تنظيم الوقت وأهميته
تنظيم الوقت وأهميته – محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
الوقت هو أغلى ما يملكه الإنسان، وهو هبة من الله لجميع البشرية وهو غال ونفيس ، وما ذهب من الوقت لا يمكن أن يعود بأي حالة من الأحوال. والوقت مورد هامّ وهو أداة للتقييم والرقابة، فنعمة الوقت وجدت لتحديد الفترات الزمنيّة والبداية والنهاية لكل شئ
والوقت لا يحفظ ولا يتمّ تحزينه للاستخدام، فالوقت أمر معنويّ غير ملموس، لا يوجد فيه التقديم ولا التأخير، والوقت أغلى من الذهب والفضة ومن كل كنوز الدنيا، لأنّ المال إذا فُقِدَ يمكن أن يُعَوَّضَ، و العمر إذا ضاع لن يُعَوَّضَ، والعمر هو مزرعتك الذي تجني ثمارها في الدار الآخرة، قال الله تعالى لأهل الجنة (كُلُوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية) [الحاقة:24]
تنظيم الوقت في الكتاب والسنة :
أقسم الله تعالى بالعصر بقوله : “والعصر إن الانسان لفي خسر”. وقد جاء ذكر الوقت في القرآن الكريم بصيغ مختلفة : العصر, الآن, اليوم, الخلد , الأبد, السرمد… ولقد جعل الله عز وجل لنا معالم كونية لنهتدي بها إلى الوقت, لأهميته في حياتنا: “وهو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب”.
ونحن سنحاسب يوم القيامة عن وقتنا سيئه وحسنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يُسْأَلَ عن خَمْسٍ: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم” رواه الترمذي(2416) (حديث صحيح).
ولتكن نيتنا في الخير فيما نعجز عنه من العمل، ولنحذر الغبن، (وهو: عدم استغلال الخير) فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” رواه البخاري (6412).
ولنقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وبسلفنا الصالح، الذين كانوا يحافظون على أوقاتهم. قال تبارك وتعالى :لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذَكَرَ الله كثيرا)[الأحزاب:21]، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم محافظا على وقته فكان مُعَلِّمًا للخير ومجاهدا في سبيل الله، حتى بارك الله له في عمره فَبَلَّغَ الدين وبنى الأمة في مدة وجيزة. كما كان سلفنا الصالح يحرصون على أوقاتهم وكانوا يستثمرون كل لحظة منها في الطاعة والفائدة .
ولقد جاء في الحكم : “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”. و”مِنْ علامة المَقْتِ إضاعة الوَقْتِ” . وقال الحسن البصري، رحمه الله تعالى: “لقد أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد حرصا منكم على أموالكم” وقال عمر بن عبد العزيز، رحمه الله تعالى: يا ابن آدم إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويقول آخر: “من كان يومه كأمسه فهو مغبون”. وقال بعضهم (نهارك ضيفك فأحسن إليه ، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك ، وإن أسأت إليه ارتحل بذمّك وكذلك ليلك)
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي.
واقتداءا بالصحابة الكرام والصالحين , علينا أن نحذر من تضييع الأوقات فيما لا يفيد، فإن كثيرا من الشباب اليوم يقضون أوقات فراغهم قي “قتل الوقت”، وهو في الحقيقة قتل للنفس وللعمر، حيث صار كثيرٌ من الناس يمضون أعمارهم في تفاهات الأمور كالجلوس في المقاهي أو مجالس اللغو حيث يشتغلون بالغيبة والنميمة وأذى للناس أو التفرج على المسلسلات التافهة والفاسدة, أو الاشتغال بالحاسوب أو الجوال فيما لا يفيد ، وقد يبخل بعضنا بالوقت عن فعل الطاعات، فإذا ذهب إلى المسجد فكأنه في سجن حتى يخرج منه، وإذا دخل في الصلاة فكأنه مربوط بالسلاسل يحاول الهروب، ويسابق الإمام ، وإن صلى وحده نقر الصلاة كما ينقر الديك الحبوب، وبعضهم لا يأتي الجمعة إلا في آخر الخطبة. وإذا كُلِّفَ بعمل دنيوي نافع لم يقم به على الوجه اللائق، بل ينشغل عنه بالقيل والقال والغيبة والنميمة والكلام في شؤون الناس.
ومعظم الناس غير راضين عن حياتهم وواقعهم بسبب عدم معرفتهم لأهمية الوقت، وهذا ما يسبب لهم الكثير من الاضطرابات النفسية، فعلماء النفس يؤكدون على أن معظم الأمراض النفسية تنشأ نتيجة عدم الرضا عن الواقع.و بالمقابل, تنظيم الوقت باستغلاله في أعمال مفيدة ونافعة، يجلب لنا السعادة . وكمثال على ذلك حفظ القرآن الكريم.
فالقرآن يعلمك كيف تستثمر وقتك بالكامل، فكل لحظة هناك عبادة أو ذكر أو صلة رحم أو علم و عمل نافع. و عندما تعلم بأن الله تعالى يسمعك ويراك , وأنت تذكر الله عز وجل ، فإنك تشعر بالطمأنينة وهي تغمرك. لذا يجب عليك أن تحافظ على العبادات في وقتها، فإنها تُقَرِّبُك إلى الله تعالى، وأن تهتم بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبسِيَرِ الصالحين للاقتداء بهم, مما سيشعرك بالسعادة ويزيد من طاقتك في إنجاز ما تريد إنجازه.
نظريات في تنظيم الوقت :
هناك عدة نظريات لتنظيم الوقت نذكر بعض منها باختصار فيما يلي :
نظرية ديفد آلن David Allen
نحدد المهام التي نريد القيام بها, ثم نبدأ بتطبيق المهمة السهلة , ونتدرج مع المهمات الأخرى حتى نصل إلى الأصعب بعد أن نكون قد تدربنا على العمل . المهم بالنسبة لهذه النظرية هو تجاوز حاجز “الخطوة الأولى”.
نظرية إيزنهاور Eusenhower
تعتمد هذه الخطة على ترتيب المهام حسب أهميتها و إن كان هناك التزام أو وقت محدد لأدائها. ويرتب المهام إلى أربعة أقسام ويبدأ ب: – المهام العاجلة والمهمة , ثم– المهام العاجلة الغير المهمة, ثم – المهام المهمة والغير العاجلة, ثم المهام الغير المهمة والغير العاجلة. وهذه الأخيرة يمكن أن نكلف شخص آخر لأدائها.
نظرية أو قائمة بريان تراسي Brian Tracy
ويقسم القائمة إلى أربع مهام حسب الزمن :- المهام السنوية – المهام الشهرية – المهام الأسبوعية – المهام اليومية. وهذه القائمة تكون حيوية وتتغير باستمرار. وضعفها يكمن في إمكانية تأجيل بعض المهام , لأن هذه اقائمة تضم عددا كبيرا من المهام, غالبا لا يمكن إنجازها كلها.
نصائح عامة لتنظيم الوقت :
و سنذكر فيما يلي بعض النصائح العامة التي قد تساعدك على التفاعل مع الوقت بشكل أفضل وأكثر راحة:
— استغلال الوقت: استغلال الوقت ليكون في مصلحتنا وخدمتنا، من خلال تقسيم الوقت اليوميّ لجدول أعمال بسيط، مما يساعدنا على الحصول على استغلال أعلى للانتاج. والالتزام بالمداومة على هذا البرنامج اليومي الذي حددناه.
— تحديد الأولويات والأهداف: يجب علينا تحديد الأعمال وتواريخ إنجازها والمهام التي يجب إنجازها قبل الأخرى، فالأولويّات الثانوية يمكن تأجيلها لبعد انجاز الرئيسية.
— إدراك أهمية الوقت واستثماره بشكل جيد: حاول أن تستثمر الأوقات الهادئة والمميزة،
— ترتيب الأوقات: بشكل جيد كالقيام بجميع الأعمال المتشابهة في نفس الوقت، وعدم الممطالة والتأجيل في القيام بالأعمال.
— الحزم في القرارات الصادرة والحرص على عدم التأجيل: لأن تأجيل الأمور عادة ما يكون سيّئ في الحياة العملية والاجتماعية، فلا أحد يعرف ما قد يحدث في اليوم التالي، فيجب اتّباع الجدول اليوميّ ومحاولة عدم التغيير إلا للأفضل.
— الاستيقاظ الباكر: والالتزام بمواعيد النوم اليوميّة والمناسبة لطبيعة الدراسة أو العمل، حتى يتمّ إنجاز الأعمال على أكمل وجه ممكن.
نصائح (خطوة- خطوة), لتنظيم الوقت :
وإليك بعض النصائح لوضع خطة لتنظيم الوقت:
قم بكتابة جميع نشاطاتك حسب أولويتها في قائمة يمكنك مراجعتها.
حدد وقت لكل نشاط واحرص على عدم تجاوز هذا الوقت.
اترك متسع لك للحالات الطارئة. لا تقم بجدولة الوقت كاملاً. فكّر دائماً بوقت للراحة حتى لو كان 15 دقيقة.
التزم بقائمتك. ولا تفرط في التنظيم
الخاتمة :
أخي المسلم وأختي المسلمة إذا أردتَ أن تحصل على السعادة فتعلم كيف تستثمر وقتك، ولا تمضه في اللهو والعبث, ولا تترك حياتك ووقتك تتحكم فيه الأهواء والظروف , لكي لا تتعب.
وإدارة الوقت الناجحة تعني النجاح في دراستك وعملك وفي حياتك. فلنحرص جميعا على عدم ضياع الوقت, وأن نكون جديون في حياتنا وأن نبتعد عن الفوضى وعدم التنظيم, و أن نبتعد عن المُضَيِّعِينَ لأوقاتهم, ونتعلم من تنظيم وقتنا الدِّقَّة والنِّظام, وأن ندرب النفس على المحافظة على الوقت وتنظيمه، والصبر على ذلك حتى نحس بحلاوة وثمرة تنظيم الوقت.- تنظيم الوقت وأهميته – محمد بوطاهر-