أين نحن من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم- بقلم – محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني-
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا و أنت تجعل الحزن سهلا.
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره … ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. اللهم صل وسلم أفضل الصلاة والتسليم على خير خلق الله سيدنا وحبيبنا محمد خاتم الأنبياء و المرسلين وعلى آله و أصحابه الطيبين الطاهرين. و بعد,عنوان البحث: أين نحن من خلق رسول الله
عَنْ سهل بن معاذ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ : أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ” أَفْضَلِ الإِيمَانِ ؟ فَقَالَ : إِنَّ أَفْضَلَ الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ وَتُبْغِضَ لِلَّهِ ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ ” ، قَالَ : ثُمَّ مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: وَأَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ، وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا أَوْ تَصْمُتَ مسند الإمام أحمد
و الحب لله هو الحب للمؤمن من أجل دين الله وطاعته وللامتثال لأوامره لا لمصلحة دنيوية أو قرابة، والبغض عكسه، فهو بغض العاصي بسبب معصيته بقدر معصيته وبغض الكافرين والبراء منهم.
قال تعالى عز وجل في محكم كتابه : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [ سورة آل عمران: 31 ]
وهل محبة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلا من محبة الله تعالى . وهل طاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلا من طاعة الله عز وجل.
عنانس ابن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار . رواه مسلم والبخاري
قال ابن حجر: في شرح الحديث, قال يحيى بن معاذ: حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء
و حب رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب على كل مسلم. فالرسول صلى الله عليه وسلم يستحق منا كمسلمين المحبة الخالصة بعد محبة الله عز وجل كيف لا, وهو من بسببه, اهتدينا إلى الإسلام، وكفانا أن من أعظم معجزاته و أوضح دلالاته, القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد . القرآن الكريم الذي حير الفصحاء وشهد بإعجازه المشركون والملحدون.كيف لا نحبه ونحن جميعا نطمح أن يكون شفيعنا يوم القيامة. كيف لا ونطمع أن نشرب شربة من حوضه إن شاء الله.
فعن أنس -رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))(رواه الشيخان)،
فحب النبي – صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون بعد حب الله تبارك وتعالى،و أعظم من حب الولد والزوجة, والوالد، والإخوة، وأعظم من حب المال والدنيا وما فيها، بل أعظم من حب النفس،
جاء رجل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم-فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: ما أعددت لها؟ قال: ” ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله قال: “أنت مع من أحببت“حديث أنس بن مالك-رواه الشيخان.
و محبة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- طريق إلى الجنة، ودليل كبير على إيمان المرء وإخلاصه لله. و الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه و أعظم برهان على صدق محبتنا إياه.
اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وصل عليه في الآخرين وصل عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
وسنذكر فيما يلي بعض شمائله الكريمة وسنقتصر على خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وما لمكارم الأخلاق من أثر في صلاح المجتمع الإسلامي.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن الله عز و جل أدبني وأحسن تأديبي [الفتاوى الكبرى ابن تيمية].
وعن سعد بن هشام بن عامر رضي الله عنه, قال : أتيت عائشة رضي الله عنها فقلت : يا أم المؤمنين أخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قالت : كان خلقه القرآن أما تقرأ القرآن, قول الله عز و جل : وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4} القلم.
قال ابن كثير في تفسيره للحديث : أنه صلى الله عليه وسلم ألزم نفسه أن لا يفعل إلا ما أمره به القرآن ولا يترك إلا ما نهاه عنه القرآن. فسار امتثال أمر ربه خلقا له و سجية. – الفصول في سيرة الرسول. ابن كثير.
ولقد ذكر الترمذي في كتابه الشمائل المحمدية “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر. وكان مجلسه مجلس علم وحلم وحياء و أمانة وصبر لا ترفع فيه الأصوات كانوا يتفاضلون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب” .
“وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب.قد ترك نفسه من ثلاث : المراء والإكثار وما لا يعنيه . وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيبه ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه”.-الشمائل-
وكان صلى الله عليه أعلم الخلق بالله. أفصح الخلق نطقا. و انصح الخلق للخلق ..
قال ابن القيّم في الفوائد: جمع النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- بين تقوى اللّه وحسن الخلق، لأنّ تقوى اللّه تصلح ما بين العبد وبين ربّه, وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه. فتقوى اللّه توجب له محبّة اللّه, وحسن الخلق يدعو النّاس إلى محبّته
ومن أهم صفاته الأمانة والصدق : لقد كان التاجر الصادق الأمين لا يغش ولا يخدع ولا يدلس ولا يكذب. و من أجل ذلك اختارته قريش ليحكم فيما بينهم بعدما اختلفوا في شرف من يضع الحجر الأسود في موضعه أثناء عملية إعادة بناء الكعبة, إثر تعرضها لسيل جارف. فبسط صلى الله عليه وسلم رداؤه وقال: ((لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم وضع فيه الحجر، وأمرهم برفعه حتى انتهوا إلى موضعه، فأخذه ووضعه فيه)) وبذلك انفض النزاع بين قبائل قريش.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا صلى قام حتى تتفطر رجلاه .. قالت عائشة : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا رواه مسلم . ومع ذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحيما بأصحابه في صلاته بالناس ويقول : إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء .رواه البخاري.
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينهى عن التشدد والغلو في العبادة فيقول : .. عليكم بما تطيقون ، فو الله لا يمل الله حتى تملوا ،ـ وكان أحب الدين إليه ما دوام عليه صاحبه.رواه البخاري.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مثالا للاعتدال والوسطية في سلوكه و عبادته فقد كان يصوم ويفطر وينام ويقوم وكان لا يدع قيام الليل ، ويأتي أهله ويجلس مع أصحابه ، ويعطي كل ذي حق حقه .
وكان صلى الله خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاملته وكان يعاشر زوجاته بالإكرام والاحترام ، يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم.
وفي حديث عن عائشة رضي الله عنها, قال صلى الله عليه وسلم :إن أكمل المؤمنين إيمانا, أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله.
ومن رأفته بالصبيان نذكر أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بالصبيان سلم عليهم وكان يحمل أمامه بنت زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس وكان ينزل من الخطبة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بين يديه. ومن رأفته بمن يخدمه – قالت السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.
وكان مثالا للرحمة – قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107 . وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم “إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة” – رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة أصحابه سواء إذا دعي من طرف الحر ,العبد ,الغني أو الفقير و كان يعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر.
وكان أبعد الناس عن الكبر ، كان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله رواه البخاري.
وكانت سمته التواضع : عن أبي أمامة الباهلي قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا – رواه أبو داود أبن ماجة وإسناده حسن.
وكان أكرم الناس و أكرم ما يكون في رمضان.و من كرمه صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها صلى الله عليه وسلم .
ولقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أكثر رسل الله دعوة وبلاغـًا وجهادًا ، لذا كان أكثرهم إيذاءً وابتلاءً ، منذ بزوغ فجر دعوته إلى أن لحق بربه جل وعلا.
وكان صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه, وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان امتثالا لقوله عز من قائل : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) الفتح:29.
ومن صبر النبي – صلى الله عليه وسلم – صبره على فقد عمه أبو طالب، و زوجته خديجة، وأولاده كلهم في حياته إلا فاطمة، وفقد عمه حمزة.
و صبره على قومه أنه عندما اشتد الأذى به جاءه ملك الجبال يقول: يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس وقعيقعان.
ومن حلمه أن عفا عن قريش يوم فتح مكة ” قال رسول الله: يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء– إسناده ضعيف- فقه السيرة الغزالي –
ونذكر أيضا عفوه عن الأعرابي الذي بال في المسجد فأمر أصحابه بأن يتركوه. رواه مسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة. ولقد خيره الله تعالى بين أن يكون ملكا نبيا أو يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا.
وقد عاش رسول الله صلى عليه وسلم كأي إنسان بسيط لا يملك أحيانا قوت يومه قالت السيدة عائشة رضي الله عنها في حديث صحيح : ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (صحيح مسلم)
و قالت في حديث آخر كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: ما كان يُعيِّشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء (صحيح البخاري)
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال : بلى قال: هو كذلك (صحيح ابن حبان).
وزيادة على حسن معاملاته للناس, فقد اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم لطيف أسلوبه في دعوته، مما أسهم في الدخول إلى الإسلام لأفواج كثيرة من الناس ، استجابة لقول الله عز وجل: ادْعُ إِلِىَ سَبِيــلِ رَبّــكَ بِالْحِكْـمَةِ وَالْمَـوْعِظَـةِ الْحَسَنَـةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ … النحل:12.
اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وصل عليه في الآخرين وصل عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
ولنقف عند هذا القدر من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولنسأل أنفسنا أين نحن من هذه الأخلاق :
فأكمل المؤمنين إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمهم اتباعا، له وأسعدهم بالاجتماع – معه: المتخلقون بأخلاقه المتمسكون بسنته وهديه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه.(أبو أمامةالباهلي-أبو داود) و قال أيضا: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن؛ وإن الله يبغض الفاحش البذيء))(أبي الدرداء – الترمذي). وفي رواية: ((وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ))(أبي الدرداء – الترمذي).. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا.سنن الترمذي.
وعن النواس بن سمعان – رضي الله عنه – قال : سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن البِر والإثم ، فقال : ” البِر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ” رواه مسلم
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” ألا أخبركم بمن يَحرم على النار ، أو بمن تحرم عليه النار ؟ تحرم على كل قريب هيِّن ليِّن سهل ” رواه الترمذي
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه : إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا, و إن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون- قالوا يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما هم والمتفيقهون قال المتكبرون. (والمتشدق الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبذو عليهم. )–الترمذي.
ولقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتباع سنته و سنة الخلفاء الراشدين من بعده وترك فيهما كنزا من الحكمة العالية و إرثا ثمينا ومنهاجا متكاملا لا نضل بعده أبدا. فليكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوتنا لنسعد في الدنيا والآخرة ، فهنيئاً لمن اتبعه واقتفى أثره ،
قال الله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً الأحزاب:21
ولقد تركنا صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وخلفه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين. وكانوا خير خلف لخير سلف. وكانوا لنا القدوة الحسنة : لقد صبروا على الشدائد، وجاهدوا في سبيل الله ونشروا هذا الدين الحنيف وقدموا الغالي والنفيس، وبرهنوا أعظم دليل على صدق محبتهم لله و لرسوله.
و توالت السنين وانتشر الإسلام من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. وأصبح المسلمون أكثر نفيرا و ابتعدوا شيئا فشيئا عن دينهم وفرطوا في البلاد. و اختلف علماء الأمة الإسلامية وافترقت الأمة إلى مذاهب و فرق وسقطت في براثن الاحتلال ثم قسمت إلى دويلات من طرف الاستعمار الصليبي الصهيوني وسلبت منا القدس الشريف وفلسطين… و فقدت الأمة الإسلامية هويتها و انتزعت مهابتها, و ظهر الاستسلام والخنوع فيها,
واليوم يسجل المسلم البسيط بأسى عميق,اختلاف علماء الأمة الإسلامية وتطاحنهم, مما يفسح المجال لعناصر تعمل علنا وفي الخفاء على إفساد الشباب و كذا لإيقاد نيران الفتن بين المسلمين و على خراب البلاد و العباد .
و كنتيجة لذلك, ظهرت فرق غلت في الدين تسب الصحابة المبشرين بالجنة وأخرى تبدع و تكفر من لا يتفق مع أفكارها من المسلمين, تفسد أكثر مما تصلح. و ترهب وتستبيح دماءهم,
ونسجل أيضا باستغراب, ظهور التشيع والتنصير بين الشباب, والفرق “الإباحية” و “عبدة الشيطان”, في البلدان الإسلامية المنتمية لأهل الجماعة والسنة : فئة عريضة من الشباب انحرفت عن الصراط المستقيم, ومسؤولية انحرافها يقع على الآباء و العلماء و أولي الأمر.
ولقد تنبأ الصادق المصدوق بهذا كله, فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذ قال : يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها قال قلنا يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ قال أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن قال قلنا وما الوهن قال حب الحياة وكراهية الموت “رواه أحمد حديث حسن-
وقد حذرنا صلى الله عليه وسلم أيضا في حديث صحيح رواه مسلم بقوله : افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
أخي المؤمن أختي المؤمنة, فلنتساءل.. ما موقعنا اليوم من سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم?أين نحن من خلق رسول الله
كيف لنا أن نقيم حبنا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- و قد انتشرت من حولنا الأسقام والفواحش وفسدت الأخلاق وظهر في المجتمع استباحة دماء المسلمين. كيف للمسلمين أن يعبروا حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فرطنا في القدس الشريف أين نحن من نصرة المرابطين في المسجد الأقصى…
كيف لنا أن ندعي حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم و نحن في غفلة دائمة. لا نخلص أعمالنا لله. ونظهر عيوب الناس وننسى عيوبنا, نصر على المعاصي و نشتغل بالتسويف في الطاعات.., وهناك من شغلته الدنيا عن أداء الصلاة,..
ابتعدنا شيئا فشيئا عن جوهر الدين و عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم…, يظلم المرء نفسه ويظلم غيره… غوته الدنيا ونسي الآخرة, يعق والديه ولا يسلم الجار من بوائقه, وأصبح الصغير لا يوقر الكبير. و يتكبر بعضنا على البعض. وانتشرت في مجتمعنا الصفات المذمومة كالسحر و الشعودة والزنا, والبعض تجارته الغش و الحقد والحسد والنميمة والغيبة والكذب… وقد لا يحسن معاملة ذويه و لا يؤدي الأمانات ويشهد الزور و لا يزكي أموله,.وآخر يأكل أموال اليتامى وأموال المسلمين بغير حق,..
كيف لنا أن نجزم أننا نحب رسول الله ولم نرحم المسكين واليتيم والذي يفترش الأرض ويتغطى السماء, و لا يجد قوت يومه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حديث رواه أنس بن مالك “اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا ، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” حديث غريب- سنن الترمذي.
ماذا أعددنا للتصدي لأعداء الدين الذين يتربصون بنا, مستخفين وظاهرين, يسعون إلى إفساد شبابنا, تارة, بالأفكار المسمومة (و يسخرون لذلك أساليب مختلفة…), و تارة بالخمور و المخدرات و بالرذيلة…
و لقد تفشى الانتحار بين الشباب في المجتمع, واستعصى الدواء ولم نبحث عن الأسباب… إنا لله وإنا إليه راجعون…
كانت هذه بعض مظاهر الخلل الذي نعيشه في المجتمع الإسلامي. وللأسف, نفضل التعامل مع هذا الوضع بالا مبالاة… ترى ما الذي تغير فينا كمسلمين…
والحقيقة المرة, هي أننا فتنا في ديننا وفي حياتنا و نسينا أن الدنيا فانية واتبعنا سبل الشيطان ونحسب أننا مهتدون. وخرجت الرحمة من قلوبنا وابتعدنا شيئا فشيئا عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من رحم الله. وغاب الأمر بالمعروف من مجتمعاتنا… ما عدا بعض الأصوات الخافتة هنا وهناك.., لا يصغي لها إلا القليل…
ولن يتغيَّر حالنا من ذِلَّةٍ إلى عِزَّة, ومن ضعف إلى قوة, ومن هوانٍ إلى تمكين.. إلاَّ إذا اصطلحنا مع ربنا, وطبَّقنا شرعه, وتُبْنَا من ذنوبنا, وأخرجنا الدنيا من قلوبنا, وعَظُمَت الجنةُ في عقولنا. ولن تعود الأمة الإسلامية إلى سلطان الإسلام إلا إذا عاد المسلمون إلى دينهم, وتمسَّكُوا بشرع ربهم وسُنَّة نبيِّهم صلى الله عليه و سلم.(د.راغب السرجاني- العودة إلى الله- نصرة فلسطين)
ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يوصينا بالتمسك بسنته فيقول: “عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ… رواه العرباض بن سارية. (مسند الإمام أحمد ، صحيح الجامع)
فالصادق في حب النبي- صلى الله عليه وسلم- من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته وإتباع أقواله وأفعاله. وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في عسره ويسره،
فهذا هو خلق نبينا صلى الله عليه وسلم , الرحمة المهداة للعالمين. و لا إتباع له صلى الله عليه وسلم إلا بالاقتداء به والتخلق بأخلاقه والاتصاف بصفاته. واعلم أن الخلق الحسن بركة على صاحبه وعلى مجتمعه ، وخير ونماء ورفعة عند الله وسناء ، ومحبة في قلوب الخلق وطمأنينة وانشراح في الصدور ، وتيسير في الأمور ، وذكر حسن في الدنيا ، وحسن عاقبة في الأخرى ..وسوء الخلق شؤم ومحق بركة في الأعمار ، وبغض في الخلق وظلمة في القلوب ، وشقاء عاجل وشر آجل.
لهذا كله, يجب عليك أخي المؤمن وأختي المؤمنة, أن تبدأ بنفسك و بمحيطك وتكون رحيما بنفسك فتسوقها إلى ما يحبه الله ويرضاه وتجنبها المعاصي والمهالك،.وأن تكون رحيما بأسرتك رفيقا بها معتنيا بتنشئتها على محبة الله ورسوله وأن تكون رحيما بمن حولك من المؤمنين لَيِّنا معهم لاَ فَظّا غليظا، و أن تحسن معاشرتهم وأن تسعى إلى تقريبهم من ربهم سبحانه بالموعظة الحسنة.
ويجب على العلماء وأولي الأمر كل على حسب اختصاصاته, أن يعملوا على إصلاح ما يمكن أن يصلح في المجتمع الإسلامي و أن يحققوا وحدة الأمة العربية والإسلامية : وإن كانت الوحدة المنشودة صعبة المنال,فليبدأ أولي الاختصاص تدرجا بالجانب الاقتصادي حتى يعم الخير على المسلمين من الشرق إلى الغرب…وهو ما تطمح إليه الشعوب الإسلامية, وعملا بقول الله عز وجل : وَاعْتَصِمُواْ بحبل الله جميعا و لا تفرقوا …{103} آل عمران . والله ولي التوفيق.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وصل عليه في الآخرين وصل عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
اللهم أصلح أحوالنا وأحول المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها . اللهم وفق علماء الأمة و ولاة المسلمين إلى ما فيه خير البلاد والعباد. اللهم أحفظ بلدنا وسائر بلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم انصر من نصر الدين و اخذل من خذل المسلمين. اللهم انصر عبادك المرابطين بالمسجد الأقصى على الصهاينة الغاصبين.أمين.
اللهم اجعلنا من أحبابك وأحباب رسولك. اللهم املأ قلوبنا بمحبتك ومحبة نبيك، اللهم اجعلنا لهديه مهتدين ولسنته مقتدين، وعلى طريقه سائرين
اللهم اغفر لأمة سيدنا محمد اللهم ارحم أمة سيدنا محمد واهد أمة سيدنا محمد اللهم اجبر أمة سيدنا محمد وأصلح أحوال أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورد بها إلى دينك ووحد صفها بعزتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين. أين نحن من خلق رسول الله
الموضوع مختصرا بصيغة PDF أسفله, للتحميل ….
– أين نحن من خلق رسول الله ص-محمد بوطاهر بن أحمد بن الشيخ الحساني
المراجع :
مقال بعنوان محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم –حسين بن قاسم القطيش – موقع الألوكة
خطبة المسجد النبوي – 1431-5-23 هجرية – الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي – موقع الألوكة
حسن الخلق من محاسن الدين وعلامة التدين خطبة للشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي – موقع السكينة