البدعة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعريف البدعة في مقابل السنة، هي ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات…فكل من دان بشيء لم يشرعه الله فذاك بدعة، وإن كان متأولاً فيه.[1]
وقال الشيخ الشاطبي رحمه الله , البدعة, عبارة عن طريقة في الدين, تضاهي الشريعة, يقصد بالسلوك عليها, المبالغة في التعبد لله سبحانه … و كل علم خادم للشريعة, داخل تحت أدلته, التي ليست مأخودة من جزئي واحد, فليست ببدعة البتة.[2]
قال تعالى
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {7} الحشر.
والمعنى, مهما أمركم به رسول الله صلى الله عليه وسلم, فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه, فانه يأمر بخير . واتقو الله في امتثال أوامره وترك زواجره, انه شديد العقاب, لمن عصاه وخالفه.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب في الناس قال :أما بعد, فان خير الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة -وكل ضلالة في النار-.[3]
عن عائشة رضي الله عنها, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد [4]
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحلال بين والحرام بين, وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس, فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات, كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وان لكل ملك حمى ألا وان حمى الله تعالى في أرضه محارمه. ألا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, و إذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب.[5]
قال تعالى : وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ- الأنعام.153
قال مجاهد والسبل هي البدع والشبهات. قال الشاطبي, و هذا تفسير يدل على شمول الآية, لجميع طرق البدع.[6]
عن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه, قال, رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين و سبعين ملة. وان هذه الملة ستفترق على ثلاث و سبعين, ثنتان وسبعون في النار , وواحدة في الجنة, وهي الجماعة و إنه سيخرج من أمتي أقوام تجاري بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه, لا يبقى منه عرق و لا مفصل إلا دخله.[7]
عن جرير ابن عبد الله, قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ:… من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً ، فعُمِل بها بعده، كُتِبَ له مثلُ أجرِ مَن عمل بها. ولا ينقصُ من أجورِهم شيءٌ. ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً، فعُمِل بها بعدَه، كُتب عليه مثلُ وِزرِ من عمل بها ، ولا ينقصُ من أوزارِهم شيءٌ… [8]
و التعريف بالبدعة له مسلكان الأول أقتصر على أن البدعة محرمة, و ذلك مما ذهب إليه الإمام بن رجب الحنبلي((المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه. فأما ما كان له أصل في الشرع يدل عليه, فليس بدعة شرعا, و إن كان بدعة لغة.))[9]
والمسلك الثاني قسم البدعة إلى أحكام وهو مسلك الإمام العز بن عبد السلام الذي اعتبرأن ((البدعة فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه و سلم, و هي منقسمة إلى: بدعة محرمة, بدعة مندوبة, بدعة مكروهة, و بدعة مباحة. و الطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة: فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة, وإن دخلت في واجب التحريم فهي محرمة, وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة, وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة.))[10]
ولقد وافقه الامام النووي في الأذكار [11], و ابن حجر العسقلاني, إذ قال:((وكل ما لم يكن في زمنه بدعة و لكن منها ما يكون بخلاف ذلك.))[12]
وقد روى أبو نعيم [13] والبيهقي[14] عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال:(( المحدثات من الأمور ضربان أحدهما:ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا, فهذه بدعة الضلالة. و الثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا, فهذه محدثة غير مذمومة.))
و قال ابن الأثير: البدعة بدعتان, بدعة هدى و بدعة ضلال.فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه و سلم فهو في حيز الذم و الإنكار, و ما كان موافقا تحت عموم ما ندب إليه فهو في حض المدح…لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد جعل له ثوابا فقال: ((من سن سنة حسنة كان له أجرها و أجر من عمل بها)) و قال في ضده: ((من سن سنة سيئة كان عليه وزها ووزر من عمل بها)) و ذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به و رسوله صلى الله عليه و سلم. ومن هذا النحو قول عمر رضي الله عنه: ((نعمت البدعة هذه)).لما كانت من أفعال الخير و داخلة في حيز المدح مدحها,لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها لهم, ولا كانت في زمن أبي بكر رضي الله عنه.إنما عمر رضي الله عنه جمع الناس عليها وندبهم إليها فبهذا سماها بدعة وهي في الحقيقة سنة, لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم ((عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين من بعدي)) [15].و على هذا التأويل يحمل الحديث الآخر:((…كل محدثة بدعة, و كل بدعة ضلالة..)).إنما يريد ما خالف أصول الشريعة و لم يوافق السنة.
و ضرب العلماء أمثلة في البدع تعتريها الأحكام التكليفية, فالبدعة الواجبة كالاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, وذلك واجب. والبدعة المحرمة مثل مذهب القادرية والجبرية والمرجئة والخوارج. و البدعة المندوبة مثل إحداث المدارس والقناطر و صلاة التراويح جماعة, و البدعة المكروهة مثل زخرفة المساجد, تزويق المصاحف و غيرها. والبدعة المباحة مثل المصافحة بعد الصلوات إلى غير ذلك. أما الزعم بأنها محرمة إتكاء على تسميتها بدعة عند بعض العلماء, فغير سديد لأنه يسد باب الاجتهاد المعمول به المستقر بين العلماء. و هذا هو عين البدعة المذمومة التي جاء بها الشرع.[16] و الله أعلم
————————————
أصول الحكم على المبتدعة ابن تيمية 67-68[1]
الاعتصام – الشاطبي[2]
رواه جابر ابن عبد الله فتاوى نور على الدرب- ابن باز. ورد بزيادة(البيهقي)[3]
صحيح مسلم 1718[4]
صحيح البخاري 52[5]
الاعتصام – الشاطبي[6]
صحيح الجامع الألباني 2641[7]
صحيح مسلم 1017[8]
جامع العلوم و الحكم-2/781 –[9]
قواعد الأحكام في مصالح الأنام -2/204-[10]
الأذكار-382 –[11]
الفتح الباري 2/394 –[12]
الحلية 9/113 –[13]
مناقب الامام الشافعي-468-469/1 –[14]
النهاية في غريب الحديث 106/1 –[15]
فتوى بحثية-ما هي البدعة الحسنة-دار الافتاء المصرية –[16]