حب المساكين
لقد قضى الله عز و جل بحكمته أن يخلق الناس باختلافهم، متبايني الدرجات، فمنهم القوي و الضعيف و منهم الغني والفقير ليبلوهم بعضهم ببعض، ليمتحنهم وليختبر صبرهم. و هذا التفاوت سنة كونية بين البشر. و لقد دعا الإسلام إلى التكافل بين الناس، والاهتمام بحالات الفقراء والمحتاجين، وشرع في محكم كتابه ما يحمي لهم حقهم و يحقق التراحم بين الغني والفقير, كما قال تعالى في بيان صفات عباد الله الصالحين: وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ 24 لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ 25 المعارج.
قال تعالى :
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى [1]وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ[2] وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ[3] وَابْنِ السَّبِيلِ[4]وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ[5] إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً[6]{36 النساء .
لقد أوصى الله بالإحسان، بالوالدين، و الأقربين، واليتامى والمحتاجين، والجار القريب منكم والبعيد، والرفيق في السفر وفي الحضر، والمسافر المحتاج، والمماليك من فتيانكم وفتياتكم. إن الله تعالى لا يحب المتكبرين من عباده، المفتخرين على الناس.
و للمساكين مكانة مفضلة عند الله. لقول النبي صلى الله عليه وسلم :هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم[7].
قال ابن بطال المالكي:تأويل الحديث، أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء، وأكثر خشوعا في العبادة، لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا[8]
و هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يحشره في زمرة المساكين. بقوله : اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين, وإن أشقى الأشقياء من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة .[9]
و كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه: لا يأكل حتى يؤتى بمسكين يأكل معه[10] .
عن أبي ذرالغفاري رضي الله عنه, قال, أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع : بحب المساكين ، وأن أدنو منهم، وأن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أصل رحمي وإن جفاني، وأن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن أتكلم بمر الحق، ولا تأخذني في الله لومة لائم، وأن لا أسأل الناس شيئا[11]
ولقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم, الضعفاء بملوك الجنة، في حديث رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبرك عن ملوك الجنة قلت بلى قال رجل ضعيف مستضعف ذو طمرين[12] لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره.[13]
و في ما يلي قصة سيدنا يعقوب مع المساكين : عن أنس بن مالك, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان ليعقوب أخ مؤاخ في الله تعالى, فقال ذات يوم, يا يعقوب, ما الذي أذهب بصرك, قال, البكاء على يوسف, قال, ما الذي أقوس ظهرك, قال, الحزن على بنيامين. فأتاه جبريل, فقال, يا يعقوب, إن الله يقرؤك السلام, ويقول, أما تستحي أن تشكوني إلى غيري, قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ- يوسف.86, فقال جبريل:الله يعلم بما تشكوا يا يعقوب. ثم قال, أي رب, أما ترحمن الشيخ الكبير, أذهبت بصري, وقوست ظهري فاردد علي ريحانتي أشمه شمة واحدة قبل الموت, ثم اصنع بي ما أردت. قال, فأتاه جبريل فقال, إن الله يقرؤك السلام, ويقول لك أبشر, وليفرح قلبك, فوعزتي, لو كانا ميتين لنشرتهما, فاصنع طعاما للمساكين, فان أحب عبادي إلي الأنبياء و المساكين, وتدري لم أذهبت بصرك, وقوست ظهرك, وصنع إخوة يوسف بيوسف ما صنعوا, إنكم ذبحتم شاة, فأتاكم مسكين يتيم وهو صائم, فلم تطعموه منه شيئا, قال, فكان يعقوب عليه السلام بعد ذلك , إذا أراد الغذاء, أمر مناديا فنادى, ألا من أراد الغداء من المساكين, فليتغد مع يعقوب, وان كان صائما من المساكين, فليفطر مع يعقوب عليه السلام [14].
و نختم هذا الباب بحديث روي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أهل النار كل جعظري[15] جواظ[16] مستكبر جماع[17] مناع[18]وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون.[19]– [20]
—————————————
الذي بينك وبينه قرابة [1]
الجار الغريب [2]
الرفيق في السفر [3]
المسافر المنقطع عن ماله [4]
من الأرقاء [5]
متكبرا ومعجبا بنفسه [6]
صحيح البخاري 2896 رواه مصعب بن سعد[7]
نيل الأوطار محمد بن علي الشوكاني[8]
المستدرك ح.7911- ج3/358[9]
صحيح البخاري 5393[10]
الترغيب و الترهيب المنذري 2/38- صحيح الترغيب الألباني 811[11]
متواضع محتقر لخموله في الدنيا[12]
214 السلسلة الصحيحة الألباني 322/4
[14] المعجم الأوسط الطبراني ح.6105-ج6/170
المتكبر الجافي عن الموعظة[15]
الأكول الشروب البطِر الكفور[16]
يحب جمع المال لطمعه وشرهه[17]
لا يرجى منهم خيرا[18]
القانعون الراضون بقضاء الله[19]
1741 السلسلة الصحيحة الألباني 258