زاد المعاد في هدي خير العباد

زاد المعاد في هدي خير العباد

زاد المعاد في هدي خير العباد - الامام ابن قيم الجوزية: هو الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي إمام الجوزية وابن قيمها، قال عنه ابن كثير رحمه الله: ولد في سنة إحدى وتسعين وستمائة فسمع الحديث من الشهاب النابلسي , والقاضي تقي الدين بن سليمان , وأبي بكر بن عبدالدائم , وعيسى المطعم , وإسماعيل بن مكتوم , وفاطمة بنت جوهر وغيرهم . واشتغل بالعلم وبرع في علوم متعددة لا سيما علم التفسير والحديث وتلقى الأصول والفقه على الشيخ صفي الدين الهندي , والشيخ اسماعيل بن محمد الحراني , فقرأ عليه (الروضة ) لابن قدامة ,و(الأحكام ) للآمدي و (المحصل ) و (الأربعين ) للرازي , و(المحرر) لابن تيمية الجد . ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمه إلى أن مات الشيخ فأخذ عنه علماً جما مع ما سلف له من الاشتغال فصار فريداً في بابه في فنون كثيرة مع كثرة الطلب ليلاً ونهاراً وكثرة الابتهال وكان حسن القراءة والخلق كثير التودد لا يحسد أحداً ولا يؤذيه ولا يستعيبه ولا يحقد على أحد وكنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جداً ويمد ركوعها وسجودها ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك رحمه الله وله من التصانيف العديدة- منها زاد المعاد و إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان و الوابل الصيب من الكلم الطيب و غيرها كثير وتوفي سنة 751 هـ.

About the Book

زاد المعاد في هدي خير العباد – الامام ابن قيم الجوزية 

روابط المجلدات للتصفح أو التحميل:

المجلد 1 .المجلد2.المجلد3….المجلد 4 ….المجلد5.المجلد6 (الفهارس)…

إن هدي سيدنا ونبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – هو التطبيق العملي لهذا الدين، فقد اجتمع في هديه كل الخصائص التي جعلت من دين الإسلام ديناً سهل الاعتناق والتطبيق، وذلك لشموله لجميع مناحي الحياة التعبدية والعملية والأخلاقية، المادية والروحية، ويعتبر كتاب – زاد المعاد في هدي خير العباد لإبن القيم الجوزية- 6 مجلدات- من أفضل ما كتب في هديه – صلى الله عليه وسلم – تقريب لهديه في سائر جوانب حياته؛ لنقتدي به ونسير على هديه – صلى الله عليه وسلم-  .

إختص الله نفسه بالطيب

والمقصود أن الله سبحانه اختار من كل جنس أطيبه، فاختصهم لنفسه، فإنه سبحانه وتعالى طيب لا يحب إلا الطيب، ولا يقبل من القول والعمل والصدقة إلا الطيب.

وبهذا يعلم عنوان سعادة العبد وشقاوته، فإن الطيب لا يناسبه إلا الطيب ولا يرضى إلا به، ولا يسكن إلا إليه، ولا يطمئن قلبه إلا به.

فله من الكلام الكلام الطيب الذي لا يصعد إلى الله إلا هو، وهو أشد نفرة عن الفحش في المقال والكذب والغيبة والنميمة والبهت وقول الزور وكل كلام خبيث.

وكذلك لا يألف من الأعمال إلا أطيبها، وهي التي أجمعت على حسنها الفطر السليمة مع الشرائع النبوية، وزكتها العقول الصحيحة، مثل أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويؤثر مرضاته على هواه، ويتحبب إليه بجهده، ويحسن إلى خلقه ما استطاع، فيفعل بهم ما يحب أن يفعلوه به.

وله من الأخلاق أطيبها، كالحلم والوقار، والصبر والرحمة، والوفاء والصدق، وسلامة الصدر، والتواضع، وصيانة الوجه عن بذل وتذلـله لغير الله.

وكذلك لا يختار من المطاعم إلا أطيبها، وهو الحلال الهنيء الذي يغذي البدن والروح أحسن تغذية مع سلامة العبد من تبعته.

وكذلك لا يختار مـن المناكح إلا أطيبها، ومـن الأصحاب إلا الطيبين. فهذا ممن قال الله فيهم: { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  } ([1])ومن الذين تقول لهم خزنة الجنة:     {  وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ([2])وهذه الفاء تقتضي السببية، أي: بسبب طيبكم

فادخلوها. وقال تعالى: {  الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌš([3])

ففسرت بالكلمات الخبيثات للرجال الخبيثين، والكلمات الطيبات للرجال الطيبين.

وفسرت بالنساء الطيبات للرجال الطيبين وبالعكس، وهي تعم ذلك وغيره.

والله سبحانه جعل الطيب بحذافيره في الجنة، وجعل الخبيث بحذافيره في النار، فدار أخلصت للطيب، ودار أخلصت للخبيث، ودار مزج فيها الخبيث بالطيب، وهي هذه الدار، فإذا كان يوم المعاد، ميز الله الخبيث من الطيب، فعاد الأمر إلى دارين فقط.

والمقصود أن الله جعل للشقاوة والسعادة عنوانا يعرفان به، وقد يكون في الرجل مادتان، فأيهما غلبت عليه كان من أهلها، فإن أراد الله بعبده خيرا طهره قبل الموافاة فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار. وحكمته تعالى تأبى أن يجاوره العبد في داره بخبائثه، فيدخله النار طهرة له، وإقامة هذا النوع فيها على حسب سرعة زوال الخبائث وبطئها.

ولما كان المشرك خبيث الذات، لم تطهره النار، كالكلب إذا دخل البحر.

ولما كان المؤمن الطيب بريئا من الخبائث، كانت النار حراما عليه، إذ ليس فيه ما يقتضي تطهيره، فسبحان من بهرت حكمته العقول.

فصل في وجوب معرفة هدي الرسول

ومن ههنا يعلم اضطرار العباد فوق كل ضرورة إلى معرفة الرسول وما جاء به، فإنه لا سبيل إلى الفلاح إلا على يديه، ولا إلى معرفة الطيب من الخبيث على التفصيل إلا من جهته، فأي حاجة فرضت وضرورة عرضت، فضرورة العبد إلى الرسول فوقها بكثير.

وما ظنك بمن إن غاب عنك هديه، وما جاء به طرفة عين فسد قلبك، ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي، وما ظنك بمن إن غاب عنك هديه، وما جاء به طرفة عين فسد قلبك، ولكن لا يحس بهذا إلا قلب حي، وما لجرح بميت إيلام ([4]). وإذا كانت السعادة معلقة بهديه صلى الله عليه و سلم فيجب على كل من أحب نجاة نفسه أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن خطة الجاهلين.

والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

———————————————-
([1]) سورة النحل آية : 32 .
([2]) سورة الزمر آية : 73 . 

Share via
Copy link