قصة الحروب الصليبية

الحروب الصليبية : د. راغب السرجاني

لقد ضلت الحروب الصليبية مسيطرة على الفكر الأوربي و فكر عامة الناس,  أكثر من ثلاثة قرون متصلة و ذلك من سنة 488ه حين بدأت هذه الحروب و حتى سنة 802ه, بعد انتهائها بقرن كامل. بل ضل الاهتمام بها في جامعات و معهد أوربا و أمريكا, مستمرا إلى الآن. و ثبات هذه الإيديولوجيات لهذه السنين يؤكد أنها عقائد ثابتة و راسخة و عداء و حقد دفين للإسلام و المسلمين  في المجتمع الغربي.

 و بدراسة الحروب الصليبية سنفهم خلفيات الغرب الأوربي في حربه للمسلمين و هي الخلفيات التي حكمت الصراع قديما بين المسلمين و النصارى من الدولة الرومانية. كما سنفهم خلفيات المجاهدين المسلمين و طرقهم في الحرب و في المعاهدة, و في التعامل مع غير المسلمين و مناهجهم في التغيير.

 و يبرز احتياجنا لدراسة الحروب الصليبية بدرجة أكبر عند رؤية التشابه العجيب بين هذه الحقبة القديمة التي مر عليها أكثر من تسعة قرون و بين زماننا المعاصر الذي نعيش فيه الآن. و كما رأينا غزو الصليبين لفلسطين و الشام, نرى في الوقت القريب الهجمات المستمرة و الممنهجة للغرب على بلاد المسلمين,. و إننا نرى نفس التكاتف بينهم لحرب واحدة. و كما رئينا التحالف بين الساسة و الحربيين و رجال الدين و أهل الاقتصاد والعلوم لإمضاء هذه الحرب و تنفيذها, فإننا نرى الآن نفس التكاتف و التعاون و التنسيق لحرب الإسلام في أكثر من بقعة.  و نعطي كمثال, زرع كيان صهيوني في نفس الأرض, في فلسطين و مده بكل أنواع الدعم من طرف الغرب الصليبي, غزو الغرب للعراق و أفغانستان, و الشيشان و كشمير و السودان… و سوريا و غيرها. و أوجه التشابه من أن تحصى, و عند دراسة القصة سنشعر و كأننا نقرأ صفحات من ماضي, و لكن نقرأ قصة واقعنا و مجتمعنا الذي نعيش فيه الآن. 

 و يظهر جليا عندما ندرس قصة الحروب الصليبية, الإختلاف الفكري و الفقهي و العقائدي في قضية حساسة جدا, داخل الأمة الإسلامية, و هي قصة السنة و الشيعة.ذلك أن الأحداث تدور في منطقتي مصر و الشام, و هما واقعتان تحت سيطرة سلجوقية سنية من جهة وعبيدية فاطمية شيعية من جهة أخرى, و هذا أفرز مواقف كثيرة  تعين على فهم دقائق الأمور…