فقه الزكاة

فقه الزكاة
Tag: books

فقه الزكاة - الشيخ د. يوسف القرضاوي-الدكتور يوسف القرضاوي العالم الفقيه الأصولي، له مؤلفات في مجالات الفقه والحديث وعلوم التشريع الأخرى، صاحب برنامج الشريعة والحياة، ومؤسس ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، صاحب المواقف المشهودة في نصرة الحق والدفاع عن قضية الأمة في فلسطين، له كثير من الندوات واللقاءات التي تخدم قضايا أمتنا الإسلامية

About the Book

 فقه الزكاة – الشيخ د. يوسف القرضاوي

(…إضغط على عنوان الكتاب للتصفح أو التحميل)

قال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في مستهل كتابه:

…الزكاة هي الركن المالي الاجتماعي من أركان الإسلام الخمسة، وبها -مع التوحيد وإقامة الصلاة- يدخل المرء في جماعة المسلمين، ويستحق أخوتهم والانتماء إليهم، كما قال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة: 11). 

وهى -وإن كانت تذكر في باب العبادات باعتبارها شقيقة للصلاة- تعد في الحقيقة جزءًا من نظام الإسلام المالي والاجتماعي، ومن هنا ذكرت في كتب السياسية الشرعية والمالية.فلا عجب أن عُنِيَ علماء الإسلام ببيان أحكامها وأسرارها، كل في دائرة اختصاصه.

كلمة عن مصادر الاستدلال والمعرفة للزكاة

لن أتحدث هنا عن منهج البحث في هذا الكتاب وقواعده في الاستنباط والاختيار والترجيح، فقد وضحت ذلك في مقدمة الطبعة الأولى، ولكنى أزيد هنا كلمة عن مصادر المعرفة والاستدلال، التي اعتمدت عليها، وموقفي منها. 

وإذا كان البحث عن “فقه الزكاة” في الإسلام، فلا بد من الرجوع إلى منابع أو مصادر المعرفة الإسلامية الصحيحة، لنتبين منها حقيقة الزكاة وأهدافها، كما جاء بها الإسلام. ولا بد من تحديد قيمة كل مصدر منها، ومرتبته من غيره، وطريقة الأخذ منه والاستدلال به. 

القرآن الكريم

ولا ريب أن أول هذه المصادر التي يستمد منها الباحث معرفته عن ” الزكاة ” هو القرآن الكريم. الذي أشار إلى وجوب الزكاة منذ العهد المكي. ثم أكد وجوبها في المدينة بشتى الأساليب، ونبه إلى بعض الأموال التي تجب فيها الزكاة مثل الكسب وما خرج من الأرض والذهب والفضة، كما نص على مصارف الزكاة الثمانية، وأشار إلى بعض أهدافها. وكرر الحديث عن الزكاة والصدقة والإنفاق في كثير من الآيات التي تناولتها بالشرح والبيان كتب التفسير على اختلاف ألوانها، وبخاصة ما عُنِىَ منها بالأحكام أو وضع له ابتداء.

والقرآن باعتباره دستور الإسلام، لم يتعرض للجزئيات والتفصيلات، ولهذا كثرت فيه العمومات والإطلاقات . ورأى هو الأخذ بها، وإعمالها، ما لم يخصصها أو يقيدها دليل صحيح من السنة، أو من قواعد الشرع العامة.

ولهذا مِلت إلى التوسعة في “وعاء الزكاة” عملاً بعموم: (خذ من أموالهم) (التوبة: 103). وما شابهها. ورجحت رأي أبى حنيفة في تزكية كل ما خرج من الأرض، عملاً بعموم: (ومما أخرجنا لكم من الأرض) (البقرة: 267) على حين خالفته – رضي الله عنه – في عدم اشتراط النصاب، لصحة حديث: “ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة” ثبوتًا ودلالة. ولم آخذ بإطلاق: “في سبيل الله” حسب وضعها اللغوي الأصلي، لما قيدها من استعمال الشرع، ومن حكم السياق. ولكنى رجحت توسيع مدلول الجهاد -الذي فهمه الجمهور من العبارة- بحيث يشمل كل معاني الجهاد: العسكرية والفكرية والتربوية والاجتماعية، ونحوها. 

السنة النبوية

وثاني هذه المصادر هو السنة النبوية -قولية وعملية وتقريرية-. فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو المبين للناس ما نزل إليهم بنص القرآن، ولهذا كانت سنته هي الشرح النظرى، والتفسير العملي لكتاب الله، فهي التي تفصل ما أجمله، وتفسر ما أبهمه، وتقيد ما أطلقه، وتخصص ما عممه، وتضع الصور العملية لتطبيقه ؛ فلولا السنة لم يعرف المسلم صلاته ولا زكاته ولا حجة ولا عمرته، متى تكون؟ وكيف تكون؟ وكم تكون؟ فإنه مجملة في القرآن العزيز غاية الإجمال. 

روى أبو داود: أن رجلاً قال لعمران بن حصين -رضى الله عنه-: يا أبا نجيد! إنكم لتحدثوننا بأحاديث ما نجد لها أصلاً في القرآن، فغضب عمران، وقال للرجل: أوجدتم: في كل أربعين درهما درهم؟ ومن كل كذا شاة شاة؟ ومن كل كذا وكذا بعيرًا كذا؟ أوجدتم هذا في القرآن؟! قال: لا. قال: فممن أخذتم هذا؟ أخذتموه عنا، وأخذناه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكر أشياء نحو هذا (انظر: مختصر السنن للمنذري: 2/174). 

يعنى أنه ذكر له أشياء من الصلاة والحج وغيرهما مما جاء في القرآن مجملاً وبينته السنة.

ولا غرو أن تكون السنة هي المصدر الخصب لأحكام الزكاة وأسرارها، وأن يكون للزكاة في كتب السنة مجال رحب، ومكان فسيح.

ففي كتاب الزكاة من الجامع الصحيح للإمام البخاري من الأحاديث المرفوعة (172) مائة واثنان وسبعون حديثًا، وافقه مسلم على تخريجها سوى سبعة عشر حديثًا (ذكر ذلك الحافظ فى خاتمة كتاب الزكاة من فتح الباري: 4/120 – ط. الحلبي)0، وهذا عدا الآثار المروية عن الصحابة والتابعين. 

وفى مختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري (70) سبعون حديثًا (من الحديث رقم (500) إلى رقم (570) ط. وزارة الأوقاف الكويتية. تحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني). 

وفى سنن أبى داود (145) مائة وخمسة وأربعون حديثًا (من الحديث رقم (1556) إلى رقم (1700) – 2/126 – 180 تحقيق الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد). 

وفى سنن ابن ماجة (61) واحد وستون حديثًا (من الحديث رقم (783) إلى رقم (844) – ط . عيسى الحلبي. تحقيق: المرحوم محمد فؤاد عبد الباقي). 

وفى مسند أحمد (252) مائتان واثنان وخمسون حديثًا، وفق ترتيب المرحوم الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا للمسند على الأبواب (انظر: الجزأين الثامن والتاسع من “الفتح الرباني” ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا). 

وفى سنن الدارقطني في كتاب الزكاة وزكاة الفطر (251) مائتان وواحد وخمسون حديثًا (من ص89 – 154 من الجزء الثاني – ط . دار المحاسن للطباعة بالقاهرة). 

وفى “السنن الكبرى” للبيهقي عدد جم من الأحاديث ملأ (119) مائة وتسع عشرة من الصفحات من القطع الكبير (من ص81 -199 من الجزء الرابع- ط. حيدر آباد بالهند). 

وفى كتاب “جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد” (195) مائة وخمسة وتسعون حديثًا (لمؤلفه العلامة محمد بن محمد بن سليمان الروداني الفاسي المغربي (المتوفى بدمشق سنة 1094 هـ) . الذي جمع فيه أحاديث 14 كتابًا: الكتب الستة، والموطأ، ومسانيد أحمد والدارمي وأبى يعلى والبزار ومعاجم الطبراني الثلاثة. بتعليق وتحقيق السيد محمد هاشم اليماني). 

وفي “الترغيب والترهيب” للمنذري (328) ثلاثمائة وثمانية وعشرون حديثًا (من الحديث رقم (1068) إلى رقم (1396) – 2/98 – 208 – ط. السعادة تحقيق المرحوم الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد). 

وفي “المطالبة العالية بزوائد المسانيد الثمانية” (المراد بها: مسانيد أبى داود الطيالسي، والحميدي، وابن أبي عمر، ومسدد، وأحمد بن منيع، وأبى بكر بن أبى شيبة، وعبد بن حميد، والحارث بن أبى أسامة، والمسانيد كتبت مرتبة على أساس إفراد ما رواه كل صحابي على حده، في أي باب كان، وسواء أكان الحديث صحيحًا أم حسنًا أم ضعيفًا . فيقال مثلاً: مسند أبى بكر، ويروى فيه كل ما رواه أبو بكر.. وهكذا) للحافظ ابن حجر (98) ثمانية وتسعون حديثًا (من رقم (809) إلى رقم (907) – 1/231 – 265 – ط. المطبعة العصرية بالكويت… نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت). 

على أن الاستدلال بالسنة، والاستشهاد بالأحاديث، مزلة قدم لمن يأخذ أي حديث يصادفه في أي كتاب من الكتب المشهورة في الفقه أو التصوف أو التفسير ونحوها، ممن لم يلتزم مؤلفوها تخريج ما يذكرونه من الحديث، أو حتى مجرد نسبته إلى من أخرجه من أئمة السنة، وهذا أمر لم يسلم منه جماعة من كبار الفقهاء والمتصوفة والمفسرين.

كما أن عزو الكتاب إلى مصدره لا يكفى إلا في الكتب التي يكون العزو إليها معلمًا بالصحة، كالصحيحين وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان، وإن كان في تصحيحهما بعض التساهل، كما نبه على ذلك أئمة النقد، وهما على كل حال أفضل من مستدرك الحاكم الذي لم يفِ فيه بما اشترط على نفسه من التزام إخراج الصحيح فحسب، فأخرج الضعيف والواهي والمنكر، بل الموضوع.

ولهذا ألزمت نفسي غالبًا بأمرين: 

– ألا آخذ الحديث إلا من مصادره المعتمدة من دواوين الحديث، وكتبه المشهورة

– بيان درجة الحديث من حيث الصحة، أو الحسن، أو الضعف.

– سنن الخلفاء الراشدين المهديين: السوابق التطبيقية للصحابة وخاصة سنة الخلفاء الراشدين المهديين الذين ألحق الرسول – صلى الله عليه وسلم- سنتهم بسنته، وأمرنا بالتمسك بها والحرص عليها

– وأقوال الفقهاء وآراؤهم، سواء أكانت تفسيرًا للنصوص، أم استنباطًا منها، أو قياسًا عليها، أو تعليلاً لها، فما كان من هذه الأقوال موضع إجماع متيقن فهو حجة لا أعدوه، وما لم يكن كذلك فهو “رصيد” ثمين أستفيد منه وأنتفع به، ولكنى لا ألتزم مذهبًا واحدًا آخذ بكل أقواله واجتهاداته، فقد يسوغ هذا للمرء في خاصة نفسه.

أما إذا أريد لنظام كالزكاة أن يوضع موضع التنفيذ في دولة عصرية مسلمة، فلا بد من التخير من أقوال الفقهاء، ما يكون أقوى حجة، وأقرب إلى مقاصد الشرع، وروح الإسلام.  ولا أعنى بالفقهاء أئمة المذاهب الأربعة -رضى الله عنهم- وأتباعهم فحسب، بل أعنى فقهاء الإسلام منذ عهد الصحابة، فقد أستدل بقول أحد الراشدين أو معاذ أو عائشة أو ابن عمر أو ابن عباس أو غيرهم، وقد أستشهد بقول تابعي كالزهري أو عطاء أو الحسن أو مكحول أو النخعي، وقد آخذ بقول الأتباع وأتباعهم كالثوري والأوزاعي وأبى عبيد وإسحاق وغيرهم. 

فأئمتنا المتبوعون على فضلهم ومكانتهم، ليسوا هم كل فقهاء الأمة، وإن كانت مذاهبهم بما تيسر لها من خدمة أصحابهم وتلاميذهم وأتباعهم في مختلف الإعصار والأقطار، قد نمت ونضجت واتسعت، وأصبحت بذلك النبع الثر، والمصدر السخي لكل دارس لشريعة الإسلام.

ولكننا نحجر واسعًا، إذا أغلقنا الباب دون الانتفاع بتراث السلف كله، وهو ثروة طائلة من العلم الأصيل، والاجتهاد المستقل، لا تقدر بثمن.  وقد انتفعت بحمد الله بهذا وهذا كله، فرجعت إلى تراث الصحابة والسلف في الكتب التي عنيت بذلك مثل كتاب “الخراج” ليحيى بن آدم، و”الخراج” لأبى يوسف، وكتاب “الأموال” لأبى عبيد القاسم بن سلام ، ومثل “مُصنَّف عبد الرزَّاق”، و “مصنف ابن أبى شيبة”، وهما أعظم سجل لفقه الصحابة والتابعين، وإلى كتب الحديث وشروحها بصفة عامة، وبخاصة مثل “سنن البيهقي” و “وفتح الباري” لابن حجر و “نيل الأوطار” للشوكاني و “سبل السلام” للصنعاني، وما شابهها…

 

Share via
Copy link