حرب صليبية و صراع الحضارات
حرب صليبية وصراع للحضارات
د. ناصر بن محمد الأحمد
إن الحمد لله ..
أما بعد: يضحك الغرب على المستغفلين من المسلمين فيقول لهم إنه لا مكان للحروب الدينية اليوم، لأن الغرب قد تخلى عن الدين، فلم يعد الدين منطلقاً من منطلقاته، ولا باعثاً من بواعثه، إنما المصالح السياسية والاقتصادية هي التي تحرك الغرب اليوم وتحدد له أهدافه ومنطلقاته. وهي كلمة حق يراد بها باطل.
فأما أن أوربا قد تخلت عن دينها فلم يعد الدين منطلقاً من منطلقاتها ولا باعثاً من بواعثها فهذا حق. وأما أن أوربا قد تخلت عن عصبيتها تجاه الإسلام فكذبة ضخمة يكذبها الواقع كله. لا واقع الأمس الغابر وحده بل واقع اللحظة التي نعيشها ونحسبه واقع الغد كذلك.
يمكن أن نحدد بدء الحروب الصليبية المعاصرة من سقوط آخر دويلة إسلامية في الأندلس وهي دويلة غرناطة، وتقسيم البابا لأرض الأندلس التي سماها أرض الكفار إلى دولتين: أسبانيا والبرتغال، وأَمَرَهُما ألا يكتفيا بطرد المسلمين من أوربا بل يجب عليهما متابعة الحرب ضد الإسلام خارج أوربا. والمستغفلون من المسلمين وفي مقدمتهم العلمانيون الذين يحملون أسماء إسلامية يعتقدون أن هذا حادث عفى عليه الزمن ومضى بغير عودة، فنذكرهم إن نفعت معهم الذكرى ولا أظن أن أسبانيا ومعها أوربا كانت تحتفل عام 1992م بمرور خمسمائة عام على طرد المسلمين من الأندلس. هكذا وبهذا النص، وكان عقد المفاوضات بين العرب واليهود في مدريد بالذات في تلك السنة بالذات، مقصوداً به أن يقال للمستغفلين منذ خمسمائة عام أخذنا منكم الأندلس واليوم نأخذ منكم الأندلس الثانية فلسطين. ومن لم يرد أن يفتح عينيه وأذنيه فلن نملك له من الله شيئا (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ).
استجابت البرتغال أول من استجاب، وقام “فاسكو داجاما” بأول رحلة استكشافية حول العالم الإسلامي مستعيناً بالخرائط الإسلامية وبالبحار المسلم “ابن ماجد” ليتعرف على المنافذ التي يمكن النفاذ منها إلى الإسلام. ونُدرّس نحن لأبنائنا أن “فاسكو داجاما” هو أول من اكتشف طريق رأس الرجاء الصالح! وهي كذبة هائلة ندُسّها في غفلتنا في عقول أبنائنا فينشئون على تصديقها.
لقد اكتَشف طريق رأس الرجاء الصالح حقيقةً ولكن لمن؟! لأوربا التي كانت تجهله وقت أن كانت قابعة في داخل حدودها في قرونها الوسطى المظلمة! أما المسلمون فقد كانوا يعرفونه قبل ذلك بأربعة قرون على الأقل، وسفنهم تجوب البحار والمحيطات حاملة تجارة العالم ما بين الصين شرقاً إلى أوربا غرباً وشمالاً. وفي الوقت ذاته نخفي عن أبنائنا الهدف الصليبي من وراء هذه الرحلة الاستكشافية جهلاً منا أو تجاهلاً، ونقول لأبنائنا إنها رحلة علمية! بينما صاحبها نفسه هو الذي صرح بهدفها الصليبي حين وصل بمعاونة ابن ماجد إلى أندونيسيا، التي كانت تسمى يومئذٍ جزر الهند الشرقية، فقال: الآن طوقنا رقبة الإسلام ولم يبق إلا جذب الحبل فيختنق ويموت. هذا هو الهدف من وراء الرحلة الاستكشافية العلمية المزعومة!.
ومثله رحلة ماجلان! عندما استأذن البابا في أن يقود حملة لضم الفلبين تحت راية الصليب، وألح على البابا الذي لم يكن متحمساً للمشروع بسبب ضعف ماجلان عن التصدي للمهمة التي انتدَب نفسه لها، وفي الأخير سمح له البابا فذهب بعساكره فاستولى على إحدى الجزر وتجرأ فرفع الصليب فوق أرضها فقتله أهالي الجزيرة دفاعاً عن عقيدتهم الإسلامية. أما نحن فنُدرس أبنائنا أن الأهالي المتبربرين لم يُقدّروا القيمة العلمية لرحلة ماجلان الاستكشافية فقتلوه.
أما هم فإنهم لا يُصرّحون بأن هدفهم هو هدف ديني صليبي، بل يقولون بأنها دوافع اقتصادية. ولا ينكر أحد في الأرض كلها أن الدافع الاقتصادي كان من دوافع كل الحملات الاستعمارية لبلاد المسلمين رغبة منهم في سلب أقوات هذه البلاد والاستيلاء عليها بغير وجه حق. ولكن الأمر لا يمر بهذه الصورة التي يضحكون بها على السذج الذين يصدقون أكاذيب السادة لأنهم سادة.
السؤال: إذا كان الدافع الأساس هو الدافع الاقتصادي وليس الدافع الصليبي، فما بال الدافع الاقتصادي يلتوي فيأخذ منعطفاً غريباً فيتجه إلى مناهج التعليم في البلاد الإسلامية التي دخلها، فيغير المناهج ويستبدل بها مناهج تخرج أجيالاً لا تعرف عن الإسلام إلا الشبهات، وتنفر منه وتدعو إلى الابتعاد عنه؟!. وما بال الدافع الاقتصادي يلتوي التواءةً أخرى في البلاد الإسلامية فينحي الشريعة ويقصيها عن الحكم بين الناس، ويستبدل بها القوانين التي تبيح الردة، وتبيح الزنا، وتبيح الربا، وتبيح الخمر؟! ثم يسلط على الناس من يُجهّلهم بدينهم فيقول لهم: لا بأس عليكم من تنحية الشريعة، فهذا لا يؤثر في إسلامكم! فما دمتم تصلون وتصومون فأنتم مسلمون.
وفي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبداية العشرين كان العالم الإسلامي كله ما عدا تركيا ذاتُها وأجزاء من الجزيرة العربية قد وقع في قبضة الاستعمار الصليبي، وكان التخطيط على أشده لمحاولة القضاء على الرجل المريض كما كانت أوربا تسمي الدولة العثمانية في نهاية عهدها، وتقسيم تركته بين الدولتين الصليبيتين في ذلك الحين: بريطانيا وفرنسا. وأخيراً تم المطلوب بعد محاولات بلغت فيما يقول أحد الكتاب الأوربيين مائة محاولة! وبعد إعداد ضخم شاركت فيه الصليبية والصهيونية معاً في التخطيط والتنفيذ. فقد صدرت تعليمات خفية من يهود المغرب أن يتظاهروا بالإسلام وينتقلوا إلى البلقان، وأنشئوا حزب الاتحاد والترقي وضموا إليه فريقاً من المسلمين المخدوعين، ونشروا دعوة القومية الطورانية، وهي قومية الأتراك القدامى قبل أن يدخلوا في الإسلام، ونادوا بتتريك الدولة، وكان هذا عملاً مقصوداً مخططاً لاستفزاز العرب وإثارتهم ضد الدولة العثمانية تحت راية القومية العربية، واستُفزّ العرب بالفعل، فتلقفتهم المخابرات البريطانية وأرسلت إليهم “لورنس” لاحتوائهم وتوجيههم للثورة ضد دولة الخلافة، وقام “لورنس” بمهمته بسبب الغفلة التي كان العرب واقعين فيها، فقامت “الثورة العربية الكبرى” بقيادة “لورنس” في الحقيقة، وقيادة الشريف حسين في ظاهر الأمر، وتشكّل “الجيش العربي” بقيادة “لورد أللنبي” وكان من أول أمجاد الثورة تدمير الخط الحديدي الذي أنشأه السلطان عبدالحميد ما بين إسطنبول والمدينة النبوية، ومحاصرة ألوف من الجنود الأتراك وقتلهم. وقال أللنبي في مذكراته: “لولا معاونة الجيش العربي ما استطعنا أن نتغلب على تركيا!”. وحين دخل أللنبي القدس سنة 1917م قال قولته الشهيرة: “الآن انتهت الحروب الصليبية”. وما كانت قد انتهت، ولا تنتهي إلا أن يشاء الله، ولكن القولة تنم عن الروح الخبيثة وراء التخطيط كله، روح صليبية خالصة عارية من كل ستار يغطيها.
وتمت بذلك العملية الأولى من عمليات التفتيت للأمة الإسلامية التي كانت موحدة من قبل تحت راية الإسلام. لقد كانت الأمة وحدة منذ ولادتها على يد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تلك اللحظة التي بدأ فيها التفتيت. لم تكن وحدة سياسية، فقد تفتتت تلك الوحدة منذ كانت للإسلام دولتان في آن واحد، عباسية في المشرق، وأموية في المغرب والأندلس، ثم زادت تفتتاً بعد ذلك، ولكن ذلك لم يؤثر قط في الوحدة الشعورية المنبثقة من العقيدة والمتبلورة حولها، فظلت الرابطة الإسلامية هي الرباط الذي يجمع الشامي والمغربي، ويجمع التركي والعربي والهندي والماليزي والإندونيسي كلهم تحت راية الإسلام، وظلت الخلافة الإسلامية هي الرمز الذي يلتف حوله المسلمون ويمنحونه ولاءهم الشعوري، سواء كانوا خاضعين لسلطانه السياسي أو غير خاضعين له.
ولكن بدخول يهود الدونما من ناحية، والكيد الصليبي الذي تقوده بريطانيا في ذلك الوقت من ناحية أخرى بدأ أول تفتيت حقيقي في بنية الأمة، وكانت دعوى القومية هي المعول الذي استخدم في التفتيت، القومية الطورانية يحملها يهود الدونما، والقومية العربية يحملها العرب المخدوعين.
ولم تقف عملية التفتيت عند هذه النقطة، وما كان متوقعاً لها أن تقف هناك، فحتى هذا الشرخ الذي حدث في الأمة وقسمُها إلى ترك وعرب، لم يكن ليؤتي ثماره المرجوة إذا بقي كل من القسمين مُسلِماً متمسكاً بالإسلام، فهو عرضة أن يلتحم بالقسم الآخر مرة أخرى، أو أن يقف بإسلامه سداً في وجه مخططات الأعداء، فلزم إبعاد القسمين معاً عن الإسلام.
فماذا فعلوا مع الترك؟ وماذا فعلوا مع العرب؟ اسمع للتاريخ.
أما الترك فقد وجد من يبعدهم أو يظن أنه يبعدهم عن الإسلام، وهو “أتاتورك”، الذي اتخذ أساليب خبيثة لمحاربة الإسلام في تركيا، فألغى الخلافة، وألغى الحرف العربي، وألغى الحجاب، وألغى الأذان باللغة العربية، وألزم الرجال بلبس القبعات في محاولة منه لمنع الصلاة، وجعل العطلة يوم الأحد ليفوت على الناس صلاة الجمعة، ونقل العاصمة من إسطنبول المدينة التي تسجل بمساجدها حقبة من أعظم حقب التاريخ الإسلامي، إلى مدينة كان يفخر بأنها المدينة التي لا يوجد فيها مساجد! وذلك كله غير السجن والتعذيب والتشريد والتقتيل الذي نال ألوفاً من علماء الدين، والإرهاب البشع الذي حكم به البلاد.
وأما العرب فقد كان المشوار معه أطول، وهم عصب الإسلام الحي، وحَمَلته إلى البشرية، وبلغتهم نزل القرآن، وبلغتهم كُتبَ القسم الأعظم من تراث هذه الأمة.
بدأ العمل بتفتيت العالم الإسلامي سياسياً وجغرافياً إلى دويلات ضعيفة هزيلة، لا تملك قوة سياسية فهي كلها خاضعة للاستعمار الصليبي، ولا قوة حربية فسلاحها وذخيرتها من صنع أعدائها، والأعداء لا يعطون منه إلا ما يجعل الجيوش تصلح للزينة والاستعراض ولا تصلح للقتال، ولا قوة اقتصادية ومعظمها متخلف اقتصادياً ويحرص الاستعمار الصليبي على استمرار تخلفه ويُغلق أمامه كل باب يمكن أن يمنحه قوةً أو استقلالاً أو يرفع عنه ذل التبعية للغرب، ثم إن هذه الدويلات على ضعفها وهزالها متعادية متنابزة، يتمنى بعضها زوال بعض، ويشتد العداء بينها كلما اقترب بعضها من بعض، فبين كل دولتين متجاورتين مشكلة حدودية متروكة عمداً لتصبح سبباً دائماً لتعكير العلاقات بين البلدين، فضلاً عن بث النعرات الوطنية بين أبناء القومية الواحدة، لتكون سبباً دائماً للتباعد والتفتيت بدلاً من التقارب والالتحام.
وكان هذا كله تمهيداً لإنشاء إسرائيل في أرض مخلخلة لا تقوى على مقاومتها، لأنها لا تملك قوة، ولا قلوبها تلتقي على أمر يجمعها، وإسرائيل هي الدولة الدخيلة التي أشار إليها “لورد بترمان” في تقريره الذي رفعه عام 1907م إلى الدول الاستعمارية التي كانت قد بدأت تقلق من بوادر اليقظة في المنطقة فقال: “لا بد من إنشاء دولة دخيلة تكون صديقة لنا وعدوة لأهل المنطقة، وتكون بمثابة الشوكة تخز العملاق كلما أراد أن ينهض”.
ومع ما سبق كُلُه، فإن هذا التخطيط الماكر كُلُه لم يكن في نظر أصحابه كافياً للهدف الصليبي الصهوني الذي يجري الإعداد لتحقيقه، فقد بقيت قلعة خطيرة جداً يمكن أن تفسد هذا التخطيط، ما هي هذه القلعة؟ إنها قلعة الشباب إذا تربى تربية جادة، وتبنى أهدافاً جادة، فجرى تمييعه بكل الوسائل التي كانت متاحة في ذلك الحين، فسُلطت عليه السينما والإذاعة والشواطئ العارية، والأدب المنحل، ومتابعة المباريات، وبالذات قضية تحرير المرأة لإخراجها من خدرها، ونزع حجابها، وإطلاقها فتنة لنفسها وللشباب من حولها، فيطمئن المخططون تماماً من جهة هذا الشباب أنه لن يتيقظ لمخططاتهم، لأنه مشغول بشهواته وتفاهاته، أو مشغول بلقمة العيش في أحسن الأحوال، فلا يتحرك لوقف هذه المخططات، ولا يقوى على وقفها حتى إن أراد وهو مسلوب اللب، مستنفَد الطاقة، ضائع حائر بين شتى التيارات وشتى اللافتات وكلها تجذبه بعيداً عن الإسلام.
الإسلام هو العدو، والإسلام هو الخطر الماثل الذي لابد من القضاء عليه!
وإن عملية التفتيت لا ينبغي أن تقف عند التفتيت السياسي والجغرافي، لابد من التفتيت حتى العظم! التفتيت من الداخل، تفتيت الشخصية الإسلامية ذاتها بإذابة العنصر الفعال الذي يجمع الشخصية في كيان واحد متماسك، ثم يمنح هذا الكيان بعد تجميعه صلابة وقوة تجعله صعب الكسر. والمطلوب هو محو مقومات الشخصية المسلمة حتى تفقد تماسكها. يقول المستشرق النمساوي: “إن اعتزاز المسلم بدينه هو العقبة الكبرى أمام عملية التغريب”. إذن التغريب هو المطلوب، واعتزاز المسلم بإيمانه هو العقبة التي تقف في الطريق.
ولكن الزمن دار دورته، وبرزت الصحوة الإسلامية من جديد بقدر من الله رغم كل هذا الكيد والتخطيط، وجُنّ جنون الصليبية الصهيونية فقامت تضرب الصحوة بمزيد من الوسائل إضافة إلى ما كانت تضربه به من قبل، فاستخدمت القمع والسلاح! وتزعم الصليبية الصهيونية أنها لا تحارب الإسلام، وإنما تحارب التطرف وتحارب الإرهاب – زعموا! -.
ويستغل الإعلام الغربي الصليبي الصهيوني المتحفز أعمالاً يقوم بها بعض الشباب هنا وهناك فيتخذونها سنداً لحملة التشويه والتنفير التي يقوم بها ضد الإسلام.
أما أعمال العنف التي يشتكي منها الغرب بصرف النظر عن مشروعيتها أو عدم مشروعيتها، فيجب أن يَعلم الغرب أن الصليبية الصهيونية هي المسئول الأول عنها بسبب حربها السافرة والخفية ضد الإسلام، والضغط المستمر، والتضييق المتزايد على الإسلام والمسلمين في كل مكان، وخاصة في قضية فلسطين، ولابد أن يعلم الغرب الصليبي أن هذا الضغط هو الذي يولد الانفجار عليهم.
تسأل وتقول متى؟ قل عسى أن يكون قريبا ..
إن تدوال الأيام سنة من سنن الله: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس). وهي تجري دائماً بقدر من الله ومشيئة: (قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب). وكونها تجري بقدر من الله ومشيئة لا يتعارض مع وجود الأسباب الظاهرة التي تؤدي إلى النتائج، ولكنها لا تؤدي إلى نتائجها من ذات نفسها، بل بقدر من الله في كل مرة: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر) ومن فضل الله على الإنسان ثبات السنن التي تجري بها الأمور في الكون المادي وفي حياة البشر، ولكن تضل مشيئة الله تعالى فوق ذلك يفعل ما يشاء.
إن سنة التداول يصاحبها سنة الصراع بين القوى الموجودة في الأرض، وتغليب إحداها على غيرها بمقدار ما تحمل من مقومات الغلبة، وهنا تختلف النظرة وتختلف الموازين. فيرى الماديون أن الأسباب المادية هي التي تحكم الصراع وتقرر الغلبة، فالذي يملك من القوى المادية أكثر، سواء العسكرية أو التكنولوجية أو الاقتصادية أو البشرية هو الذي تكون له الغلبة في الصراع. ونرى نحن أصحاب العقيدة أن هناك معايير أخرى تدخل في الحساب وليست القوة المادية وحدها هي التي تقرر الغلبة في جميع الحالات، وأنه أولاً وأخيراً قدر الله: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَار). لقد أيد الله الفئة القليلة المؤمنة على ثلاثة أمثالها من الكفار في غزوة بدر بقدر منه، (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولا) ولكنه جعل السبب الظاهر المصاحب لقدر الله والذي يجري قدر الله من خلاله هو الإيمان مقابل الكفر، وهو قوة روحية وليست مادية، ولكنه أثقل في الوزن من القوى المادية المجردة من الإيمان. وفي مرة أخرى، أو في درس آخر من دروس التربية الربانية لهذه الأمة، كانت القوة المادية في صف المسلمين، ولكنهم غفلوا لحظة عن بعض حقائق الإيمان، فظنوا أن القوة الظاهرة في جانبهم ستكفل لهم النصر على أعدائهم من تلقاء ذاتها، وذلك يوم حنين، حين كان تعدادهم اثني عشر ألفاً، فقالوا: “لن نغلب اليوم من قلة”. فأصابتهم الهزيمة بقدر من الله حتى عادوا فتذكروا أن التسليم لله ورد الأمر إليه والتوكل عليه، جزء من عدة القتال للفئة المؤمنة، مع اتخاذ الأسباب ولكن دون تعلق بها: (لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين).
وفي عالمنا الحاضر تحاول أمريكا أن تفرض حضارتها وسلطانها على الأرض كلها، ويكتب كاتبهم ويقول: “إن صراع الحضارات سينتهي بفناء كل الحضارات وبقاء الحضارة الأمريكية لتكون هي النموذج الفذّ الذي تحتذيه الأمم كلها إن أرادت أن تستمر على قيد الحياة! وإلا فالويل لمن أراد أن يشذّ، ويتخذ لنفسه سبيلاً غير سبيل أمريكا العظمى!”. ونحن نقول أن هذا وهمٌ وقع فيه كثيرون من قبل، وهو مضاد لمشيئة مسبقة من الله (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُم). والله تعالى يقول مخاطباً الطغاة على مدار التاريخ: (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ، وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ، وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال).
هل هناك سنة لزوال الدول؟. يؤكد هذا ابن خلدون أن الأمم كالأفراد، تولد ثم تشب ثم تبلغ أشدها ثم تهرم فتموت. وقد يكون الأمر في ظاهره كذلك، ولكن إذا دققنا النظر نجد أن فناء الأمم حين يحدث تكون له أسبابه في تصرفات الأمم ذاتها، وليس كموت الأفراد الذي هو قدر مسبق من أقدار الله يوم خلق الإنسان، لا يعتمد في حدوثه على عمل معين من جانب الإنسان (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُون). أما الأمم فلها قدر آخر، إن حالها لا يتغير إلا إذا تغيرت نفوس الناس فيها بالخير وبالشر سواء (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم). والأغلب في حياة الأمم التي قدر الله لها التمكين في الأرض فترة من الزمن ثم زالت، أن تمر بمراحل معينة من مولدها إلى زوالها. فحسب السنن الربانية لابد لها لكي تُمكّن في الأرض بعد مولدها أن تكون لديها إرادة البقاء وإرادة التمكين، وأن تتمثل هذه الإرادة وتلك في جهد عملي تسعى به الأمة إلى حيازة أسباب القوة حسبما هو واقع في عصرها، سواء قوة السلاح والحرب، أو قوة السياسة في داخل كيانها، أو القوة العلمية أو القوة الاقتصادية، ولابد من عزيمة قوية وقدرة على بذل الجهد بلا ملل حتى تتحقق الأهداف. ثم يبدأ الصراع بينها وبين من حولها حين تصل درجة معينة من النمو، إما برغبة منها في مزيد من التوسع أو بخوف من جيرانها أن تتجه إليهم بقوتها فيبادرونها بالصراع من جانبهم، بأيٍّ من أدوات الصراع: الحرب أو السياسة أو كلا الأمرين معاً.
وفي فترة شباب الأمة وفتوتها يكون هذا الصراع حافزاً لمزيد من التشبث بالأهداف، ومزيد من الرغبة في الانتصار على الأعداء. وهذه في تاريخ الأمم هي أنشط المراحل وأغزرها إنتاجاً في كل اتجاه. ثم تجيء فترة تتحقق للأمة فيها السيطرة والتمكن، ولكن على حذر من الأعداء أن يفكروا في العدوان عليها، فتستمر في بذل الجهد وفي السعي إلى امتلاك وسائل القوة، ولكن على تمكن واطمئنان داخلي إلى أن لديها من القوة ما تستطيع به أن تردع أي طامع في العدوان. وهنا بعد فترة من الزمن يبدأ خط الانحدار!. تمضي فترة تتقرر فيها الغلبة بوضوح للأمة على من حولها، فتطمئن إلى قوتها اطمئناناً زائداً عن القدر اللازم، ولا تعود تعطي اهتماماً للقوى الخارجية المناوئة أو المنافسة، ويكون لدى الأمة من أسباب الغنى ما يحملها على الترف والتراخي فيبدأ الاضمحلال. فإذا قامت إلى جوارها أمة فتية، تحمل من مقومات الصراع ما فقدته تلك في طمأنينتها أو في ترفها وتراخيها، فسرعان ما تتغلب القوة الجديدة، وتتجه الأولى إلى الزوال أو البقاء على هامش التاريخ.
إذا كانت هذه سنة الله في مداولة الأيام بين الأمم والجماعات، فهي تجري من خلال أعمال تقوم بها تلك الأمم سواء في الصعود أو الهبوط، نابعة من أشياء في النفس، تتغير فيغير الله الأحوال بمقدار ما تَغَيّرَ في داخل النفوس، وما تغيّر تبعاً لذلك من أعمال في واقع العيان. ولقد مرت الأمة الإسلامية بتلك السُنّة التي لا تتبدل ولا تتحول، فذهبت دولة بني أمية حين بدأ يدب إليها الترف وتغفل عن تنامي قوة أعدائها، وذهبت الدولة العباسية، ثم دولة المماليك، ثم الدولة العثمانية على نسق متقارب في كل مرة، وحدث الشيء ذاته مع دولة الأندلس في الغرب.
ولكن السؤال: هل تسري سنة الفناء على الأمة الإسلامية بصرف النظر عن الدولة الحاكمة؟.
الجواب: نقول باطمئنان أن هذه الأمة هي أطول الأمم عمراً في التاريخ الحديث، وأنها بإذن الله لا تفنى حتى يرث الله الأرض وما عليها، بناء على وعد دائم من الله تعالى أن يمكّن لها في الأرض كلما حازت شروط التمكين: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئا) ووعد من رسوله صلى الله عليه وسلم: “يَبعث الله على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها” رواه أبو داود في سننه. وهذا هو مفرق الطريق بينها وبين الأمم التي بادت في التاريخ.
هذه الأمة لها كتاب سماوي محفوظ بحفظ الله، لا يناله التغيير ولا التحريف، هو دستور الحياة بالنسبة لها وبالنسبة للبشر كافة، والأمة تضعف أو تقوى بمقدار ما تقترب أو تبتعد من منبع الحياة والقوة والتمكين، ولكنها بوعد الله ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم لا تبتعد البعد الذي يفصلها عن منبعها كل الفصل، لأن الله يبعث لها من يعيدها أو يدعوها للعودة إليه.
وقد مرت بهذه الأمة من الأهوال والكوارث ما كان كفيلاً بالقضاء على أي أمة ليس لها أصل محفوظ وجذور ضاربة في الأعماق: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون). تلك الكلمة الطيبة هي: “لا إله إلا الله” بكل ما تحمل من نور، يُخرج الله به الناس من الظلمات. وقد انبثقت من هذه الكلمة الطيبة حضارة أضاءت وجه الأرض في يوم من الأيام، لا بين معتنقيها فحسب، بل كذلك في الذين حاربوها بكل قوتها، ولكنهم لم يملكوا أنفسهم من التأثر بها والاستفادة منها. ثم ابتعدت الأمة عن المنبع فخبا نور الحضارة التي أضاءت وجه الأرض ذات يوم، فملأ مكانها حسب سنة التداول حضارة جاهلية، تقدمت في بعض جوانب الحياة تقدماً هائلاً، لكنها انتكست في الجوانب الأخرى انتكاساً لا مثيل له في التاريخ! وتلك الحضارة الجاهلية هي التي تريد اليوم أن تملك الأرض وتتزعم العالم وتبيد غيرها من الحضارات.
كلا وألفُ كلا، إنها لا تملك من أسلحة الصراع الحقيقية إلا القوة المادية، وتلك وحدها بغير قيم روحية وأخلاقية مصاحبة لا تضمن لصاحبها الاستمرار، بل إنها بتوهمها أنها بقوتها المادية وحدها تستطيع أن تملك العالم وتتزعمه وتبيد غيرها من الحضارات لتكشف عن نقطة الضعف الكبرى في كيانها التي تؤهلها لا للزعامة بل للانحدار. والإسلام هو الحضارة التي يمكن أن يُكتب لها البقاء بالمقومات الربانية التي أودعها الله فيه. والصحوة الإسلامية مبشر يبشر بهذه العودة، وإن استغرق الأمر قدراً من الزمن، لا يعتبر شيئاً يُذكر من عمر الأمم. والغرب في دخيلة نفسه يخشى هذا الأمر ويحسب له كل حساب. يخشى الصحوة الإسلامية وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج في زعامة الغرب وسيطرته وتفرده بالسلطان.
ولو تعقل الغرب لما أفزعه الإسلام، ولا جنّد طاقته كلها للقضاء عليه! فهو المنقذ الذي يمكن أن ينقذ الغرب ذاته من التردي في هاوية الظلمات، ولكن البشر لا يُحكّمون عقولهم حين تستولي عليهم الأهواء (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون).
غني عن البيان أن هناك حرباً ضارية مشبوهة ضد الإسلام والمسلمين في الوقت الحاضر، وهي حرب صليبية صهيونية مهما حاول أهلها أن يخفوا وجهها القبيح تحت مختلف اللافتات والعناوين، ومهما حاول الإعلام العربي المنقول نقلاً حرفياً عن الإعلام الغربي، أن يجاري الغرب في إخفاء الوجه القبيح لهذه الحرب.
لقد خططت أوربا الصليبية ودبرت للقضاء على الدولة العثمانية طيلة مائتي عام على الأقل، وأفلحت في النهاية في القضاء عليها بعد جهاد طويل. وكان في تفكيرهم وتقديرهم البشري أنهم إذا قضوا على الدولة العثمانية فإنهم يقضون على الإسلام كذلك. وبالفعل أحدث انهيار الدولة العثمانية زلزالاً هائلاً في العالم الإسلامي، وسارعت معاول الهدم تستغل الزلزال لتكمل التدمير. ولكن الصليبية فوجئت بالصحوة الإسلامية وبالحركات الإسلامية خرجت من هنا وهناك بعد الجهد الضخم الذي بذلته في القضاء على الدولة العثمانية، فظهرت حركة إسلامية في مصر، وحركة إسلامية في الهند، وحركة إسلامية في السودان، وحركة إسلامية في الجزيرة العربية، وحركة إسلامية في المغرب العربي، وغيرها وغيرها، فجُنّ جنونها، وأقبلت تضرب ضربات حادة مجنونة تحاول بها القضاء على الصحوة التي جاءتهم على غير انتظار.
إن الشطط والغباء الذي تركتبه الصليبية الصهيونية سيكون هو ذاته وقوداً لحركة إسلامية لا يستطيع الغرب الصليبي وقفها ولو استعان بكل الأعوان الذين يقومون اليوم بمعاونته في ممارسة شططه.
إن الانفجارات الكبرى في التاريخ قد حدثت كلها حين استوى عند الناس الموت والحياة. والصليبية الصهيونية تدفع المسلمين بحماقة إلى النقطة الحرجة التي يستوي فيها الموت والحياة. خذ هذه الأمثلة السريعة من الواقع القريب:
حماقة الصرب في بلاد البوسنة والهرسك، ووقوف العالم الصليبي كله ساكناً يتفرج، ومئات الألوف يبادون إبادة جماعية، ويُعذبون ويحرقون، ويُعتدى على نسائهم ويقتل أطفالهم أمام أعينهم، في الوقت الذي يُمنع عن البوسنويين كل سلاح لكي لا يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، ولا وقف المجازر التي تحل بهم، واستمرار ذلك لا أياماً ولا أسابيع ولا شهورا، بل سنوات.
وحماقة إسرائيل في فلسطين في القتل الجماعي، وهدم البيوت على أصحابها، وطرد أهلها منها، وتدنيس المقدسات، وأمريكا واقفة تساند الجرائم كلها التي ترتكبها إسرائيل وتدافع عنها، وتمدها بالمال والسلاح بغير حساب، وتعينها على إنتاج أسلحة الدمار الشامل بينما تشن الغارة على أماكن في العالم الإسلامي بحجة الاشتباه في إنتاج مواد يمكن أن تساعد في إنتاج أسلحة لا توازي في خطرها عُشر معشار ما تملكه إسرائيل.
ووقوف الصليبية الصهيونية مع حماقة الهند في هدم المساجد وإقامة الأوثان بدلاً منها، وتقتيل المسلمين في كشمير، والإغارة على القرى المسلمة وإشعال النار على أهلها أحياء، فإذا فروا من النيران قبضت عليهم بتهمة التخريب وزجت بهم في السجون لتعذبهم.
وحماقة الصليبية الصهيونية اليوم في وقوفها مع النظام النصيري في سوريا، وهو يتفرج على هذه البراميل التي يُسقطها النظام يومياً على مساكن الآلاف من الأسر والعوائل العزّل، ويموت يومياً المئات والعالم لا يحرك ساكناً.
وعشرات من الحماقات ومئات ترتكبها الصليبية الصهيونية يومياً، سواء فيما يسمى المحافل الدولية حين تعرض قضية تمس المسلمين أو في العمل على تدمير اقتصاديات المسلمين وإذلالهم وسلب أقواتهم وتحويلهم عبيداً خاضعين للغرب.
هذه الحماقات كلها ما نتيجتها؟ ما نتيجتها حين يستوي عند الناس الموت والحياة إلا الانفجار، كما حدثت كل انفجارات التاريخ؟!.
في أوائل الخمسينيات من هذا القرن ألقى المؤرخ البريطاني الشهير “توينبي” محاضرة عن الإسلام بعنوان “الإسلام والمستقبل” قال فيها: إن الإسلام اليوم نائم نومة أهل الكهف، ولكن النائم قد يستيقظ إذا وجدت دواعي اليقظة. وقد أثبت الإسلام وجوده في مناسبتين كبيرتين في الماضي، الأولى: حين اكتَسح في سنوات قليلة نصف الإمبراطورية الرومانية، والثانية: حين صمد للحروب الصليبية وانتصر عليها. واليوم إذا استمر الغرب في الضغط على شعوب العالم الثالث فقد يجد الإسلام الفرصة لتزعم ثورة تلك الشعوب على الضعط الغربي. قال: وأرجو ألا يحدث ذلك!.
إن كان من تعليق على كلام “توينبي” فنقول: الذي كان يخشاه “توينبي قبل نصف قرن يوشك اليوم أن يحدث بسبب استمرار الغرب في حماقة الضغط على الشعوب الإسلامية إلى الحد الذي يولد الانفجار.
والحمد لله ..
عن الموقع الرسمي للشيخ ناصربن محمد الأحمد