رجال الفكروالدعوة في الإسلام

رجال الفكروالدعوة في الإسلام
Tag: books

رجال الفكروالدعوة في الإسلام - أبي الحسن الندوي - هو الشيخ العلامة أبو الحسن علي بن عبد الحي الحسني (نسبة إلى الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما) النَّدْوي (نسبة إلى ندوة العلماء)، الهندي الجنسية ، العالمي العطاء ، شيخ الأمة ، ولسانها الناطق بالحق يعد أبو الحسن الندوي من أشهر العلماء المسلمين في الهند، وله كتابات وإسهامات عديدة في الفكر الإسلامي، وكان كثير السفر إلى مختلف أنحاء العالم لنصرة قضايا المسلمين والدعوة للإسلام وشرح مبادئه، وإلقاء المحاضرات في الجامعات والهيئات العلمية والمؤتمرات. ولد بقرية "تكية" بمديرية "راي بريلي" في الولاية الشمالية بالهند في 6 من المحرم 1333هـ= 1914م،وتوفي في (23 من رمضان 1420هـ - 31 من ديسمبر 1999م)، عن 86 عامًا.

About the Book

–  رجال الفكروالدعوة في الإسلام – أبي الحسن الندوي

           الجزء الأول والثاني     الجزء الثالث والرابع

– إضغط على أحد الرابطين للمعاينة أو التحميل –

         مقتطفات من المؤلف:

“…لقد إتسعت الدولة العباسية إتساعا عظيما وامتدت مساحة واسعة من آسيا و إفريقية.  وقد سرت فيها روح العجمية, و أصيبت بعلل الحضارة العجمية و عيوبها, حتى أن هارون الرشيد مرت به قطعة من سحاب فخاطبها وقال: أمطري حيث شئت, فسيأتيني خراجكي.

و قد كانت بغداد بحكم أنها عاصمة الأمبراطورية الإسلامية, مصب أموال المملكة الإسلامية الغنية و سوق الطرائف و الخيرات و المنتجات, و منتجع أصحاب الحرف و الصناعات, كما كانت منتجع أصحاب المجون و المغنين الكبار و الشعراء و نوابغ كل فن و هزل و حق و باطل, فأمعنت بغداد في الحضارة و تفننت في الترف و السرف. و يستطيع الرجل أن يأخد فكرة عن هذه المدنية المترفة و عن الحياة الباذخة و إلى ما وصل إليه الخلفاء و من كان يتصل بهم, إذا قرأ”صفة عرس المأمون الخليفة العباسي”.

يقول ابن خلكان:تزوج المأمون بنت الحسن بن سهل, و احتفل أبوها بأمرها و عمل الولائم و الأفراح ما لم يعهد مثله في عصر من الأعصار, و كان ذلك بفم الصلح,و انتهى أمره بنثر على الهاشميين و القواد و الكتاب و الوجوه, بنادق مسك فيها رقاع بأسماء ضياع وأسماء جوار وصفات ودواب وغير ذلك.فكانت البندقية إذا وقعت في يد رجل فتحها فيقرأ ما في الرقعة, فإذا علم ما فيها, مضى إلى الوكيل المرصد لذك فيدفعها إليه و يتسلم ما فيها, سواء ضيعة أو ملكا آخر أو فرسا أو جارية أو مملوكا…” ص113

و لكن, بجوار هذه المدنية المائجة و الحياة البادخة و بجانب هذا السرف و الترف و الزهو و اللهو, نرى رجالا إنقطعوا إلى الله, وتزكية النفوس ونشر العلوم الدينية, فقد شغلوا بالمحافظة على روح هذه الأمة و صلتها بالله وكانوا جزرابشرية في بحر المادية المائج, يأوي إليه الغرقى و من انكسرت سفينته. فإن كان الخلفاء وأمرائهم يحكمون الأجسام, فقد كان هؤلاء يحكمون القلوب و العقول. و قد كان للعلماء الأعلام وبعض الزهاد المحدثين, مواقف مجيدة أمام الخلفاء أدوا فيها النصيحة و حذروهم من سطوة الله, وتبرؤوا من الجور و الظلم الفاشي, كالذي كان عليه الأوزاعي و سفيان الثوري عند المنصور, و صالح ابن بن عبد الجليل بين يدي المهدي, و ابن السماك عند الرشيد…

روي عن الفضيل بن الربيع,قال: حج أمير المؤمنين الرشيد, فأتاني, فقال:…قد حاك في نفسي شيء فانظر لي رجل أسأله…قلت: ههنا الفضيل بن عياض.قال,إمض بنا إليه. فاتيناه فإذا هو قائم يصلي, يتلوا آية من القرآن الكريم يرددها. فقال, إقرع الباب, فقرعت الباب, فقال, من هذا, فقلت أجب أمير المؤمنين, فقال, مالي و أمير المؤمنين, فقلت, سبحان الله أما عليك طاعة?.أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم”ليس للمؤمن أن يذل نفسه” فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ المصباح, ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت, فدخلنا, فجعلنا نجول عليه بأيدينا, فسبقت كف هارون قبلي إليه, فقال, يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عز وجل. فقلت في نفسي, ليكلمنه اليوم بكلام نقي من قلب تقي, فقال له, خد لما جئناك له رحمك الله. فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة,  دعا سالم بن عبد الله و محمد بن كعب القرظي و رجاء بن حيوة فقال لهم: إني ابتليت بهذا البلاء, فأشيروا علي, فعد الخلافة بلاء و عددتها أنت و أصحابك نعمة. فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فصم عن الدنيا, وليكن إفطارك من الموت. و قال له محمد بن كعب القرظي: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبا و أوسطهم لك أخا و أصغرهم لك ولدا. فوقر أباك و أكرم أخاك و تحنن على ولدك. و قال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غدا من عذاب الله عز وجل, فأحب للمسلمين ما تحبه لنفسك و اكره لهم ما تكره لنفسك ثم مت إن شئت.

و إني أقول:إني أخاف عليك يوم تزل فيه الأقدام, فهل معك رحمك الله من يشير عليك بمثل هذا. فبكى هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه. فقلت له, أرفق بأمير المؤمنين. فقال, يا ابن أم الربيع, تقتله أنت و أصحابك و أرفق به أنا?. ثم أفاق فقال. :زدني رحمك الله. فقال: يا أمير المؤمنين, بلغني أن عاملا لعمر ابن عبد العزيز شكي إليه. فكتب إليه عمر: ياأخي أذكرك طول سهر أهل النار مع خلود الأبد. و إياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد و انقطاع الرجاء. فلما قرأ الكتاب, قال, خلعت قلبي بكتابك, لاأعود إلى ولاية أبدا حتى ألقى الله عز وجل.قال , فبكى هارون بكاء شديدا ثم قال: زدني رحمك الله. فقال يا أمير المؤمنين, إن العباس عم المصطفى جاء النبي صلى الله عليه وسلم,فقال, يا رسول الله أمرني على إمارة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم, إن الإمارة حسرة و ندامة يوم القيامة فإن استطعت ألا تكون أميرا فافعل. فبكى هارون بكاء شديدا و قال له, زدني رحمك الله. فقال: يا حسن الوجه, أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة, فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار,فافعل.و إياك أن تصبح و تمسي و في قلبك غش لأحد من رعيتك, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة. فبكى هارون و قال له: عليك دين? قال:نعم دين لربي يحاسبني عليه.فالويل لي إن سألني و الويل لي إن ناقشني و الويل لي إن لم ألهم حجتي. قال, إنما أعني من العباد.

قال إن ربي لم يأمرني بهذا.أمر ربي أن أوحده و أطيع أمره فقال عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (56 إلى 58- الذاريات. فقال له: هذه ألف دينار خذها, فانفقها على عيالك و تقو بها على عبادتك. فقال له: سبحان الله, أنا أدلك على طريق النجاة و أنت تكافئني بمثل هذا سلمك الله ووفقك.

ثم صمت, فلم يكلمنا فخرجنا من عنده. فلما صرنا على الباب, قال هارون, أبا العباس, إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا. هذا سيد المسلمين. صفحة.118

Share via
Copy link