إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان

إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان –  الامام شمس الدين ابن القيم الجوزية

     رابط  الكتاب للتصفح أو التحميل ..(جزئين في مجلد واحد) ..

المجلد… المقدمة.…

إن الله سبحانه لم يخلق خلقه سدى مهملا، بل جعلهم موردا للتكليف، ومحلا للأمر والنهى، وألزمهم ( فهم ) ما أرشدهم إليه مجملا ومفصلا وقسمهم إلى شقى وسعيد، وجعل لكل واحد من الفريقين منزلا، وأعطاهم مواد العلم والعمل: من القلب، والسمع، والبصر، والجوارح، نعمة منه وتفضلا، فمن استعمل ذلك فى طاعته، وسلك به طريق معرفته على ما أرشد إله ولم يبغ عنه عدولا، فقد قام بشكر ما أوتيه من ذلك، وسلك به إلى مرضاة الله سبيلا. ومن استعمله فى إرادته وشهوته ولم يرع حق خالقه فيه يخسر إذا سئل عن ذلك، ويحزن حزنا طويلا. فإنه لا بد من الحساب على حق هذه الأعضاء لقوله تعالى: {إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36].

و لقد نصب الشيطان شباكه لبني آدم أجمعين لقوله تبارك و تعالى (قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين) الأعراف 14-15. و لقد جاءت الآيات متوالية في التحذير من خطر الشيطان لعنه الله. و الأحاديث تترى في تبيين شره و ضرره, فانتفع بذلك من وفقه الله تعالى للخير فاجتنب مصايده . قال النبي صلى الله عليه و سلم ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله), فالإنسان مالكها و المسؤول عنها.ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه، أجلب على بني آدم بالوساوس، وأقبل بوجوه الشهوات عليهم، وزين لهم من الأقوال والأعمال ما يصدهم عن الطريق، وأمدهم من أسباب الغي بما يقطعهم عن أسباب التوفيق، ونصب لهم من المصايد والحبائل ما إن سلموا من الوقوع فيها ، فلا نجاة من مصايده و مكايده إلا بدوام الاستعانة بالله.والتعريض لأسباب مرضاته، والتجاء القلب إليه، وإقباله عليه فى حركاته وسكناته، والتحقق بذل العبودية الذى هو أولى ما تلبس به الإنسان ليحصل له الدخول فى ضمان {إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] فهذه الإضافة هى القاطعة بين العبد وبين الشياطين، وحصولها يسبب تحقيق مقام العبودية لرب العالمين، وإشعار القلب وإخلاص العمل ودام اليقين، فإذا أشرب القلب العبودية والإخلاص صار عند الله من المقربين، وشمله استثناء {إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 40].
ولما من الله الكريم بلطفه بالاطلاع على ما اطلع عليه من أمراض القلوب وأدوائها، وما يعرض لها من وساوس الشياطين أعدائها، وما تثمر تلك الوساوس من الأعمال. وما يكتسب القلب بعدها من الأحوال. فإن العمل السيئ مصدر عن فساد قصد القلب، ثم يعرض للقلب من فساد العمل قسوة، فيزداد مرضا على مرضه حتى يموت، ويبقى لا حياة فيه ولا نور له. وكل ذلك من انفعاله لوسوسة الشيطان، وركونه إلى عدوه الذى لا يفلح. إلى من جاهده بالعصيان