البر بالوالدين وصلة الرحم
صفات عباد الرحمن : البر بالوالدين وصلة الرحم
يعتبر الإسلام, البر بالآباء من أفضل أنواع الطاعات التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى, و البر بالوالدين معناه زيارتهما و طاعتهما وإظهار الحب والاحترام لهما.
وصِلَةُ الرحم تعني الإحسان إلى الأقربين، و زيارتهم والسؤال عنهم، وتَفَقُّدِ أحوالهم ومواساتهم في أحزانهم و مشاركتهم في أفراحهم ، وعيادة مرضاهم، وغير ذلك ممَّا من شأنه أن يُقَوِّيَ من أواصر العَلاقات العائلية بينهم.
قال تعالى
وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً {23} ” الإسراء
ويفيد الإنسان أن يتذكر أنَّ والديه أصل وجوده وسبب بقائه بما تعاهداه من حمل أمه له وتربيتها، وتعب والده لحمايته وصونه. وهذا يوجب لهما حق التواضع والخضوع، واستشعار الذل أمامهما. و التواضع يعتبر من حق الوالدين على ولدهما.
ومن أشكال البر بهما قوله تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ[1] وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً {24} الإسراء. و ادع لهما بالرحمة أحياء وأمواتا، جزاء على تربيتهما إياك صغيرا.
ومن مظاهر الأدب والتواضع, يجب أن لا يقاطع الابن أبويه عند حديثه مع أحدهما, و أن يخفض صوته في حضرتهما, لأن رفع الصوت علامة التمرد والتهاون بمقام الوالدين.
وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً {1}النساء.
واتقوا الله بطاعتكم إياه واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها.
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ {21}الرعد.
والذين يصلون أبويهم ببرهم بالقول والفعل وعدم عقوقهم، ويصلون الأقارب والأرحام، بالإحسان إليهم قولا وفعلا, خشية من الله وخوفا من يوم الحساب.
عن أنس رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحب أن يمد له في عمره وأن يزداد له في رزقه, فليبر والديه وليصل رحمه[2] .
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة قاطع رحم . [3]
عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان له أقارب ضعفاء ولم يحسن إليهم, ويصرف صدقته إلى غيرهم لم يقبل الله منه صدقته ولا ينظر إليه يوم القيامة، وان كان فقيرا, وصلهم بزيارته والتفقد لأحوالهم .[4]
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا الرداد الليثي أخبره قال, قال سمعت عبد الرحمن بن عوف يذكر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تبارك وتعالى : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من إسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته [5].
عن عبد الله بن أبى أوفى يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم [6].
عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال, جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي, قال, أمك, ثم قال, أمك ,ثم قال, أمك, ثم قال أبوك[7] .
ويعتبر بر الوالدين أفضل من الجهاد، وأعلا مراتب الجهاد في سبيل الله تعالى؛ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى نبي الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال: ((فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟)) قال: نعم، بل كلاهما، قال: ((تبتغي الأجر من الله؟)) قال: نعم، قال: ((فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما)[8]
قال ابن حجر في شرح الحديث: ((أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برهما والإحسان إليهما؛ فإن ذلك يقوم مقام الجهاد))[9]؛ لأن المراد بالجهاد في الوالدين: بذل الجهد, والوسع, والطاقة في برهما؛
ورضا الله من رضا الوالدين لحديث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد (رواه ابن حبان).
وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: إن أمي قدمت علي وهي مشركة, فسألت النبي: أأًصلها? فال نعم (متفق عليه).
وجزاء بر الوالدين الجنة لحديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة فقلت : من هذا قالوا : حارثة بن النعمان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم :كذلكم البر كذلكم البر” وكان أبر بوالديه (أخرجه الحاكم- صحيح الجامع الصغير)
وبر الوالدين يكون أيضا سببا في الفرج في الدنيا, لحديثعبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر فأووا إلى غار في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم فقال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي ولي صبية صغار أرعى عليهم فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي فسقيتهما قبل بني وأنه نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أسقي الصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء …”(متفق عليه)
وعقوق الوالدين من كبائر الذنوب والآثام ، والعاق معرض بعقوقه لسخط الله وغضبه .عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَلْعُونٌ مَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ ) (صحيح الترغيب والترهيب)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ ، وَالدَّيُّوثُ ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى ) ” صحيح سنن النسائي “.وفي هذا زجر وترهيب شديد من عقوق الوالدين .والواجب على الولد أن يشكر والديه ، وأن يحسن إليهما وأن يبرهما ، وأن يطيعهما في المعروف ، ويحرم عليه عقوقهما ، لا بالكلام ولا بالفعل .
———————————–
تواضع لهما بفعلك[1]
مسند أحمد ح13425- ج3/229[2]
رواه البخاري و مسلم وغيرهم[3]
رواه الطبراني- كتاب الكبائر الذهبي 37[4]
المستدرك على الصحيحين الحاكم. ح7271-ج4/174[5]
الأدب المفرد البخاري ج63-ج1/36[6]
صحيح البخاري و مسلم 5626-ج5/2227 و2548-ج4/1974[7]
صحيح مسلم -4630 [8]
فتح الباري بشرح صحيح البخاري (10/ 403)[9]