فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية من علم التفسير

فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية من علم التفسير
Tag: books

ترجمته :هو : أبو علي بدر الدين محمد بن علي بن محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن محمد بن صلاح بن إبراهيم بن محمد العفيف بن محمد بن رزق ، الشوكاني. ولد ـ رحمه اللّه تعالى سنة 1173 هجريه في بلدة " هجرة شوكان. و توفي سنة ( 1250ه / 1834م ) ، وصلِّي عليه في الجامع الكبير بصنعاء ، ودُفن بمقبرة خزيمة المشهورة بصنعاء .نشأ ـ رحمه اللّه تعالى ـ بصنعاء اليمن ، وتربى في بيت العلم والفضل فنشأ نشأة دينيه طاهرة.عمل الشوكاني في القضاء مدة دامت أكثر من أربعين عاماً إلى أن وافته المنية : ) عهد المنصور علي بن المهدي عباس ، 1151ه إلى سنة 1224ه .ثم ابنه المتوكل علي بن أحمد بن المنصور علي من سنة 1170ه إلى سنة 1231ه . و أخيرا في عهدـ المهدي عبدالله ، من سنة 1208 ه إلى سنة 1251 ه( .كان تولِّي الشوكاني القضاء كسباً كبيراً للحقِّ ، فقد أقام سوق العدالة بيِّنًا ، وأنصف المظلوم من الظالم ، وأبعد الرشوةَ ، وخفَّف من غُلَوَاء التَّعصب ، ودعا الناس إلى اتِّباع القرآن والسنة.إلا أن هذا المنصب قد منعه من التحقيق العلمي ، يظهر ذلك إذا ما تتبَّع المرءُ مؤلفاته قبل تولِّيه القضاء وبعده ، يجد الفَرْق واضحًا…

About the Book

– فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية من علم التفسير-  الإمام محمد بن علي الشوكاني

 –  رابط المجلدات للإطلاع أو التحميل :

               مجلد1مجلد2مجلد3مجلد4مجلد5

حياته العلمية :
تلقى الشوكاني معارفه الأولى على والده وأهل العلم والفضل في بلدته ، حفظ القرآن الكريم وجوّده ، ثم حفظ كتاب ” الأزهار ” للإمام “المهدي ” في فقه الزيديه ، ومختصر الفرائض للعُصيفيري و الملحه للحريري ، والكافيه والشافيه لابن الحاجب ، وغير ذلك من المتون التي اعتاد حفظها طلاب العلم في القرون المتأخرة .وكان ـ رحمه اللّه تعالى ـ كثير الإشتغال بمطالعة كتب التاريخ ، والأدب ، وهو لايزال مشتغلاً بحفظ القرآن الكريم .ومما ساعد الإمام الشوكاني على طلب العلم والنبوغ المبكر : وجوده وتربيته في بيت العلم والفضل ، فإن والده ـ رحمه اللّه تعالى ـ كان من العلماء المبرزين في ذلك العصر ، كما أن أكثر أهل هذه القريه كانوا ـ كذلك ـمن أهل العلم والفضل

كان الشوكاني طلعة يبحث عن العلم والمعرفة في المظان المختلفة ، ويتنقل بين المشايخ بحثاً عن المعرفة ، الأمر الذي يجعل البحث عن كل شيوخه عسيراً ، وسوف نكتفي هنا بذكر بعض مشايخه المشهورين ، فمنهم :
1ـ والده : علي بن محمد بن عبدالله بن الحسن الشوكاني المتوفى سنة 1211ه (35) .

فقد تولى ولده بالعناية والرعاية منذ الطفولة ، فحفظه القرآن وجوده له ، كما حفظه عدداً من المتون ومبادىء العلوم المختلفة ، قبل أن يبدأ طلب العلم على غير والده من علماء عصره .وكان لهذه العناية المبكرة أثرها البارز في بناء شخصية الشوكاني .

2ـ أحمد بن محمد بن أحمد بن مطهر القابلي ( 1158 ـ 1227ه ) (36) .

 و استطاع ” الشوكاني ” أن يستفيد من علماء عصره ، وما أكثرهم ، فأخذ يطلب العلم بجميع فنونه : فقرأ ” شرح الأزهار ” على والده ، و ” شرح الناظري ” على ” مختصر العصيفيري ” .كما قرأ ” التهذيب ” للعلامة التفتازاني ، و ” التلخيص ” في علوم البلاغة للقزويني ، والغاية لابن الإمام ، و ” مختصر المنتهى ” لابن الحاجب في أصول الفقه ، و ” منظومة الجرزي ” في القراءات و “منظومة ” الجزار في العروض ، و ” آداب البحث والمناظرة ” للإمام العضد ، وما إلى ذلك من سائر العلوم النقلية والعقلية .

وظل هكذا ينتقل بين العلماء ، يتلقَّى عليهم ، ويستفيد منهم ، حتى صار إماماً يشار إليه بالبنان ، ورأسا يرحل إليه ، فقصده طلاب العلم والمعرفة للأخذ عنه ، من اليمن والهند ، وغيرهما حتى طار صيته في جميع البلاد ، وانتفع بعلمه كثير من الناس وقد تأثر الإمام الشوكاني بشخصيَّات كثيرة من العمالقة الذين كانوا قبله :منهم العلامة محمد بن إبراهيم الوزير ، والعلامة محمد بن إسماعيل الأمير ، والعلانة الحسن بن مهدي المقبلي ، والحسين أحمد الجلال  .ومنهم ابن حزم الأندلسي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية . 
صفاته الخُلقية :

قال القاضي العلامة محمد بن حسن الشجني الذماري ، في ذلك كتابه ” التقصار في جيد زمن علامة الأقليم والأمصار ” :
والواضح في حياة ” الشوكاني ” أنه بدأ حياته منقبضاً عن الناس ، لايتصل بأحد منهم ، إلا في طلب العلم ونشره ، ولا سيما هؤلاء الذين يحكمون أو يتصلون بالحاكمين ، وكان يرسل فتاويه ، ويصدر أحكامه دون ان يتقاضى عليها أجراً .وكانت حياته بسيطة متقشفة ، يعيش على الكفاف الذي وفره له والده فلما تولى القضاء ، وأجزل له الأجر ، تنعم في مأكله ومشربه وملبسه ومركبه ، وأضفى على تلاميذه وشيوخه مما وسع اللّه عليه به .ويذكر بعض المؤرخين أن ” الشوكاني ” اختص بالكثير من الإقطاعات والصدقات ، وهم يؤكدون أنه لم يترك من ذلك شيئاً ، بعد عمل في القضاء دام أكثر من أربعين عاماً ، بل كان ينفق ذلك كله في طرق الخير والبر . ومن المؤكد ـ كذلك ـ أن الدنيا لم تكن أكبر همه ، وأن عرضها الزائل لم يكن يشغله عن الهدف الأسمى الذي وضعه لنفسه ، وهو نشر دين اللّه تعالى وإحقاق الحق . ولذلك كان يقدر أهل العلم والفضل .وكان ” الشوكاني ” باراً بشيوخه وتلاميذه ، فتح أمامهم أبواب العمل في الدوله ، ودافع عنهم ، وتشفع لهم عند الأئمة في كل أمر وقعوا فيه . وبالرغم من حدة ذكائه ، وجودة ذهنه ، وتشدده لآرائه واجتهاداته ، لم يكن يحط من قدر علمه ليدخل في مهاترات المتعالمين ، وكانت قسوته على الأفكار والآراء ، لا على الأشخاص ، لأنه كان يدرك أنه سبق هذا الجيل بأجيال ، فترك ثروته العلمية والفكرية لتتفاعل مع الزمن ، يكشف عن وجهها ما تبديه قرائح العلماء .
* عقيدته :

يرى ” الشوكاني ” أن طرق المتكلمين من معتزلة و غيرهم و ما وقعوا فيه من مبدأ نفي الصفات ، بناء على مبدئهم في التنزيه, لا توصل إلى يقين ، ولا يمكن أن تصيب الحق فيما هدفت إليه ، لأن معضمها ـ كما يقول ـ قام على أصول ظنية ، لا مستند لها إلا مجرد الدعوى على العقل ، والفريه على الفطرة . فأثبتوا للّه تعالى الشيء ونقيضه ، ولم ينظروا إلى ما وصف اللّه به نفسه ، وما وصفه به رسوله فكل فريق منهم قد جعل له أصولاً تخالف ما عليه الآخر ، فأصبح كل منهم يعتقد نقيض ما يعتقده الآخر .

لذلك : كان المسلك القويم في الإلهيات ، والإيمان بما جاء فيها ، هو فهم الآيات والأحاديث على ما يوحيه المعنى اللغوي العام ، وعدم الخوض في تأويلها ، والإيمان بها على ذلك ، دون تكلف ولا تعسف ، ولا تشبيه ولا تعطيل ، وإثبات ما أثبته اللّه ـ تعالى ـ لنفسه من صفاته ، على وجه لا يعلمه إلا هو ، فإنه القائل جل شأنه ” لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ”  . فأثبت لنفسه صفة السمع والبصر ، مع نفي المماثلة للحوادث في الوقت نفسه .والإمام الشوكاني قد اعتنق هذا المبدأ ، وجعل عمدته في الدعوة إلى مذهب السلف هاتين الآيتين الكريمتين : 
أولهما قوله تعالى :  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .
وثانيهما قوله تعالى : يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً   .
ففيهما الإثبات والنفي ، إثبات صفات الباري ـ جلَّ شأنه ـ ونفي مماثلة هذه الصفات للحوادث ، ثم تقييد هذا الإثبات بظاهر ما صرحت به الآيات وأجملته ، والزجر عن الخوض في كيفية هذه الصفات .
وقد سجل الشوكاني آراءه ومذهبه في ثنايا كتبه المختلفه ولاسيما كتابيه :

1 ـ ” التحف في مذاهب السلف ” .

2 ـ ” كشف الشبهات عن المشتبهات ” . 

هذا ، وقد اعتنق الشوكاني هذا المذهب بعد طول بحثه ومطالعة في كتب ” علم الكلام ” حتى صرح بأنه لم يعتنق مذهب السلف تقليداً ، وإنما عن إجتهاد و اقتناع . 
* مذهبه الفقهي : 

تفقه الشوكاني في أول حياته على مذهب الإمام ” زيد بن علي بن الحسين ” وبرع فيه ، وفاق أهل زمانه ، حتى خلع ربقة التقليد ، وتحلى بمنصب الإجتهاد ، فألف كتابه : ” السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ” فلم يقيد نفسه بمذهب الزيدية ، بل صحح ما أداه إليه اجتهاده بالأدلة ، وزيف ما لم يقم عليه الدليل ، فثار عليه أهل مذهبه ، من الزيدية ، المتعصبون لمذهبهم في الأصول والفروع ، فكان يقارعهم بالدليل من الكتاب والسنة ، وكلما زادوا ثورة عليه زاد تمسكه بمسلكه ، حتى ألف رسالة سماها : ” القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد ” ذهب فيه إلى ذم التقليد وتحريمه ، فزاد هذا في تعصبهم عليه ، حتى رموه بأنه يريد هدم مذهب آل البيت ، فقامت ـ بسبب هذا ـ فتنة في ” صنعاء ” بين خصومه وأنصاره ، فرد عليهم بأنه يقف موقفاً واحداً من جميع المذاهب ، ولا يخص مذهب الزيدية بتحريم التقليد فيه
وهكذا اختار ” الشوكاني ” لنفسه مذهباً لا يتقيد فيه برأي معين من آراء العلماء السابقين ، بل على حسب ما يؤديه إليه اجتهاده ، وهذا ما يلحظه القارىء لكتابه ” نيل الأوطار ” حيث ينقل آراء ومذاهب علماء الأمصار ، وآراء الصحابة والتابعين ، وحجة كل واحد منهم ، ثم يختم ذلك ببيان رأيه الخاص ، مختاراً ما هو راجح فيما يقول .
ويرى أن الاجتهاد قد يسره الله تعالى للمتأخرين ، وأنه أصبح ميسوراً أكثر مما كان في الصدر الأول فيقول : 
” … فإنه لا يخفى على من له أدنى فهم ، أن الاجتهاد قد يسره الله للمتأخرين ، تيسيراً لم يكن للسابقين ؛ لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دونت ، وصارت من الكثرة إلى حد لا يمكن حصره ، وكذلك السنة المطهرة ، وتكلم الأئمة في التفسير ، والتجريح والتصحيح ، والترجيح ، بما هو زيادة على ما يحتاج إليه المجتهد ، وقد كان السلف الصالح ، ومن قبل هؤلاء المنكرين يرحل للحديث الواحد ، ومن قطر إلى قطر ، فالاجتهاد على المتأخرين أيسر وأسهل من الاجنهاد على المتقدمين ، ولا يخالف في هذا من له فهم صحيح ، وعقل سوي ” (20) .
* مكانته العلمية :
“فهو ـ بحق إمام ـ الأئمة ، ومفتي الأئمة ، بحر العلوم ، وشمس الفهوم ، سند المجتهدين الحفاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، فريد العصر ، نادرة الدهر ، شيخ الإسلام ، علامة الزمان ، ترجمان الحديث والقرآن ، علم الزهاد ، أوحد العباد ، قامع المبتدعين ، رأس الموحدين ، تاج المتبعين ، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها ، قاضي قضاة أهل السنة والجماعة ، شيخ الرواية والسماع ، علي الإسناد ، السابق في ميدان الاجتهاد ، على الأكابر الأمجاد ، المطلع على حقائق الشريعة ومواردها ، العارف بغوامضها ومقاصدها” (21) .
هكذا وصفه أحد تلاميذه العلامة : حسين بن محسن السبعي الأنصاري اليماني .
وقال عنه العلامة حسن بن أحمد البهكلي في كتابه ” الخسرواني في أخبار أعيان المخلاف السليماني ” :
” السنة الخمسون بعد المائتين والألف ، وفيها في شهر جمادى الآخرة كانت وفاة شيخنا ” محمد بن علي الشزكاني ” وهو قاضي الجماعة ، شيخ الإسلام ، المحقق العلامة الإمام ، سلطان العلماء ، إمام الدنيا ، خاتمة الحفاظ بلا مراء ، الحجة النقاد ، علي الإسناد ، السابق في ميدان الاجتهاد ” (22) .

ثم قال :

” وعلى الجملة : فما رأى مثل نفسه ، ولا رأى من رآه مثله علماً وورعاً ، وقياماً بالحق ، بقوة جنان ، وسلاطة لسان ” .

وقال عنه العلامة : صديق حسن خان :

” … أحرز جميع المعارف ، واتفق على تحقيقه المخالف والمؤالف وصار المشار إليه في علوم الاجتهاد بالبنان ، والمجلي في معرفة غوامض الشريعة عند الرهان .

له المؤلفات الجليلة الممتعة المفيدة النافعة في أغلب العلوم ، منها : ” نيل الأوطار ” شرح منتقى الاخبار لا بن تيمية ، لم تكتحل عين الزمان بمثله في التحقيق ، ولم يسمح الدهر بنحوه في التدقيق ، أعطى المسائل حقها في كل بحث على طريق الإنصاف ، وعدم التقيد بالتقليد ومذهب الأخلاف والأسلاف ، وتناقله عنه مشايخه الكرام فمن دونهم من الأعلام ، وطار في الآفاق في زمن حياته ، وقرىء عليه مراراً ، وانتفع به العلماء ” (23) . 

وقال عنه العلامة عبدالحي الكتاني :
” هو الإمام خاتمة محدثي المشرق وأثريه ، العلامة النظار الجهبذ القاضي محمد بن علي الشوكاني ثم الصنعاني … وقد كان الشوكاني المذكور شامة في وجه القرن المنصرم ، وغرة في جبين الدهر ، انتهج من مناهج العلم ما عميَ على كثير ممن قبله ، وأوتي فيه من طلاقة القلم والزعامة مالم ينطق به قلم غيره ، فهو من مفاخر اليمن بل العرب ، وناهيك في ترجمته يقول الوجيه عبدالرحمن الأهدل من ” النفس اليماني ” لما ترجم شيخهما عبدالقادر الكركباني (24) : ” وممن تخرج بسيدي الإمام عبدالقادر بن أحمد . ونشر علومه الزاهرة ، وانتسب إليه وعوّل في الاقتداء في سلوك منهاج الحق عليه . إمام عصرنا في سائر العلوم . وخطيب دهرنا في إيضاح دقائق المنطوق والمفهوم ، الحافظ المسند الحجة ، الهادي في إيضاح السنن النبوي إلى المحجة ، عز الإسلام محمد بن علي الشوكاني :
فإن هذا المذكور من أخص الآخذين عن شيخنا الإمام عبدالقادر . وقد منح الله هذا الإمام ثلاثة أمور لا أعلم أنها في هذا الزمن الأخير جمعت لغيره : الأول : سعة التبحر في العلوم على اختلاف أجناسها وأنواعها . الثاني : كثرة التلاميذ المحققين أولي الأفهام الخارقة
الثالث : سعة التآليف المحررة ، ثم عدد معظمها كالتفسير ونيل الأوطار وإرشاد الفحول والسيل الجرار ، ثم نقل أن مؤلفاته الآن بلغت مائة وأربعة عشر تأليفاً مما قد شاع ووقع في الأمصار الشاسعة الانتفاع بها فضلاً عن القريبة

وقال عنه إبراهيم بن عبدالله الحوثي :
” زعيم ارباب التأويل سمع وصنف وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف ، وحجث وأفاد ، وطارت أوراق فتاويه في البلاد ، واشتهر بالضبط والتحرير ، وانتهت إليه رياسة العلم في الحديث والتفسير والأصول والفروع والتاريخ ومعرفة الرجال وحال الأسانيد في تحصيل العوالي وتمييز العالي من النازل وغير ذلك ” (26) .
وقال فيه لطف بن أحمد جحاف :
” احفظ من ادركناه لمتون الحديث وأعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها وكان شيوخه وأقرانه يعترفون له بذلك ” (27) .

وقال عنه كحاله : 

” مفسر محدث ، فقيه أصولي مؤرخ أديب نحوي منطقي متكلم حكيم صارت تصانيفه في البلاد في حياته وانتفع الناس بها بعد وفاته ، وتفسيره ” فتح القدير ” و ” نيل الأوطار ” في الحديث من خير ما أخرج للناس كما يلاحظ أن الشوكاني يدخل في المناقشات الفقهية ويذكر أقوال العلماء وأدلتهم في تفسير كل آية تتعلق بالأحكام ” (28) .

وقال عنه الأستاذ الفاضل محمد سعيد البَدْري :

” واعلم ـ هدانا الله وإياك ـ أن لهذا الرجل خصائص قلَّ أن تجدها في غيره من العلماء وهي : سعة العلم والتحرر من التقليد بالاجتهاد والتمسك الفعلي بالكتاب والسنة وتقديمهما على ما سواهما كائناً من كان ( وهذه سمة المجتهدين دون المقلدين ) والانصاف من الخصوم .

والحق أن هذه الخصائص لمسناها في كثير من كتبه وبالأخص هذا الكتاب ـ يقصد إرشاد الفحول ـ ولذا فأنا أعده من أئمة المجتهدين حتى وإن خالفته في بعض المسائل ، رحمه الله تعالى ” (29) . 

وقال عنه الدكتور محمد حسن بن أحمد الغماري :

” كان محمد بن علي الشوكاني على مبلغ عظيم من العلم شهد له بذلك علماء عصره ومن أتى بعده بسعة علمه وغزارة مادته في مختلف الفنون ، وامتدحه الناس شعراً ونثراً وكاتبه الملوك والعلماء من مختلف الأقاليم وألف في شتى العلوم في التفسير والحديث وعلومهما والفقه والنحو والمنطق والتاريخ والأصول والأدب وله الشعر الرائق والنثر البليغ ، صارت مؤلفاته منتجع العلماء وسار بها الركبان في حياته ، وانتفع بها الناس بعد وفاته .

ألف ” نيل الأوطار ” فابدع وأودع فيه الفرائد ، وصنف تفسيره العظيم فكان جامعاً لما تفرق في غيره وترجم لأعيان من بعد القرن السابع فأتى بالعجب العجاب وأنه ليعجب الناظر كيف تهيىء له أن يلم بتراجم أعيان ستة قرون كأنه عاش معهم مع أن الكثير منهم لم يكونوا من أبناء اليمن الذي عاش الشوكاني فيه ترجم لكل واحد منهم بانصاف ونزاهة .

وألف في الفقه ” الدراري المضيئة ” فأبدع فيه وأحسن وألف ” السيل الجرار ” الذي لم تخط بنات الأفكار بمثله أقام الدليل وزيف الرأي المحض وألف ” الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ” واستدرك على ابن الجوزي والسيوطي وابن عراق كثيراً مما فاتهم ونبه على أوهامهم في الحكم على بعض الأحاديث بالوضع .

وأما أصول الدين فهو فارس ميدانها وحامل مشعلها فقد حارب الشرك والبدع وأبلى في سبيل العقيدة الإسلامية بلاء حسناً اقتداء بالأنبياء والمرسلين والدعاة المخلصين فلقي من الناس العنت والأود وناصبوه العداء ورموه عن قوس واحدة … ” (30) . 

وقال عنه خير الدين الزِرِكْلي :

” فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن ، من أهل صنعاء … وكان يرى تحريم التقليد ” (31) .

* قال مبارك : وبعد هذا لا يسعني إلا القول أن الإمام القاضي الشوكاني : كان إماماً ديّناً ، ثقةً ، متقناً ، علامةً ، متبحراً ، صاحب سنة واتباع . وقد ساعدته الثقافة الواسعة وذكاؤه الخارق ، إلى جانب إتقانه للحديث وعلومه ، والقرآن وعلومه ، والفقه وأصوله على الاتجاه نحو الاجتهاد وخلْع رقبة التقليد ، وهو دون الثلاثين ، وكان قبل ذلك على المذهب الزيدي ، فصار عَلَمًا من أعلام المجتهدين ، وأكبر داعية إلى تَرْك التقليد ، وأخذ الأحكام اجتهاداً من الكتاب والسنة ، فهو بذلك يُعَدّ في طليعة المجددين في العصر الحديث ، ومن الذين شاركوا في إيقاظ الأمة الإسلامية في هذا العصر .

مؤلَّفاته : 

خلف الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى ثروة عظيمة من المؤلفات بلغت (278) مؤلفاً ، ولا يزال معظمها مخطوطاً رهين الأدراج والأرفف ، ولم يكتب له أن يرى نور النشر والطباعة حتى اليوم ، ولو رحتُ أسردُ هذه المؤلفات ؛ لطال بي الكلام ، ولذلك سأقتصر على أهمِّ كتبه المطبوعة ، والتي تظهر للقارىء تفنُّن هذا الإمام وإلمامَه بمختلف أنواع العلوم الشرعية : 

1ـ ” فتح القدير الجامع بين فنَّي الرواية والدراية من التفسير ” : الذي حوى على درر عظيمة تدلُّ على تبحُّر هذا الإمام في علم التفسير .

2ـ ” الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ” .

3ـ ” الدُّرر البهيَّة ” : متنٌ في الفقه .

4ـ وشرحه : ” الدَّراري المضيَّه في شرح الدُّرر البهيَّة ” .

5ـ ” السَّيل الجرَّار المتدفِّق على حدائق الأزهار ” : وهو كتابٌ قلَّ نظيره فيما يعرف بالفقه المقارن .

6ـ ” نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار ” : الذي طار ذكره وعلا صيته وأصبح مرجعاً لا يستغنى عنه طالب العلم .

7ـ ” إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ” : وهو من فرائد ما أُلِّف في علوم أصول الفقه .

8ـ ” تحفة الذاكرين ” .

9ـ ” الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني ” .

10ـ ” البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع ” : وهو مرجع مفيد ومهم جداً في رجال وأعلام مَن بعد القرن السابع .

11ـ ” وبل الغمام على شِفَاءِ الأُوَامِ ” .

 


Share via
Copy link