الشيخ المجاهد عسو أبسلام
– تراجم لنخبة من علماء و مجاهدين من المغرب العربي رضي الله عنهم
الشيخ المجاهد عسو أبسلام
تمهيــــد:
من المعروف أن عسو أوبسلام من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية في التاريخ المغربي الحديث والمعاصر إلى جانب محمد الشريف أمزيان وعبد الكريم الخطابي وموحا حمو الزياني. وقد اشتهر عسو أوبسلام بمحاربته للگلاويين والفرنسيين في الجنوب المغربي وانتصاره على المحتل في معركة بوگافر سنة 1933م.
وإذا كان عبد الكريم الخطابي قد أشعل نار المقاومة في جبال الريف، وموحا أوحمو الزياني قد أججها في جبال الأطلس المتوسط، فإن عسو أوبسلام قد حرض آيت عطا على مجابهة الاستعمار الفرنسي في الأطلس الكبير الشرقي وجبل صاغرو إبان الثلاثينيات من القرن العشرين.
ونلاحظ أن مقاومة عسو أوبسلام أشبه بمقاومة عبد الكريم الخطابي من حيث النهاية والمصير؛ لأنها انتهت بالاستسلام والتفاوض حقنا للدماء وزهق نفوس الأطفال والشيوخ والنساء في معركة تحررية غير متكافئة القوى بين الطرفين المتحاربين عددا وعدة.إذاً، من هو عسو أوبسلام؟ وماهي أهم المراحل التي مرت منها مقاومته الجهادية ضد الفرنسيين والگلاويين؟ وماهي النتائج التي أسفرت عنها مسيرته النضالية ضد خونة الداخل وغزاة الخارج؟
1/ من هو عسو أوبسلام؟
ولد عسو أوبسلام في سنة 1890م، و يعد من كبار المقاومين السوسيين الأمازيغ في ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي، فقد تولى شؤون قبيلة آيت عطا لبسالته المعهودة وشجاعته المعروفة في القيادة وتأطير المقاومين وتوحيد قبائل آيت عطا والتمكن من التدبير المدني والعسكري والنجاح في عقد التحالفات بين قبائل الأطلس المجاورة لصد الغزاة وخونته العتاة.
وبعد تغلغل الاحتلال الفرنسي ومعاونيه من الگلاويين في الأطلس الكبير الشرقي وجبل صاغرو، تولى قيادة المقاومة الأمازيغية ضد الگلاويين والفرنسيين على حد سواء، ودخل عسو أوبسلام معهم في معارك عديدة أهمها معركة بوگافر سنة 1933م التي انتصر فيها على المستعمر الفرنسي أيما انتصار. ولم يستسلم هذا المقاوم الشهم إلا في 25 مارس1933م بعد اشتداد الحصار المفروض عليه برا وجوا، وتطويقه عسكريا من جميع الجهات؛ مما دفعه الواقع المر والظروف المأساوية التي كانت تعرفها قبائل آيت عطا إلى الاستسلام والتفاوض وفق شروط كانت في صالح آيت عطا، وكانت وفاة عسو أوبسلام رحمه الله سنة 1963م.
2/ تطور مقاومة عسو أوبسلام:
انطلقت مقاومة عسو أوبسلام من الأطلس الكبير بين أحضان جبل صاغرو، ووجه مقاومته وجهتين: الوجهة الأولى استهدف من خلالها محاربة التهامي الگلاوي الذي فرض سطوته على الجنوب مع العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وساعده الفرنسيون على مد نفوذه على كل قبائل الجنوب ودعموه بالمال والأسلحة من أجل تطويق السوسيين والتخلص من مقاوميهم الأشاوس وأبطالهم الشجعان وثوارهم الأقوياء، وكل ذلك من أجل إشباع رغباته المادية والجسدية، وتقوية سلطته السياسية على منطقة الجنوب من مقره المركزي بمراكش ، وتقوية مكانته الاجتماعية وفرض جبروته من أجل الاستيلاء على ممتلكات الآخرين وجمع أموالهم على حساب مصلحة الشعب ومصلحة الوطن العليا.
وهكذا، عمل الگلاوي وأتباعه من القواد ورجال الإقطاع على إثارة التفرقة في الجنوب وتشتيت وحدة الأمازيغيين من قبائل سوس، كما ساعدوا على تمكين الفرنسيين في منطقة الجنوب عن طريق زرع الفتن بين القبائل و نشر الخلاف بينها، وجذب بعض الزعماء إليهم وإبعاد الآخرين ومحاربتهم بالتحالف مع الجيش الفرنسي ، وشن حملات عسكرية ضد المعارضين لسياستهم المهادنة للمستعمر الفرنسي، فحاربهم المقاوم الوطني بلقاسم النگادي في منطقة درعة إلى أن انتهت مقاومته في 1934م بعد أن حاصره الفرنسيون مستعملين في ذلك الطيران، فانتقل بعد ذلك للاستقرار في المغرب الشرقي.
ومن جهة أخرى، قاوم عسو أوبسلام القوات الفرنسية مقاومة باسلة ولاسيما في المعركة المظفرة بوگافر التي انتصر فيها المجاهدون السوسيون انتصارا باهرا حير القادة الفرنسيين آنذاك، واعترف ضباط الاحتلال بهزيمتهم النكراء ، وأشادوا بشجاعة المقاوم القائد عسو أوبسلام حتى في لحظة استسلامه، كما أثنوا على صمود المجاهدين وصبرهم وتفانيهم الصادق في الجهاد والدفاع عن أرضهم وحماية أعراضهم و الاستبسال من أجل الحفاظ على ممتلكاتهم وأرزاقهم.
3/ سيناريو معركة بوغافر:
أ- سياق المعركة وحيثياتها:
لم تندلع مقاومة عسو أوبسلام في الأطلس الكبير الشرقي وجبل صاغرو إلا للوقوف في وجه الحملات التمشيطية التي كان يقوم بها الگلاوي في المناطق السوسية لإخضاعها للفرنسيين مقابل الحصول على الامتيازات المادية والمعنوية وبسط نفوذه السيادي على كل القبائل الأمازيغية في الجنوب تذليلا و تفقيرا وتجويعا وتسخيرا.
وهناك دافع آخر كان وراء اندلاع هذه المقاومة الأمازيغية الشرسة وهو أكثر أهمية من الدافع الأول يتمثل في تغلغل القوات الفرنسية في جبال الأطلس الكبير الشرقي قصد السيطرة على خيرات الجنوب واستنزاف معادنه ونهب ثرواته وتحويل سكانه الأحرار إلى عبيد أذلاء مسترقين يخدمون المستعمر الغاصب الذي لايخدم سوى مصالحه الشخصية على حساب مصلحة المحميين الذين يعدون اجتماعيا من الدرجة الدنيا أو من الطبقة الخسيسة الحقيرة التي لاتستحق سوى التعذيب والتجويع والإهانة.
وهناك دافع آخر يتمثل فيما هو ديني وأخلاقي، فمن المعروف أن الأمازيغيين يخافون كثيرا على أعراضهم ويغيرون على حرماتهم ويذودون على نسائهم ويسترخصون في ذلك النفس والنفيس ؛ لأنهم لا يقبلون بالذل والعار ولا بالضيم والفحش والجور ، لذا انبروا مسرعين في صف واحد متحالفين مع قبائل الأطلس المجاورة لمجابهة العدو الكافر الذي أتى ليخدش كرامتهم ويذل رقابهم ويستحيي نساءهم ويسومونهم سوء العذاب.
ب- مراحل المعركة:
لم تتأجج مقاومة عسو أوبسلام ميدانيا إلا بعد قضاء الفرنسيين على مقاومة أحمد الهيبة في الجنوب، واحتلالهم لغرب الأطلس الكبير والأطلس الصغير انطلاقا من مدينة مراكش. لذا، تجمعت قبائل آيت حمو وآيت مورغاد وآيت عطا بجبل صاغرو، شرق الأطلس الصغير، وقد اتخذ عسو أوبسلام هذه المنطقة الجبلية قلعة حصينة للمقاومة والصمود والتحدي، فقاد القبائل السوسية لخوض معركة بوگافر في فبراير 1933م لصد تغلغل المحتل الفرنسي، ورفض كل الإغراءات والمساومات التي قدمتها فرنسا له على لسان المترجمين المغاربة .
هذا، وقد أظهر السوسيون شجاعة كبيرة في هذه المعركة وبطولة ملحمية كبدت الفرنسيين خسائر فادحة في الأرواح البشرية والعتاد العسكري والمؤن على الرغم من الظروف التي عاش فيها المقاومون أثناء خوضهم غمار الحرب ضد الأعداء الفرنسيين كالمعاناة من العطش والجوع وشدة البرد وانعدام الإمكانيات المادية والمالية وقلة الذخيرة العسكرية لمقاومة المحتل أطول وقت ممكن. كما كان المقاومون السوسيون يتعرضون ليلا ونهارا لوابل من القنابل ورصاصات الرشاشات القاتلة. ويعترف أحد الضباط الفرنسيين بشجاعة السوسيين في معركة بوگافر وببسالة عسو أوبسلام:” ابتداء من 13 فبراير 1933م كان فشل الهجومات الأولية…ومن 22 إلى 28 فبراير كان الهجوم على بوغافر…وقد اصطدمنا بمقاومة لاتصدق للثوار… حيث كانت خسائرنا مهمة… ومع استحالة وصولنا إلى قمة بوغافر(أحد جبال صاغرو) تقرر الحصار من طرف القيادة… وحينئذ، وطيلة شهر بكامله كانت مقاومة الثوار للبرد والجوع والعطش باهرة، على الرغم من تلقيهم لوابل من القنابل نهارا وليلا، وإطلاق الرشاشات عليهم كلما اقتربوا من أحد الآبار، فقد قاوموا كل العروض المغرية…الموجهة إليهم من طرف المترجمين…”.
ومن المعلوم أن الفرنسيين قدموا إلى قمة بوگافر بقوة عسكرية تعدادها 83 ألف مقاتل سنة 1933م مدعمة بسلاح الطيران انطلاقا من مدينة ورزازات، بينما كان عدد المجاهدين هو سبعة آلاف رجل مدججين ببنادق بسيطة. فطلع الجنود الفرنسيون – حسب وثيقة تاريخية شاهدة – إلى جبل صاغرو :” من كل جهة… ويضربون بالبارود والأنفاط (القنابل) والقرطاس والطيايير(الطائرات) والمهابلة(المدافع الرشاشة)، والمسلمون( المجاهدون من آيت عطا بزعامة عسو أوبسلام) يضربونهم حتى قتلوا في النصارى كذا وكذا من نفس( عدد كبير) بين الفسيانة وقبطان واكنانيرة وكولونيلات وكبار حكامه وسرجانه (sergents )، وغير ذلك من گوم (Goumiers )، وعساكر، ومع الذين حركوا معه يسمى برطيزة ( Partisans ، المجندون من أبناء القبائل) وأما الذي مات في لالجو(la légion ) لايحصى عدده إلا الله… وقعدوا ( استمر) البارود في تلك الجبال بكافر منه خمسة وأربعون يوما… والمسلمين لم يكن عندهم جهد من القوام من العدة والبارود والمؤونة…”
ولم تقتصر معركة بوگافر على الرجال السوسيين فقط، بل كانت النساء السوسيات يحرضن المقاومين على القتال والجهاد ، إذ اتخذت النازلة أو المعركة صبغة دينية ، فالصراع هنا بين المسلمين والكفرة، وتقول الوثيقة التاريخية الشاهدة في هذا الصدد مشيرة إلى دور المرأة الأمازيغية في تحفيز المجاهدين على الاستمرار في المعركة والتصدي للعداة الأجانب” وكذلك النساء التي حضروا (حضرن) في تلك الغزوة ، وأنهن فعلن كما(مثل)أفعال الرجال في يوم القتال رضي الله عنهن، وأنهن تنبهن الرجال في يوم القتال ليقولن كونوا الرجال… والنصارى خدام الكور(مستمرون في القصف)، والقرطاس على المسلمين ليلا ونهارا، والأرض تضرب مثله كمثل المطر إذ كان ينزل بالكثرة، ودخان الأنفاط والطيارات على المسلمين كمثل الغيام الأسود، ولم يحيرن ( غير مباليات) أنهن يقولون ( يقلن) للمسلمين اضربوا العدو”.
ويعني هذا أن المرأة الأمازيغية كانت تقاوم إلى جانب الرجل، وكانت في بعض الأحيان أكثر جرأة وشجاعة من الرجال ، إذ لم يقبلن بسياسة التفاوض والاستسلام ولو كان ذلك الاتفاق مشروطا وفي صالح آيت عطا، فقد أورد الشعر الأمازيغي في هذا السياق الكثير من الأبيات الشعرية على لسان نساء آيت عطا ينتقدن فيها عسو أوبسلام ويرفضن استسلامه الفاشل حينما قبل التفاوض مع المحتل ، وهادن الكفرة بدلا من النضال حتى آخر لحظة من حياة التصدي والصمود.
ت- نتائـــج المعركـــة:
أسفرت معركة بوگافر التي وقعت في فبراير 1933م عن تكبيد الاستعمار الفرنسي 3500 قتيل، واستمرت المعركة اثنين وأربعين يوما حسب الروايات الفرنسية أو خمسا وأربعين يوما في روايات مغربية مقابلة، وترتب عنها مقتل الكثير من الضباط ذوي الرتب السامية ، واستخدمت فرنسا فيها أفتك الأسلحة المتطورة من رشاشات ومدفعية ثقيلة وطائرات مقنبلة. بيد أنها لم تفلح في تحقيق الانتصار الحقيقي؛ مما دفع قواد الجيش الفرنسي للاستنجاد بالقيادة المركزية لإغاثتهم بقوات عسكرية إضافية.
وفي المقابل، تقدر مجموعة عسو أوبسلام التي نزلت للتفاوض مع الجنرال هوري HURE بعد معركة بوگافر بعد 30 ماي 1933م حسب المصادر الفرنسية 2949 نفر، من ضمنهم 1200 مقاتل. ومن هنا نفهم بأن معارك بوگافر أدت إلى استشهاد 700 مقاوم ومقاومة وأكثر من 4000 من الشيوخ والأطفال. وقد ورد عند العقيد ماتيو Mathieu في كتابه” حياة مجيدة” Une Vie exaltante ما يلي:” لم يبق لدى آيت يعزى إلا رجل واحد من ثلاثين كانونا، وشابين من 16- 20 سنة؛ وفي أصغر العشائر الثلاث من ايكنيون أربعة رجال من بينهم شيخان اثنان من 42 كانونا؛ ومن آيت عيسى أوبراهيم جماعة آيت الفرسي، قتل ثلث نسائهم ببوگافر”.
وفقد عسو أوبسلام أربعة أفراد من أسرته في معركة بوگافر: أخوه إبراهيم وزوجته من آيت إيسفول التي استشهدت نتيجة إصابتها بحروق وهي تحمل الذخيرة للمقاومين، وبنته التي لم يتجاوز عمرها 13 سنة أثناء جلبها الماء من العين، وابنه من زوجته الثالثة.
إذاً، نستنتج أن معركة بوگافر كانت لصالح المقاومين الأمازيغيين على الرغم من كون فئتهم قليلة العدد بالمقارنة مع القوات المتحالفة التي كانت أكثر عددا وعدة، إلا أن مقتل الشيوخ والأطفال والنساء بكثرة ( أكثر من 4000 قتيل) سيدفع عسو أوبسلام حقنا لدماء هؤلاء إلى الاستسلام مقابل اتفاق مشروط لصالح آيت عطا.
4/ مصير مقاومة عسو أوبسلام:
لقد سببت معركة بوگافر التي قادها عسو أوبسلام في خسائر جسيمة ستؤثر سلبا على خطة المحتل العسكرية، ولم يتنفس الفرنسيون الصعداء إلا بعد عقد المعاهدة المشروطة مع عسو أوبسلام، والقضاء على آخر مقاومة في الجنوب سنة 1934م بسبب ضعف التأطير والتنظيم والنقص في الذخيرة والأسلحة، وتعاون بعض المغاربة والقواد مع القوات الفرنسية من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة ومصلحة الوطن العليا.
ولما اندحرت القوات الفرنسية العديدة أمام المجاهدين السوسيين الذين كان يقودهم عسو أوبسلام في معركة بوگافر، استدعت القيادة العسكرية الفرنسية المنهزمة مزيدا من القوات الإضافية إلى المنطقة، فضرب الحصار على رجال المقاومة وضيقوا عليهم الخناق، واستعملوا في ذلك الطائرات المقنبلة والرشاشات والمدفعية الثقيلة، فانتهى الحصار باستسلام عسو أوبسلام في 25 مارس 1933م، و النزول من قلعته العتيدة مع رفاقه من قبيلة آيت عطا للتفاوض مع الجنرال هور Hure قرب زاوية خويا إبراهيم، وقد انتهى التفاوض بتوقيع اتفاق مشروط أو بمعاهدة 30 مارس 1933م والتي كانت لصالح قبائل آيت عطا. وقد قال عنهم الجنرال هوري بعد نزولهم للتفاوض:” كانوا يظهرون هادئين وقورين غير محطمين، بالرغم من أنهم كانوا في أقصى حدود قوتهم واعين بأنهم صمدوا حتى النهاية وحافظوا على عاداتهم المشبعة بالحرية والشهامة”
ولكن بعد رجوع عسو أوبسلام إلى المقاومين المرابطين في الجبال ليعلن عن المعاهدة التي أبرمها مع الفرنسيين حقنا لدماء النساء والأطفال والشيوخ وتكسيرا للحصار المضروب عليهم مدة اثنين وأربعين يوما ، على الرغم من كونهم لايملكون الأسلحة المتطورة والذخيرة الكافية للاستمرار في الحرب مع القوات الفرنسية التي كانت مجهزة بأحدث الأسلحة الفتاكة، إلا أن المجاهدين رفضوا هذه المهادنة وخاصة النساء منهم ، فاعتبروها خيانة وتصالحا مع الأعداء ، فأنّبوا المقاوم عسو أوبسلام واحتجوا ضد قرار الاتفاق فاتهموه بالخيانة العظمى . وفي هذا يقول هنري بوردو:” وعندما رجع عسو أوبسلام من المقابلة وبخ من قبل النساء، إنهن أردن الصمود حتى الموت”.
وقد هجا الشعر الأمازيغي السوسي هذه الاتفاقية التي أبرمها عسو أوبسلام مع الجنرال هوري، كما استنكر هذا الشعر الشعبي بكل حدة ومرارة مصافحة المقاوم عسو أوبسلام يد جنرال هوري ، فاعتبر تلك المصافحة خروجا عن الدين الإسلامي وموالاة للكفار النصارى.
وتقول الشاعرة زهرة بنت الطيب منتقدة عسو أوبسلام و ما آلت إليها مقاومة جبل صاغرو:
ءاباسلام ليغ ءيطفن صاغرو سو- كونون
ءاليك ي- تءيزنزان ءايمغارن- ءايت بولان
ليغ ك- نولي ءاصاغرو ءي هانبي ءايزوار-ءاغ
ليغ ك- ءايدنوكز ءاصاغرو وءيهانبي نزرتين
ءوولاه ءارا ءاحشمغ ءاهانبي لييغ ك- ءايغرد ءافوس
ءاها- نبي ءاوا عاونات ءي ليسلام ءاد ءالين
ءاالصالحين ن تاساوت- دصاغرو بداتاغ
وعلى الرغم من هذه المعاهدة التي تستلزم توقيف القتال بين الطرفين ، فقد أشاد هنري بوردو عضو الأكاديمية الفرنسية حين زار جبل صاغرو بعد مرور سنة على أحداث معركة بوگافر وبالضبط في سنة 1934م، فقال:” لقد أرسلت عليهم ( على المجاهدين المقاومين) القنابل ليل نهار من السماء ومن الأرض مدة 42 يوما، اثنين وأربعين يوما من الحرمان والأرق والعطش، اثنين وأربعين يوما قضوها مع الحيوانات وقد جنت وأخذت تصرخ حتى الموت، وقضوها مع الجثث المتعفنة وتعذر عليهم إيرادها كل هذه الدواب التي أصابها الهلع. فلنقس بذلك قدرتهم على تحمل ماقاسوه من المحن تحملا يسمو بهم إلى أعالي الدرجات. وليت أحد أولئك البربر الذين دافعوا دفاع الأبطال عن بوگافر كان شاعرا فليخلد مفاخر ذويه في هذه الجبال التي احتضنت الشهداء، ويخلد مراحل هذه الملحمة الفظيعة التي كانت معجزة من المعجزات. ولو وقف أحد الرواة في ساحة جامع الفناء بمراكش بين المغنين والراقصين والرواة ينشد ملحمة جبل صاغرو البربرية لالتف أفواج الناس حوله التفافا”.
ولقد أحسن عسو أوبسلام فعلا وعملا حينما اختار لغة التفاوض والاتفاق بدلا من هدر كثرة الدماء في جبل صاغرو بدون وعي وحكمة، وهذا ماقام به بطل الريف عبد الكريم الخطابي كذلك لما أحس أنه لايستطيع أن يواجه القوى الأوربية المتحالفة المدججة بالأسلحة الغازية والكيميائية، ولم يقدح فيه أحد لا من الريفيين ولا من العداة الأجانب؛ لأنه أراد حقن الدماء والحفظ على سلامة الريفيين وحياتهم.
وينطبق هذا على عسو أوبسلام الذي كان يعلم جيدا أن أتباعه من المقاومين قد حاربوا بما فيه الكفاية ، وقد انتابهم التعب والإعياء والعطش والجوع والبؤس وشدة البرد والقر، وبالتالي، لايستطيعون المقاومة أكثر بما لديهم من أسلحة تقليدية تتمثل في البنادق والخناجر والفؤوس.
وعلى الرغم من الهجاء الذي وجه للقائد عسو أوبسلام من قبل الشعر الأمازيغي السوسي، فإن هذه المقاومة – حسب الأستاذة للاصفية العمراني- اعتبرت من طرف الضباط الفرنسيين الذين أطروا وقادوا تلك الحرب، بأنها ملحمة كبرى واجه فيها آيت عطا بنسائهم ورجالهم وأطفالهم وشيوخهم، قوة عسكرية تفوقهم عدة وعددا، ومجهزة بأسلحة متطورة جدا مقارنة مع أسلحة المقاومين؛ لم يكن بالرجل الذي يستسلم إذا لم تلب له بعض الشروط، والجنرالات الذين جابهوه أثناء هذه المعارك كانوا يعرفون جيدا بأن الحل الوحيد لإيقاف هذه الحرب الشرسة، يكمن في قبول بعض الشروط الغالية لدى المقاومين، فمن ضمن الشروط التي اشترطها عسو أوبسلام في مفاوضات 25 مارس 1933م، أي قبل وضع السلاح: ألا تمتد سلطة التهامي الگلاوي إلى آيت عطا، وأن تبقى أعرافهم وعاداتهم مصانة؛ ألا ترقص المرأة العطاوية أو تغنى إلا في المناسبات العائلية كالأعراس ولا تتعداه إلى الحفلات الرسمية.”
وهكذا، استطاع أن يخرج عسو أوبسلام من معركة بوگافر أو من لحظات الاستسلام والتفاوض المشروط مع المحتل الفرنسي منتصرا ماديا ومعنويا، واستطاع أيضا أن يحافظ على هيبته ومكانته الاجتماعية والتاريخية حينما نجح في إبرام سلام الشجعان وتفاوض الأبطال.
خاتمـــــة:
يتبين لنا ،من خلال هذا العرض الوجيز، أن عسو أوبسلام من أهم الأبطال الأمازيغيين الذين خاضوا مقاومة شرسة ضد الاستعمار الفرنسي في الثلاثينيات من القرن العشرين. ومن أشهر المعارك التي قادها المقاوم الباسل معركة بوگافر التي شاركت فيه آيت عطا بتحالف مع القبائل الأطلسية الأخرى المجاورة في سنة 1933م لصد القوات المحتلة ومساعديه من الخونة كالگوم والگلاويين من التغلغل في جبال الأطلس الكبير الشرقي واحتلال جبل صاغرو.
وقد أسفرت معركة بوگافر عن مقتل الكثير من الفرنسيين واستشهاد الكثير من المقاومين الأمازيغيين دفاعا عن دينهم وأرضهم وأنفسهم وأعراضهم وممتلكاتهم . وقد استخدم فيها المقاومون المتبرنسون (يلبسون زي البرنوس) الأسلحة التقليدية من بنادق وخناجر وفؤوس مقابل الأسلحة الحديثة من مدفعية ثقيلة ورشاشات وطائرات مقنبلة. وعلى الرغم من ذلك، فقد انتهت المعركة بهزيمة الفرنسيين شر هزيمة؛ مما دفع بالقادة المخططين لهذه المعركة لمطالبة قوات إضافية لمحاصرة عسو أوبسلام وتطويقه عسكريا برا وجوا.
وعلى الرغم من سياسة التفاوض التي التجأ إليه قائد آيت عطا، فإنها تعبر عن حكمة الشجعان وخبرة الأبطال ، إذ ارتضى من خلالها أن يحقن دماء أبناء قبيلته وألا يعرض الساكنة للمخاطر والتهلكة أكثر من اللازم، مادام التفاوض كان مشروطا بعدة شروط تخدم كلها مصالح آيت عطا في الجنوب وتحافظ على أرواح الناس وأعراضهم وشرفهم.