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 65].
وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].
وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60].
فكل هذه النصوص وغيرها كثير وكثير تحملنا على إنزال كل حوائجنا بالله -تبارك وتعالى- هو الذي يرى الضر ويكشف الضر، ويجيب المضطر، وهو الذي يبسط ويوسِّع، هو الذي يصرف الأمور، ويُذهب الغموم -سبحانه وتعالى.
وهو الذي يُسلِّمك ويشفيك ويعافيك ويكفُّ أيدي الظالمين عنك، ويصرف عنك كلَّ مكروه وكل سوء.
يُحب ربنا ذلك منِّا، يحبُّ ربنا منا أن ندعوه، وأن نُكثر من دعائه، وأن نلحَّ في دعائه، ربنا يحب منا ذلك، يحب منا أن نسأل، وأن نرجوا ونرجوا، وكما قال القائل:
اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ ** وَبُنَيَّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ
هكذا قال الشاعر، وصدق فيما قال.
فربك يحب منك الرجاء، يحب منك الدعاء؛ بل وإذا رآك ربك منصرفًا عن دعائه سُلِّطَ عليك البلاء كي تدعو، كي ترجو، {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام: 43].
وكما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}[الأعراف: 94]. لماذا؟
قال: {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} [الأعراف: 94].
فكان من الجدير بنا أن نكثر من السؤال، وأن نكثر من الدعاء، وأن نكثر من الرجاء، من اقتفائنا شرائط الدعاء وأسباب القبول، من تطيب المطعم، ومن تطيب المشرب، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر «الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إليه السماء، يا رب يا رب، مطعمه حرام، مشربه حرام، ملبسه حرام، غُذِّيَ بالحرام؛ فأنَّى يُستجاب له!».
مستوفين شرائط الطعام المتضمنة ردَّ المظالم إلى أهلها، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وظلم العباد سبب في حجب دعائك عن القبول، فأنت تدعو والمظلوم يدعو، دعوة مَن تنتصر؟ دعوة مَن تقهر عن الدعوة الأخرى؟
إن دعوة المظلوم تقهر دعوة الظالم.
قال -عليه الصلاة والسلام: «وإياك ودعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام، ويقول: بعزتي لأنصرنَّك ولو بعدَ حين».
فواصل الدعاء، ولا تيأس من رحمة الله.
قال نبيك الأمين -عليه الصلاة والسلام: «يُستجاب لأحدكم ما لم يستعجل».
قالوا: يا رسول الله، وكيف الاستعجال؟
قال: «يقول: دعوت ودعوت ودعوت، فلم أرَ يُستجَب لي، فيستحسر عن الدعاء».
فواصل الدعاء، وأكثر من الرجاء، واعلم أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، واعلم أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون.
فجدير بك أن تكثر من الدعاء مستوفيًا شرائط القبول، والتي منها: السعي والأخذ بالأسباب، إذ الله قال: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
وقال: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121].
وهو -عليه الصلاة والسلام- يعلم تمام العلم، ويوقن تمام اليقين أن النصر من عند الله، ولكن كما قال: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
قل كما أُمِر رسولك -عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، ومع قوله {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}، يتعلم -عليه الصلاة والسلام.
ويسلك المتعلمون سبل التعلم مع يقينهم أن الله هو الذي يُعلّم وهو الذي يُوفِّق، وأن الفهم من الله، ولكن سعيًا للأسباب والتماسًا لها يبذلون قصارى الجَهد في التعلم والتحصيل.
لذا كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يذهب في الليالي الباردة ذات الرياح الشديدة، ذات الرمال الشديدة، يذهب في الليالي الباردة إلى صاحب رسول الله جابر بن عبد الله في الليل البهيم، يطرق عليه الباب، يخرج له جابر.
من أتى بك يا ابن عباس؟
قال: جئتُ أتعلم منك كذا وكذا.
فيقول: رحمة الله عليك يا ابن عباس، رحمك الله يا ابن عم رسول الله، هلا جلستَ في بيتك ونحن نأتيك؟
قال: لا، إنما يؤتى للعلم.
فمع دعاء رسول الله «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل»؛ لكن لم يتكاسل عن التعلم، فأخذ بالأسباب مع الدعاء والرجاء كي يستجيب الله لك دعاءك.
وفي الحديث: «تداووا عباد الله، فإن الله ما أنزل داءً إلا انزل له دواءً، علمه مَن علمه وجهله مَن جهله».
فدعاءٌ مع استغفار مع ردٍّ للمظالم إلى غيرها مع الأخذ بالأسباب، كل ذلك سبب للنجاة من الفتن التي تمرُّ بأمة محمد -عليه الصلاة والسلام.
كل هذا مع استقامة على أمر الله، مع استقامة وحسن امتثال لأمر الله -عز وجل-، فإن الحيود عن الطاعة سببٌ في العقاب، وسببٌ في البلاء، وسببٌ في الشقاء، {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112].
أيُّها الإخوة، أسباب السلامة دومًا في كتاب رب العالمين، وفي سنة النبي الأمين -عليه أفضل صلاة وأتم تسليم- فالتمسوها، فكونوا لله ذاكرين، كونوا على الخلق محسنين، وكونوا لله داعين، كونوا مستقيمين على أمر ربكم، تجنوا ثمرة الطاعات ثمرةً بعد ثمرةٍ كما وعدكم ربكم، ووعده الحق، وقوله الصدق، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].
وكما قال ربكم وعزَّ مَن قائل وجلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه: {وَلَوْ أَنّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتّقَوْاْ لَكَفّرْنَا عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنّاتِ النّعِيمِ * وَلَوْ أَنّهُمْ أَقَامُواْ التّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رّبّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مّنْهُمْ أُمّةٌ مّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة 65، 66].
إخواني، جربوا بأنفسكم، جربوا طاعة ربكم، جربوا الاستغفار، جربوا الدعاء، جربوا الطاعة والإحسان، وانظروا إلى ثمرة ذلك؛ ستجدون -بإذن الله- ثمرة طيبة، ستجدوا -بإذن الله- انشراحًا في صدوركم، ستجدوا -بإذن الله- تخففًا من الذنوب، ومن المعاصي، ومن الأوزار.
إخواني، جربوا طاعة الله، جربوا دعاء الله، جربوا الرجاء، ستجدوا ثمرة ذلك نعيمًا وانشراحًا ورزقًا عاجلًا، وسلامة في الأبدان، وسلامة في الأولاد، وسلامة في الأهلين.
صدق الله إذا قال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
إخواني، ربكم يقول: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ} [النساء: 147]، ماذا يستفيد ربكم من تعذيبكم وأنتم له شاكرون؟ وأنتم به مؤمنون؟
{مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ}، استفادنا منه: أن الشكر مع الإيمان من أسباب صرف العذاب، ومع أسباب كشف الضر، {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ}.
وكما قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]، فالشكر مُؤذِنٌ ومُعلِمٌ بزيادة النعم، {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
وكذلك الاستغفار، وحسن التوبة والرجوع إلى الله، {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح 10-12].
فالله الله في الدعاء، لا تغفلوا عنه في الصغير وفي الكبير، فربك لا ينشغل بشيء عن شيء، لا يشغله كبير عن صغير، ولا جليل عن حقير.
إن احتجت أن تشرب: يا رب اسقني.
أن تُطعَم: يا رب أطعمني.
أن تُنصر: يا رب انصرني.
أن تُحفظ بلادك: يا رب احفظ بلادنا من شرور الشريرين، وعبث العابثين.
إن أردت تأليفًا بين القلوب: يا رب ألِّف بين قلوب المسلمين.
سخط عليك ساخط: يا رب أصلح ذات بيننا، يا رب اهدنا سبل السلام.
فضلًا عن دعائك ورجائك لرب العالمين أن يظلل عليك رضوانه، وأن يزودك بزاد التقوى، وأن يُلبسك لباسها.
ألا فاستغفروا ربكم إنه كان غفارًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد.
فإذا دعوتَ يا عبد الله ورجوت خالقك، ورجوت بارئك فلا تنسَ الدعاء بالسلامة أيضًا في الآخرة، فإن الدار الآخرة هي الحيوان، أي هي الحياة الباقية لو كانوا يعلمون، لا تدعُ لدنياك وتنسَ آخرتك.
إن ربكم يقول: {فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة 200، 201]، فلا تنسَ أبدًا الدعاء بالسلامة والأمان في الدارين، دار الدنيا ودار الآخر.
ألا ترون من دعاء أهل الإيمان: {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان 65، 66] ؟
ألا تسمعون تعوذات نبيكم المتواصلة الدائمة من النار؟ «أعوذ بك من النار»، «أعوذ بك من عذاب جهنم»، «أعوذ بك من عذاب القبر»؟!
فاسألوا الله السلامة والأمان في الدنيا وفي الآخرة على السواء.
قال الخليل -عليه السلام: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء 87-89].
فلا تنسَ أن تسأل ربك أن يستر عليك في الآخرة ولا يفضحك فيها ولا يشمِّت بك حاسدًا آنذاك.
لا تغفل عن سؤال الله أن يسلمك في الدنيا وفي الآخرة، فإن الخزي يوم القيامة هو الخزي العظيم، والفضيحة يوم القيامة هي الفضيحة العظمى -والعياذ بالله.
فلا تنسَ سؤال الله أن يؤمِّنك في الآخرة وأن يستر عليك، وأن يغفر لك الزلات، وأن يقيكَ الفضيحة يوم يبعثون، فهذا سؤال الخليل كما سمعتموه، {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء 87-89].
إخواني -بارك الله فيكم- من أسباب السلامة، ومن أسباب إجابة الدعاء: الضحية والبذل لهذا الدين القيِّم، كي يعليَه الله، كي يرفعه الله، فابذل لدينك ما استطعت من جَهدِك، من مالِك، من وقتك، من نفسك وأموالك، من أبنائك، ابذل لنصرة دينك، فإن ربكم يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
فابذل لنصرة دينك ما استطعت من جهد ومال ووقت، ولن يتِرَك الله عملك، ولن يبخسك الله حقك.
أيُّها الإخوة، إننا في هذا الزمان؛ بل وفي كل زمان نواجه أهل باطل، نواجه شياطين الإنس وشياطين الجن على السواء، يسعون في الأرض مفسدين، يسعون لتفريق كلمة المؤمنين، ولتمزيق جمعهم، وتمزيق وحدتهم، نواجه في كل زامن هذا الشيء. فجند إبليس نشطون، يبذولن من جهدهم ومن أموالهم، ساعين لنصرة باطلهم.
وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 36]، فترى نصرانيًّا كافرًا يبذل من ماله بزعمه لنصرة مَن سماه الرب يسوع، يبذل من الجَهد ومن الوقت ومن المال جهودًا وأموالًا لنصرة باطل، وأنت أولى بالحق، أنت أولى بنصرة دينك، فإنك تسأل ربك ما لا يسأله الآخر.
قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: 104].
أيُّها الإخوة، دومًا هناك صراع بين الحق وبين الباطل، فقد قعد الشيطان لابن آدم في أطرقه، قعد له في طريق الجهاد يصرفه عن طريق الجهاد، وفي طريق الإسلام يصرفه عن طريق الإسلام، وفي طريق الصدقة يصرفه عن طريق الصدقة، وفي كل سبيل من سبل الخير ترى شيطانًا يصدُّه عن الخير وعن سلوكه، وقد أقسم الشيطان وآل على نفسه أن يفعل ذلك إذ قال: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16]، لأقعدن لهم على كل طريق يوصِّل إلى مرضاتك، ويوصِّل إلى جنَّاتك كي أصرفهم عنه.
{لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف 16، 17]، هكذا أقسم، وجنَّد جنودًا من أتباعه من الإنس والجن يصدُّون أيضًا عن سبيل الله، وعن طريق الله، فهناك شياطين إنس تقف على طرائق الخير تصدُّ الناس عن سلوك طرائق الخير.
إذا دعوت الناس إلى شريعة صدُّوا الناس عن سلوك الشريعة، إذا دعوت إلى كتاب الله؛ إذا بهم ينفرون الناس عن كتاب الله ويطعنون في الدعاء إلى الله بأشدِّ صور الطعن، إذا دعوت إلى الصلاة؛ اتخذوها هزوًا ولعبًا، يجلبون بخيلهم ورَجِلِهم على خلق الله لصرفهم عن طاعة الله.
فإذا كان هناك أقوام شأنهم كذلك؛ فليكن شأننا دعوة الناس إلى طريق الله، تحبيب الناس في كتاب الله، في سنة رسول الله.
قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، فلو أنت قادم للصلاة أرشد ضالًا، انْهَ عن منكرٍ، افعل خيرًا تؤجر ولن تُكفر هذا الخير.
فابذلوا -بارك الله فيكم- من الجهد جهدًا لنصرة دينكم، ابذلوا من الوقتٍ وقتًا لنصرة دينكم، ولعل الله أن يُكرم البلاد وأن يُكرم العباد بدعوة شخص مخلصٍ أوَّاب، يدعو الله أن يسلم بلادهم، وأن يجمع بين قلوب إخوانه، وأن يعليَ كلمة ربِّه، لعلَّ الله أن يستجيب له فترحم بذلك أمة محمد، فطريق الأمة إذا لم تستقم على أمر الله إلى الشقاء إلى النكد، طريقها إذا لم تستقم على كتاب الله إلى شقاء وإلى نكدٍ.
قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
أيُّها الإخوة، بلادكم ودينكم، إن أسلمتم بلادكم لقوم يقودونها بغير شِرعة الله، لقوم يقودونها بِشِرعة الشياطين، إن أسلمتم بلادكم لمارقين من العَلمانيين واللبراليين وكنتم في بيوتكم لا تبذلون جهدًا ولا تُنكرون منكرًا؛ فإن العذاب ينزل عامًّا، يحلُّ بالجميع، وبلادكم ستُدمَّر وستغرق، ولكن إذا بذلتم من جهدكم جهدًا تعذروا بهذا الجَهد عن الله -سبحانه وتعالى- معذرة إلى ربكم، ولعلهم يتقون؛ فأنتم تعلمون أن الله سبحانه يسلِّم الذين ينهون عن السوء، يسلمهم وإن نزل العذاب على غيرهم.
قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165].
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [هود: 66].
فدائمًا الذين نهون عن المنكر يسلمهم الله.
حتى لا تغرق بلادنا، حتى لا تدمر، حتى لا تغرق؛ قوموا ساعين لهذا الدين، باذلين ما استطعم، {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7]، ذو القلم بلقمه، ذو اللسان بلسانه، ذو المال بماله، ذو الوجاهة بوجاهته، ليبذل كلٌ منَّا ما استطاع لنصرة دينه، لإعلاء كلمة الله، عائدةُ ذلك والله عائدة عليك أنت بالدرجة الأولى قبل غيرك، عائدةٌ بذلك، عائدةُ تضحيتك عائدةٌ عليكَ أنت قبل غيرك في الدنيا وفي الآخرة، فالله -سبحانه وتعالى- كتب كما قال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات 171- 173].
وقال: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21].
فابذلوا جهدًا لنصرة دينكم، ابذلوا جًهدًا لإعلاء كلمة ربكم، كلٌ يبذل ما استطاع، وإن عجزت فبالدعاء وبالرجاء متحريًا أوقات الإجابة في الثلث الأخير من الليل، في سجودك، بين الأذان والإقامة، عند إقامة الصلاة، تحرَّ هذه الأوقات الطيبة، وتحرَّ الأمكنة الطيبة، تحرَّ الدعاء يوم الجمعة وبعد عصرها، وأكثر من الدعاء، لعل الله أن يسلم بلدك، وأن يسلمك ويسلم أهلك.
ادعُ لنفسك، وثنِّ بوالديك وأهل بيتك وذريتك، وثلِّث بالدعاء للمؤمنين، وأتبِعْ ذلك بالدعاء لبلادك أن يسلمها الله، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح: 28]، هكذا يدعو نوح العبد الشكور -عليه السلام- ومنه نتعلم، {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا} [نوح: 28].
ويتبعه في هذا الدعاء الخليلُ إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم 40، 41].
فادعُ لنفسك، وادعُ لذريتك ولأهل بيتك وللمؤمنين والمؤمنات، لعل الله أن يصرف الضر عن أمة محمد -عليه الصلاة والسلام.
اللهم اكشف عنا الضر، اللهم اصرف عن الشرك، اللهم ولِّ علينا خيارنا، واصرف عنَّا الأشرار يا رب العالمين، اللهم اصرف عنا الأشرار، اللهم سلم مصر وبلاد المسلمين من كل مريد للمكروه بها، ومن كل مريد للسوء بها يا رب العالمين اللهم اجعلنا وإياكم مستقيمين على أمرك.
اللهم يا رب ارزقنا طاعتك، وارزقنا خشيتك في السرِّ والعلن يا رب العالمين.
يا رب أحلل علينا رضوانك، فلا تسخط علينا بعده أبدًا، اللهم ألِّف بين قلوبنا، اللهم ألف بين قلوب المؤمنين واجمع صفوفهم ووحد كلمتهم، واصرف عنهم نزغات الشياطين يا رب العالمين، اللهم اصرف عنهم شياطين الإنس وشياطين الجن، واحفظهم من بين أيديهم من خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ومن أسفل منهم.
اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك، فقوِّنا وانصرنا على أهل الكفر البغاة الطغاة، إنهم يا ربنا لا يعجزونك، علمنا انك عزيز قادر، علمنا أنك قادر وقدير؛ فيا رب سلِّم بلاد المسلمين من كلِّ مريدٍ للسوء، ومن كلِّ مريدٍ للمكروه بها يا رب العالمين، واكشف عنها الضر، وأبدلها أمنًا وأمانًا وإيمانًا وإحسانًا وإسلامًا يا رب العالمين.
يا مجيب دعوة المضطرين، يا مجيب السائلين، يا من قلت وقولك الحق {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، هذا دعاء العاجزين، وأنت خير من أقال العثرات، وخير من أجاب الدعوات، وخير مَن حفظ من الزلات؛ فارفع عنا ما نحن فيه من ضر، ارفع عنا وعن بلادنا ما هي فيه من بلاء.
اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، فك أسرانا وأسرى المسلمين، واقضِ الدين عنا وعن المدينين أجمعين من المسلمين يا رب العالمين.
اللهم يا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأقرَّ أعيننا بلذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.
واجمعنا مع مَن أحببناهم فيك، مع رسل الله الكرام، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
صلُّوا وسلموا على الهادي البشير النذير محمد -عليه الصلاة والسلام- فإن صلاتكم تصل إليه، فيا رب مصليًا مسلمًا، فصلوات ربي على هذا النبي وآل بيته وصحبه الكرام الأخيار.